قالوا: جئنا نزف فاطمة إلى زوجها علي بن أبي طالب، فكبر جبريل، [وكبر ميكائيل] وكبرت الملائكة، وكبر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فوقع التكبير على العرايس من تلك الليلة".
[خبر فدك]
ومن أخبارها عليها السلام، ما كان من أمر فدك نحلتها من أبيها - صلى الله عليه وآله وسلم - قبضت خراج فدك أربع سنين في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان خراجها والعوالي ثلاث مائة ألف دينار، ذكر ذلك أصحابنا في غير موضع، وذكره أبو العباس في مصابيحه عن جعفر الصادق - عليه السلام - قال: وفدك سبع قريات متصلات، وكان وكيل فاطمة عبداً يسمى جبير، أخرجه أبو بكر من فدك بعد خمسة عشر يوماً من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلما ورد وكيل فاطمة عليها السلام، قال: أخرجني أبو بكر، فسارت فاطمة عليها السلام، ومعها أم أيمن، ونسوة من قومها، إلى أبي بكر، فقالت: فدك بيدي أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: يا بنت محمد، أنت عندنا صادقة، إلاّ أن عليك البينة؟
فقالت: يشهد لي علي بن أبي طالب، وأم أيمن.
فقال: هاتي، فشهد أمير المؤمنين عليه السلام، وأم أيمن رحمها الله تعالى، فكتب لها صحيفة، فأخذتها فاطمة، واستقبلها عمر، وقال: يا بنت محمد، هلمي الصحيفة، ونظر فيها، ومزقها، وقيل: تفل فيها، ومحا ما فيها.(1/141)


ومن كلام علي عليه السلام: (فوالله ما كنزت من ديناكم تبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت ليالي ثوبي طمراً).
حتى قال عليه السلام: (بلى، كانت في أيدينا فدك فشحت عنها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك؟ والنفس مظانُّها في غدٍ جدثٌ، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها)، الكلام المشهور إلى آخره.
قلت: وفي هذا الكلام ما يدل على أن نزع أبي بكر لفدك من يد فاطمة عليها السلام لم يكن بطريقة شرعية؛ لأنه عليه السلام قال: (فشحت عنها نفوس قوم)، والشح لا يدخل في الأحكام الشرعية، فلا يقال إذا حكم القاضي لأحد الخصمين على الآخر بشيء: شح القاضي على الخصم الآخر الذي لم يحكم له، بل يعد من قال ذلك ظالماً للقاضي، ناسباً إليه الجور في قضائه وحكمه، فلو كان انتزاع أبي بكر فدكاً بحكم الله على ما زعم، ما ساغ لعلي عليه السلام أن يقول: شحت نفس أبي بكر بفدك علينا، فسخت نفوسنا بها، ولينظر الناظر إلى قوله عليه السلام: (ونعم الحكَم الله)، لا بد أن يكون في ذكره لهذه الكلمة فائدة وغرض، فإن كان أبو بكر محقاً في أخذه لفدك، فلا فائدة لهذا التألم، بل لأبي بكر أن يقول: نعم الحكم الله بيني وبينكم، تعتقدون فيَّ الظلم والجور؟ وأنَا من ذلك براءٌ، فالله نعم الحكم في الاستنصاف لي من تجويركم، ونسبتكم إليّ مالم أتعد فيه حدود الله، ولم أتجاوز إلى غير حكمه والعمل بمقتضى شريعة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.(1/142)


وإن كان أبوبكر غير محق في أخذه لفدك كان هذا الكلام لائقاً؛ لأنه في معنى التألم، والتظلم، وطلب الاتستنصاف من العدل الحكيم، ولا بد أن يكون هذا الكلام حجة لأبي بكر، أو حجة عليه، بأن يكون الكلام تظلماً منه ومن فعله.
* فإن كان الأول لزم أن يكون عليٌ متألماً لأبي بكر، مستنصراً له على فاطمة عليها السلام في غضبها عليه من دون موجب.
* وإن كان الثاني لزم أن يكون أبو بكر حاكماً في فدك بغير حجة ولا برهان، فانظر أين تضع قدمك ياسالك، واختر لنفسك أوضح المسالك، وأحسن في العقيدة لحالك، وميز ببصرك بين النهار الجلي والليل الحالك.(1/143)


ونعود إلى ما كنا فيه: لما أكرم الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالنقله إلى دار الكرامة، ورضي له ما عنده، عمت مصيبة المسلمين، وخصت أهل بيته المطهرين، فبينا فاطمة عليها السلام تعالج سكرات فقده - صلى الله عليه وآله وسلم - إذ قبض أبو بكر فدكاً، ولم يقبل شهادة الوصي، وجاء بمعكوس الحكم في طلب البينة وإنكار الوراثة، وفعل معها تلك الأفاعيل، وقيلت تلك الأقاويل، والحليم تكفيه الإشارة، فلو أن مؤمناً مات لذلك كمداً وغيضاً وأسفاً، ما كان عندي به ملوماً، ولمّا أيست فاطمة عليها السلام من فدك، وفعل في جانبها ما فعل، أنشدت كالمناجية به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
قد كان بعدك أنباء وهينمةٌ .... لو كنت فينا لما خفنا من النوب(1/144)


قال الأمير صلاح الدين بن أمير المؤمنين، قدس الله روحه: وقع في تصرفهم (يعني المشائخ الثلاثة) من الجور ما لا ينكره إلا من عَنَدَ عن الحق من هتك حرمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وظلم البتول، أخرجوا واليها من مالها ونحلتها المعروفة لها، وطلبوا منها البينة على شيء في يدها، وحكموا فيها بغير حكم الله، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: فنكثوا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخالفوا إلى غير فعله، في أخذهم فدكاً من يد ابنته، فلما رأت عزمهم على أن يركبوها العنف، ويأخذها بالعَسْف، جاءت بأمير المؤمنين، والحسن عليهما السلام، وأم أيمن رحمها الله تعالى، يشهدون لها على دعواها بالنحلة، وهم عدول، قد حكم بتطهيرهم، فردوا شهادتهم، فماتت وهي غاضبة عليهم، بلا خلاف بين آبائنا عليهم السلام.
وكان من آخر كلامها الذي لقيت الله سبحانه وتعالى عليه ما ذكرته لنساء المهاجرين والأنصار، لما سألنها كيف أصبحت يابنت محمد؟(1/145)

29 / 51
ع
En
A+
A-