قلنا: فهلا قال الإمام: إن صح أن أبا بكر أخذ فدكاً من يد فاطمة، فطلبها البينة على شيء هو في يدها وتصرفها، فالقول قولها فيما كان تحت يدها، وفعل هذا أبوبكر لغير وجه، فهذه هفوة من أبي بكر، ما بال طريق تهفية الوصي مسلوكة؟! وطريق تهفية أبي بكر متروكة؟! وهذا عارض من الكلام، ونعود إلى ما كنا فيه.
ومن كتاب "أنوار اليقين"، وروينا من كتاب الفقيه ابن المغازلي الشافعي الواسطي ما رفعه إلى أنس: أن أبابكر خطب فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يرد إليه جواباً، ثم خطبها عمر فلم يرد إليه جواباً، ثم جمعهم، فزوجها علي بن أبي طالب – عليه السلام- وقيل: أقبل على أبي بكر وعمر فقال: إن الله عز وجل أمرني أن أزوجها من علي، ولم يأذن لي في افشائه [إلى] هذا الوقت فلم أكن لأفشي ما أمر الله تعالى به.
وروينا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج ناوله رضوان تفاحة، فتناولها، وخلقت فاطمة عليها السلام منها: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إذا اشتقت إلى الجنة، قبلت شفتيها فأجد فيها رائحة الجنة، وهي حورية إنسية)).(1/136)


وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع عائشة، فدخلت فاطمة عليها السلام، فعانقها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبلها، وشم شفتيها، فقالت عائشة: ما أكثر ما تقبل فاطمة!
فقال: ((يا حميرا، أتدرين لماذا أقبلها))؟
قالت: لا.
قال: ((إنه لما أسرى بي جبريل إلى السماء، وأدخلني الجنة، فرأيت على بابها شجرة يقال لها: طوبى، حملها أصغر من الرمان وأكبر من التفاح، وأحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وألين من الزبد، وأعذب من الشهد، ليس له عجم، فناولني جبريل عليه السلام واحدة منها، فأكلتها، فإذا عند أصل الشجرة عين يقال لها: سلسبيل، أبيض من اللبن، وأضوأ من الشمس، فسقاني جبريل من ذلك الماء، فشربت، فلما نزلت إلى الأرض، اشتهيت خديجة، فواقعتها، فحملت بفاطمة، وهي حورية إنسية، ليس يخرج منها ما يخرج من النساء عند الحيض، وإذا اشتهيت رائحة الجنة قبلتها، وشميت منها رائحة الجنة))".(1/137)


قلت: يلوح من كلام عائشة في قولها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أكثر ما تقبل فاطمة! كراهة ما شاهدته من شغف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثمرة فؤاده، ويشم من ذلك رائحة الحسد، كما هو عادة النسوان في الربايب، إلاّ من عصم الله، وقليل ما هم، والكلام في فضائل البتول عليها السلام لا يحصى، لكنا نقتصر هاهنا على هذا القدر.
[عصمة البتول ودليلها]
وأما الوجه الثاني : وهو في الدليل على عصمتها، فالدليل على ذلك آية التطهير المعروفة بأدلتها المحررة، وبراهينها المقررة، قال الإمام الحسن الداعي عليه السلام: روينا أنها لما نزلت آية التطهير، دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيت فاطمة - عليها السلام - وهم نيام، فانزعجوا لدخوله، فقال: كما أنتم، وجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين صدر فاطمة وعلي، وأخذ رأس علي والحسن على يمينه، [ورأس فاطمة] والحسين على شماله - صلوات الله عليهم أجمعين - ورفع يده إلى السماء، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة: وأنا منكم يارسول اللَّه، فقال: أنتِ إلى خير، وفي بعض الأخبار لست منهم وإنك لعلى خير، فسميت لذلك أم سلمة الخير، وقال جبريل عليه السلام، وقد أدخل رجله تحت العباة: وأنا منكم يا رسول الله، فقال: أنت منا، فصعد إلى السماء(1/138)


يفتخر، ويقول من مثلي؟ وأنا من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم إني ليس في الملائكة لي نظير، في هذا المعنى، وهذا الخبر يدل على عصمتهم، وعلى جلالة قدرهم؛ لكون نبي الأنبياء ورسول الرسل، يزداد بهم فخراً، وهي عليها السلام خامسة المعصومين، وهي أم الأئمة الهادين.
قلت: فهل لِنشوان وجيله بعد هذا الخبر من طماعية في قولهم بزعمهم أن أهل البيت الزوجات، لولا مناكرة الحق الأبلج، والميل عن سوي المنهج.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد .... وينكر الفم طعم الماء من السقم
[ولادة البتول وزواجها عليها السلام]
وأما الوجه الثالث: وهو في طرف من أخبار البتول - عليها السلام - كانت ولادتها بمكة، وعقد بها علي عليه السلام بالمدينة، سنة اثنتين من الهجرة، ودخل بها عليهما السلام في شهر صفر سنة ثلاث من الهجرة، وهذا طرف من أخبار الزواجة:(1/139)


قال الإمام الحسن عليه السلام: لما زوج الله تبارك وتعالى فاطمة من علي - عليه السلام - أمر الملائكة المقربين أن يحدقوا بالعرش، وفيهم جبريل وميكائِيل وإسرافيل - عليهم السلام - فأحدقوا بالعرش، وأمر الحور العين أن تتزين، وأمر الجنان أن تزخرف، فكان الخاطب الله تبارك وتعالى، والشهود الملائكة، ثم أمر شجرة طوبى أن تنثر عليهم، فنثرت اللؤلؤ الرطب، مع الدر الأخضر، مع الياقوت الأحمر، مع الدر الأبيض، فتبادر الحور يلتقطن من الحلي والحلل، ويقلن هذا من نثار فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الإمام: وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لما كانت ليلة الزفاف، أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببغلته الشهباء، وثنا عليها قطيفة، وقال لفاطمة عليها السلام: اركبي، وأمر سلمان أن يقودها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسوقها، فبينا هو في بعض الطريق إذ سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجبة، فإذا هو جبريل عليه السلام في سبعين ألفاً من الملائكة وميكائيل في سبعين ألفاً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أهبطكما إلى الأرض))؟(1/140)

28 / 51
ع
En
A+
A-