وقوله: وكان يلزم دخول أبي لهب في الصلاة على الآل فقول محال، أَوَلَمْ يسمع إلى قوله تعالى لنوح في ولده: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}[هود:46] كما قدمنا بيانه،كذلك هاهنا، وإنما أراد التهويل.
ومن عجائبه: إنكار قوله: "إن لفظ الآل ذرية الرجل" وهو يسمع ويتلو {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) ذريةً بعضها من بعض والله سميع عليم}[آل عمران:33-34] أوَ لا ترى كيف فسَّر الله تعالى [الآل] بالذرية تفسيراً ظاهراً، لا يحتاج إلى طائل نظر،‍‍‍‍‍‍‍‍ ونصب ذريةً على البدل من الآل.
ومن القرآن قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ}[مريم:6] وقوله تعالى: {فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[النساء:54] بعد قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ}[الحديد:26] وفسر هَاهنَا الذرية بالآل، كما فسر الآية الأولى الآل بالذرية، فقد بان أن أحدهما هو الآخر، وقد تعامى من خالف في ذلك، وسلك أعوج المسالك، وعلينا الدليل، وعلى الأمة الاستدلال، موجب إرث الجنين الاستهلال.
ومن نظم قاله الصنو عماد الدين محمد بن أحمد في العترة المطهرة سلام الله عليهم:(1/116)


نحن على رغم عداةٍ لنا .... نبقى إلى يوم تزول الجبَال
في كل عصر و لنا قائمٌ .... يهدي إلى الرشد وينفي الضلال
فقل لمن رام زوالاً لنَا .... مُتْ كمداً مَا إنْ لنا من زوال
نحن بنوا المختار نبقى على .... رغم المعَادين على كل حَال
وآله ليس له غيرنا .... آل وإن قيل فقولٌ محَال
آل رسول الله أسباطه .... والشمس لا يشبهها لمع آل
من قال فيهم غير مَا قلته .... فأمّه أصل فساد المقال
2- الجواب الثاني: من أصل الإعتراض، وهو أن المراد بأهل البيت عليهم السلام في الآية الشريفة زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تخلل في الوجه الأول الذي فرغنا منه كلام لم يكن هذا المكان موضعه، لكن الحديث يجرّ بعضه بعضاً.
خذا أنف هرشا أو قَفَاها فإنه .... كلا جَانبيْ هرشا لهن طريق
وتحقيق الجواب الثاني أنه لا يصح أن يكون لفظ أهل البيت يعود إلى الزوجات؛ لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون إجماعهن حجة، ولا قائل بذلك، وإنما قلنا أنه يلزم أن يكون إجماعهن حجة لمثل الذي قلناه في إجماع أهل البيت عليهم السلام من نفي الرجس المذكور في الآية، وتحرير الدلالة على ذلك في مواضعها من كتب الزيدية، زين الله علومها بأقمار العترة المحمدية.(1/117)


خيال: زعموا أن أول الآية وما بعدها في ذكر الزوجات، فيجب أن يكون أهل البيت الزوجات لتوسط هذا اللفظ بين ذكر الزوجات أولاً وآخراً.
جوابه: من وجهين:
أولهما: ما قدمناه من تحقيق لفظ أهل البيت ووقوعه على ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وامتناع وقوعه على الزوجات، كما مر تقريره وتلخيصه.
الوجه الثاني: أن جمل القرآن يجوز أن يتخلل بعضها بعضاً والمراد ببعضها غير المراد بالآخر، وقد ورد ذلك في سورة الصافات حيث قال تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ(161)}[الصافات] وهذا خطاب موجه إلى بني آدم، ثم قال حكاية عن الملائكة: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ(164)}[الصافات] ثم رد الخطاب إلى بني آدم، فقال: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ(167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ(168)}[الصافات] وهذا عين ما نحن فيه، ذكر الله تعالى في أول الجمل الزوجات، ثم ذكر أهل البيت، ثم رجع إلى ذكر الزوجات.(1/118)


إعتراض: ذكره سيدنا الإمام العلامة فخرالدين عبدالله بن حسن الدواري، أيده الله تعالى، قال: "هذا ما ذكر أصحابنا في وجه دلالة الآية، وفيه نظر؛ لأنه يقال: ليس في عصمتهم مَا يقضي بكون قولهم حجة، ولهذا فإن كل واحد من الخمسة معصوم، وقول الواحد منهم ليس بحجة، إلاّ قول أمير المؤمنين عليه السلام لدلالة غير العصمة"، هذا كلام سيدنا منقول من بعض حواشيه، وبيض الكاغد من دون جواب.
الجواب عن هذا الاعتراض من وجهين:
* أحدهما: أن الآية دلت على عصمتهم، والخبر دل على أن قولهم حجة، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي))...إلى آخره، فقرن بين العترة والكتاب، وقد ثبت أن كتاب الله حجة، فوجب لاقترانهم به أن يكون قولهم حجة، وإلاّ بطل معنى الإقتران وهو لا يجوز.
* الوجه الثاني من الجواب: أنا لا نسلم أن قول المعصوم ليس بحجة، بل هو حجة واجبة الاتباع، والوجه في ذلك القطع على صدق قوله، وعلى إستحالة الكذب عليه، ولا أبلغ في الحجة من هذا.(1/119)


فأما قوله: "إن قول كل واحد من الخمسة على الانفراد ليس بحجة، إلاّ قول علي عليه السلام"، فقد ذكر فيه أقوال، وأصحها أن قول كل واحد منهم على الانفراد حجة، ذكر ذلك الشيخ أبوالقاسم البستي، واحتج على ذلك بحجج لا يسعها هذا الموضع، وجواب مولانا جمال الدين فيه بعض نظر؛ لأنه يؤدي إلى التوقف والدور، فلا يكون الإجماع الأول حجة حتى يكون الآخر حجة، وذلك باطل.
جواب آخر: أن الآية إذا دلت على عصمة أهل البيت عليهم السلام، وَجب أن يكون إجماعهم حجة، بدليل أنهم أجمعوا على ذلك، فيكون الدليل على أن إجماعهم حجة إجماعهم على أن إجماعهم حجة، يزيده بياناً أن الآية قد دلت على عصمتهم، والمعصوم إذا قال: قولي حجة كان قوله حجة، ولا يجوز مخالفته؛ لأنه لا فائدة في العصمة إلاّ سلامة الأقوال والأفعال من الكبائر، والكذب من جملتها على الصحيح، وإذا قال المعصوم: قولي حجة، وَجب إتباعه، ولم يجز نزاعه، هذا ما سنح من الجواب على هذا الإعتراض، وقد عرضته على سيدنا العلامة فاستحسنه، وقد أشار إلى هذا الإمام الحسن بن بدرالدين عليه السلام في أنوار اليقين.(1/120)

24 / 51
ع
En
A+
A-