ومن كلام علي عليه السلام لأهل الكوفة:
(وجزاكم الله من أهل مصر عن أهل بيت نبيكم أحسن ما يجزي العاملين بطاعته، والشاكرين لنعمته، فقد سمعتم، وأطعتم، ودُعيتم فأجبتم) هذا كلامه عليه السلام.
وقد بان أنه ما أراد بأهل البيت إلاّ نفسه وذريته الطاهرة.
ومنه قوله عليه السلام: (فنظرت، فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت).
ويكفي في نصب الحجة على أنَّ لفظة "أهل البيت" تقع على أقارب الرجل دون الزوجات هذا الكلام المذكور آنفاً، وهو قوله عليه السلام: (فنظرت، فإذا ليس لي معين) إلى آخره، وعلي عليه السلام مما لا يشك في استقامة لسانه وفصاحة منطقه.
ومن كلامه عليه السلام: (والله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أن العرب تنزع سلطان محمد عن أهل بيته) أو قال: (تزعج هذا الأمر عن أهل بيته) أو كما قال.
ومن كلامه عليه السلام: (من أحبنا أهل البيت فليعد للبلاءِ جلباباً).
...(1/106)
وكلامه عليه السلام لا يحصى كثرة في إطلاق هذه اللفظة قاصداً بها نفسه وذريته، إما مصرحاً، أو ملوحاً.
ومن كلام الناصر الكبير عليه السلام: "بيتان طاهران، بيتي وبيت القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، أما بيتي فيخرب، وأما بيت القاسم، فيبقى معموراً إلى يوم القيامة"، يريد أولاده وأولاد القاسم، وكم عسى أن يعد الإنسان من الشواهد من شعر العرب:
إن أبا ثابت لمجتمع الرّأي .... شريف الآباء والبيت
يريد بالبيت أولاده وقومه، قال في ضياء الحِلوم: "البيت عيَال الرجل، والبيت واحد بيوتات العرب"، فلم ينازع نشوان على شدة تعصبه على العترة في أن البيت عيَال الرجل
قالوا: فما معنى أهل بيتي كالنجوم؟ وكأنه قال: "أهل أولادي"، وكذا في قوله: "أهل البيت" فكأنه قال: "أهل أولادي".
قلنا: إن أهل بيت الرجل أولاده وقرابته، وإذا أُطلق لفظ "البيت" من دون ذكر "الأهل" أفاد أولاد الرجل، ومتى قيل: "أهل البيت"، أفاد هذه الفائدة، ولا يلزم ما قلتم؛ لأن لأولاد الرجل اسمين أحدهما نفس لفظ "البيت"، والثاني نفس لفظ "أهل البيت"، وقد قال نشوان: "إن الأهل الأتباع"، فلما كثر استعمال ذلك، سمي بهما أهل بيت الرجل، وهذا تحامل من نشوان، وهو ظاهر التهافت، أليس قد أقر أن الأصل في "الأهل" الأتباع؟ وأن الأتباع لما كثر، سمي بذلك أهل بيت الرجل، فلا بد هاهنا من اسم ومسمى، والإسم لفظ "الأهل" بزعمه، والمسمى "أهل بيت الرجل"، فعلى هذا الإسم هو المسمى لأن المسمى عنده "أهل بيت الرجل"، والإسم لفظ "الأهل"، ومعلوم أن الإسم غير المسمى، وإلاّ لزم إحتراق من يلفظ بإسم النار، شعراً:
لو كان من قال ناراً أحرقت فمه .... لَمَا تلفظ باسم النار مخلوق(1/107)
وقد بان بهذا أن تحامل نشوان على عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعشى ناظري بصيرته، وأعمى إنسان فطنته ولوذعيته، وأكْمه قلب براعته وألمعيته(13).
______________
([13]) - قال الإمام الحجة الحافظ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوارج/1/67:
وإن شئت أن تنظر غاية الخذلان، ونهاية التهافت في هذا الشأن، الدال على سلب التوفيق وعما البصيرة، الموقع لصاحبه في المباهته ومكابرة الضرورة، فانظر إلى أمثال هذيان نشوان في قوله:
آل النبي هم أتباع ملته .... من الأعاجم والسودان والعرب
لو لم يكن آله إلا أقاربه .... صلى المصلي على الغاوي أبي لهب
ولعمر الله إن مثل هذا الاستدلال لايستحق الجواب لكونه مكابرة في مقابلة الضرورة، مع خلله وفساده، ووضوح عناده، لأولي الألباب، وإنما يجاب بمثل قول بعض قرناء الكتاب:
أشعة الفضل أعمت ناظريك فما .... فرّقت بين حصاء الأرض والشهب
وإنه ماكان ينبغي أن يصدر ممن له مسكة بصر، أو رائحة نظر، فضلاً عن مثل نشوان لولا الخذلان الشديد، والضلال البعيد، وإنه لايدرى أي وجهيه أعجب أمخالفة القواطع المعلومة من آية المودة ونحوها من الآيات وأخبار الكساء الدالة على الحصر والتعيين، وأخبار الثقلين المتواترة.
فمن المتروك؟ ومن المتروك فيهم؟ ومن المتمسك؟ ومن المتمسَّك بهم؟ وأخبار السفينة فمن المشبه بها؟ ومن المشبه براكبها؟ وغير ذلك مما لايحصى كثرة مما سبق وما يأتي ومالم نذكره، ولو لم يكن إلا ماورد في المعنى العام باللفظ الصريح من تحريم الزكاة على آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في النصوص المعلومة، لجميع الأمة، وهذا ونحوه هو العمدة في الاستدلال وإنما ذكرت ماسبق وإن لم يكن فيه نزاع لأن أصل آل أهل كما ذكروه فالمعنى واحد، أم اعوجاج الاحتجاج، الدال على وضوح اللجاج، وتنكب المنهاج.
قال السيد الإمام السباق، المجتهد على الإطلاق، صلاح بن أحمد المؤيدي في شرحه لهداية ابن الوزير المسمى لطف الغفار، الموصل إلى هداية الأفكار: وقلت أيضاً مستعيناً بالله سبحانه:
آل النبي هموا أهل الكساء كما .... جاءت به واضحات النقل عن كثب
قد قال أهلي بتقديم الإشارة في .... بعض الأحاديث قولا غير ذي كذب
وذاك حصر لهم فافطن لما زبرت .... أهل المعاني أولوا التحقيق في الكتب
وألحقوا بهمو أبناء ابنته .... إذ يلحقون به بالنص في النسب
واستقر ماضمت الأسفار من شرف .... سام لآل النبي السادة النجب
[وقل تعالوا] يفيد القطع أنهمو .... أبناء أحمد فادعوهم لخير أب
ذرية شرفت من نسبة عظمت .... ترددت في وصي طاهر ونبي
والله ميز آل الأنبياء بها .... في آل عمران لابالعجم والعرب
ذرية بعضها من بعضها فلذا .... قلنا هم الآل لا أبناء مطلب
إلى قوله:
قال الإله لنوح ليس إبنك من .... أهليك دع عنك عمَّا غير مقترب
كيف التعامي عن الإنصاف ويحك يا .... نشوان لم تصح لامن خمرة العنب
انتهى.
هذا وقد رويت توبته، والله أعلم بصحتها، والله سبحانه يقول: {إلاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة:160]، فلا بد من الإصلاح والبيان كما شرطه الله تعالى مع الإمكان، والذي يقضي به هذا وكلام الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن عليه السلام حيث قال لما وقف على قبره ـ ولله دره ـ:
ياقبر نشوان ماضمنت من حكم .... ومن علوم له تُربي على الديم
ياقبر نشوان لولا النصب فقت على .... من كان من علماء العُرب والعجم
وهكذا كلام الإمام يحيى شرف الدين، والسيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير عليهم السلام بقاؤه على ماكان، وكم لنشوان من إخوان وأخدان، في جميع الأزمان، ومع هذا فقد كان نشوان يعترف بالحق لآل محمد عليهم الصلاة والسلام، من ذلك قوله:
وذكرت آل محمد وودادهم فرض علينا في الكتاب مؤكد
وهذا نقض صريح لقوله السابق: آل النبي.. إلخ.
قال:
وذكرت زيداً والحسين ومولداً بأبي وأمي من ذكرت ومن بهم وأنا المناضل ضدكم عن دينكم لا أستعيض بدين زيد غيره إني على العهد القديم بحبكم لهم زكي الأصل نعم المولد يهدى الجهول ويرشد المسترشد والله يشهد والبرية تشهد ليس النحاس به يقاس العسجد كلف الفؤاد بكم وجسمي مبعد
وقوله:
سلام الله كل صباح يوم .... على خير البرية أجمعينا
على الغر الجحاجح من قريشٍ .... أئمتنا الذين بهم هدينا
بني بنت الرسول إلام كل .... يظن بكم من الناس الظنونا
فأبلغ ساكني الأمصار أنا .... بأحمد ذي المكارم قد رضينا
يعني الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام قال:
بأكرم ناشيء أصلاً وفرعاً رضينا بالإمام وذاك فرض وأعلا قائم حسباً وديناً نقول به ونعلن مابقينا
وقال مخاطباً للإمام عليه السلام:
يابن الأئمة من بني الزهراء .... وابن الهداة الصفوة النجباء
وإمام أهل العصر والنور الذي .... هدي الولي به من الظلماء
كم رامت الكفار إطفاءاً له .... عمدا فما قدروا على إطفاء
شمس يراها الجاحدون فلم يطق .... منهم لها أحد على إخفاء
الأبيات وقد ذكرتها في شرح الزلف، وقد ذكر في اللآلي المضيئة ومآثر الأبرار، شرحي البسامة وغيرهما من أحوال القاضي نشوان بن سعيد الحميري مافيه الكفاية.(1/108)
لنا على أن أهل البيت علي وفاطمة والحسنان وأولادهما دون الزوجات ما روته عائشة بنت أبي بكر، قالت: "ولد لأبي غلام، فحملته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله سمه فسماه محمداً.
فقلت: يا رسول الله ادع له بالبركة، فقال: ((اللهم بارك فيه واجعله محباً لنبيك وأهل بيته)).
قالت عائشة: فقاتلني والله بالبصرة مع علي بن أبي طالب عليه السلام، وذكرت عند ذلك الدعوة، فوددت أنّي كنت سقيمة سبع سنين ولم أسر ذلك المسير"، فهذه عائشة سيدة زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم إعترفت على نفسها بأن أهل البيت قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمن قال غير ذلك، فقد ادعى للخصم ما لم يدعه لنفسه.
لنا أيضاً ما قاله هشام بن عبد الملك - لعنه الله تعالى- لزيد بن علي عليهما السلام حين قال له: "بلغني أنك تهم بالقعود في هذا المجلس، وأن أمك أمة، ولا يصلح ولد أمة لهذا الأمر"، أو كما قال.
فقال زيد بن علي عليهما السلام: (مَا أمي مع أمك إلاّ كأم إسماعيل مع أم إسحاق)، وقيل: بل قال زيد بن علي عليهما السلام: (إن النبوة فوق الإمامة، وقد كان إسماعيل نبيا وأمه أم ولد)، فبهت هشام وقال: "زعمتم أنه قد فني [أهل هذا البيت]"، فأقر هشام أن "أهل البيت" هم أولاد فاطمة عليها السلام على شدة عداوته. شعراً:(1/109)
ومناقب شهد العدو بفضلها .... والفضل ما شهدت به الأعداء
لنا ما قاله الحسن البصري:"قتل مع الحسين ستة وعشرون من أهل بيته، والله ما على وجه الأرض من أهل بيت يشبّهون بهم".
قالوا: قال تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}[هود:81] {وَسَارَ بِأَهْلِهِ}[القصص:29] وقال أبوبكر: "وليت عليهم خير أهلي"، فالمراد بقوله: "سار بأهله زوجته"، وبقول أبي بكر: "خير أهلي" أتباعي لا أقاربي.
قلنا: أكبر دليل على نشوان قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ}[هود:81] واستثنى من الأهل امرأة الرجل، ولو كان المراد بالأهل امرأة الرجل لما ساغ هذا الاستثناء؛ لأنه كان يلزم أن يستثني زوجته من زوجته، وهذا ظاهر السقوط.
قالوا: إن الاستثناء ليس من الالتفات، إنما هو من السري، فأسر بأهلك إلاّ امرأتك.
قلنا: هذا أوضح في بطلان هذه المقالة، فكأنه قال: فأسر بامرأتك إلاّ امرأتك، وعلى الوجهين في الإستثناء يلزم ما قلناه...(1/110)