المسألة الثالثة:
مَا يرى أتباع زيد بن علي عليهما السلام فيمن أنكر أن يكون إجماع العترة حجة؟ ليس لتعذر إجماعهم - كما ذهب إليه من ذهب - بل لأنه لم يرد بذلك دليل شرعي من كتاب ولا سنة في زعم القائل بذلك، وهو يرى تصانيف الأئمة والعلماء مشحونة بنصب الأدلة والبراهين على أن إجماع العترة حجة واجبة الإتباع، ويضعف بالجهل البسيط أدلة الأئمة والعلماء في هذه المسألة وينكر منها ما ينكر، ويدعي فيما لا يستطيع إنكاره أنه ليس بدليل على أن إجماع العترة حجة، دعوى فارغة عن الإعتراضات القادحة، والمطاعن الفادحة، هل يستحق هذا جواباً؟ وما حكمه؟ وما يلزم العلماء من معاملته في مثل هذه المقالة؟ وإذا سلَّم تسليماً جدلياً أن إجماع العترة حجة لكن أنكر أن يكون قطعياً في مسألة إمَامة علي عليه السلام وحصر الإمامة في أولاد البطنين، مالذي تراه الزيدية؟ هل إجماع العترة المطهرة على أن علياً عليه السلام هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعياً أو ظنياً، وإذا كان قطعياً، فهل يفسق مخالفه كما يفسق مخالف إجماع الأمة؟ أم بينهما فرق في هذا الحكم؟ وهل يعتد بمن في جانب الإمامية من أهل البيت عليهم السلام في مسألة حصر الإمامة في أولاد الحسنين؟ أم لا يعتد بخلافهم في هذه المسألة؟(1/96)


الجواب والله الهادي إلى الصواب ينحصر في سبع فوائد:
* الأولى: هل يستحق من أنكر أن يكون إجماع العترة حجة جواباً مع معرفته بالدليل على ذلك؟
* الثانية: ما حكمه بهذا الإنكار؟ ومَا يعامل به؟
* الثالثة: هل يكون إجماع العترة على إمامة علي عليه السلام قطعياً أو ظنياً؟
* الرابعة: ما حكم مخالفته إذا ثبت كونه قطعياً؟، وما الفرق بينه وبين [إجماع] الأمة في ذلك؟
* الخامسة: في التنبيه على أشفَّ ما يتعلق به المخالفون من الخيالات في إبطال كون إجماع العترة حجة.
* السادسة: هل يعتد بمن في جانب الإمامية من العترة في مسألة حصر الإمامة؟
* السابعة: هل يمكن أن يكون الإجماع سابقاً لهم في ذلك؟(1/97)


الفائدة الأولى: القوي أن المُنْكِر [لكون] إجماع العترة حجة لا يستحق جواباً؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون عالماً بالأدلة الشرعية على ذلك، أو لا، إن كان عالماً بها، فلا فائدة في إعلامه بما هو عالم به وله، وإن كان غير عَالم بها، فقد أكذبته دعواه أن إجماع العترة ليس بحجة؛ لأنه لو لم يعلم أن ها هنا إجماع يجب اتباعه، لم يضعفه؛ لأن التضعيف للشيء فرع على العلم به، فحصل أن صاحب هذه المقالة متجاهل غير عالم ولا جاهل؛ لأنه لو كان عالماً لاعترض تلك الأدلة إعتراضات العلماء، ولو كان جاهلاً لسأل عنها سؤال الجهلاء، فلا يستحق والحال هذه جواباً أصلاً.
الفائدة الثانية: حكم صاحب هذه المقالة الخطأ بتجاهله عما يعلم به، وتعاميه عما يعرفه.
ويظهر الجهل بي وأعرفه .... والدرُ درٌ برغم من جهله
وأما ما يعامل به، فقد تقدم بَيانه، وهو الإضراب عنه صفحاً حتى يتجلى رشده، ويتبين استرشاده في سؤاله، فإن كان عالماً جودل بالتي هي أحسن، وإن كان جاهلاً عُرّف مَا جهله، وَ هُدي للتي هي أقوم.
[القطعي والظني من الإجماع وما يستتبعه]
الفائدة الثالثة: قد اشتملت على معرفة القطعي والظني من الإجماع، فالقطعي مَا نقل بالتواتر من خمسة فما فوق، وَ الظني ما نقل بالآحاد، ولهما أحكام ليس هذا موضعها.(1/98)


وأما حكم إجماع العترة على إمامة علي عليه السلام، فهو على حسب نقلته.
وحكاية أصحابنا لهذا الإجماع أعني على هذه المسألة حكايات مرسلة عن بيان هذا الحكم، وقد طالعت له ما حضرني من موضوعات العترة وأتباعها، فلم أقف منها على بيان هذا الحكم، وسألت سيدنا الإمام العلامة فخر الدين عبد الله بن حسن الدوّاري أيده الله تعالى، فتردد في الجواب، وأشار إلى أن الأمر محتمَل.
وأقول: إذا نظر الإنسان متأملاً في موضوعات أئمتنا وعلمائنا، وجدها متطابقة الحكايات لإجماع العترة على إمامة علي عليه السلام، ومعلوم نقل الخلف عن السلف لهذا الإجماع في كل عصر وزمان من وقتنا هذا إلى الصدر الأول حتى ينتهي إلى من عاصر الوصي عليه السلام من أهل البيت المطهرين، لا يختلف أصحابنا في هذا الضبط، على هذا الوصف، وما كان [هكذا] يقرب أن يكون متواتراً في نقل هذا الإجماع، والله أعلم.
قال الأمير صلاح بن أمير المؤمنين في كتاب "الكواكب الدرية": "إجماع العترة على إمامة علي عليه السلام أظهر من أن يذكر، وكل أحد يعلمه، المؤالف والمخالف"، هذا كلامه، قدس الله روحه.
وما هذا حاله لا يكون إلاّ متواتراً.(1/99)


وقال الفقيه محمد الديلمي في كتابه وقد أخذ في الإستدلال على إمامة علي عليه السلام بالكتاب والسنة والإجماع، فلما انتهى [على] إجماع العترة قال: "وأما إجماع العترة فظاهر"، وإطلاق هذه العبارة يقتضي أن يكون إجماع العترة على إمامة علي عليه السلام قطعياً، وأكثر كلامات أئمتنا في مصنفاتهم إطلاق هذه الحكاية في إجماع العترة.
[حكم مخالف إجماع العترة]
الفائدة الرابعة: في حكم مخالف هذا الإجماع، فقد تقدم الكلام في ماهيته، وأما حكم مخالفه لو ثبت نقله بالتواتر، وكان قطعياً، فقد قال الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة عليه السلام في كتابه "مشكاة الأنوار": "إن مخالف العترة فيما ورد في إجماعاتها القاطعة لا يكون فسقاً كما كان في إجماع الأمة؛ لأن الأدلة التي دلت على كون إجماعهم حجة لم تتعرض في أن مخالفتهم تكون فسقاً، بخلاف ما ورد في إجماع الأمة، فإن تلك الآيات والأخبار متعرضة للوعيد بالمخالفة فافترقا"، هذا كلامه عليه السلام بلفظه.(1/100)

20 / 51
ع
En
A+
A-