تابع الحاشية [170]
_______________
قلت: والموقوف في مثل هذا له حكم المرفوع كما لا يخفى.
وقد روى نزول قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية. في الأمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ ولاية أمير المؤمنينَ الجمُّ الغفير من آل محمد عليهم السلام وشيعتهم والعامة.
منهم الإمام الأعظم أبو الحسين زيد بن علي، وأخوه أبو جعفر الباقر محمد بن علي، وولده أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادق، وحفيده الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضى، والإمام نجم آل الرسول أبو محمد القاسم بن إبراهيم وحفيده الإمام الهادي إلى الحق أبو الحسين يحيى بن الحسين، والإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الحسين، والإمام أبو الفتح الديلمي، والإمام المتوكل على الرحمن أبو الحسن أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله أبو محمد عبدالله بن حمزة، والإمام الأوحد المنصور بالله أبو علي الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد صلوات الله عليهم.
وأبو الحسين أحمد بن موسى الطبري في كتاب المنير؛ ومحمد بن سليمان الكوفي، صاحبا إمام اليمن عليه السلام، والحاكم الجشمي في التنبيه قال: والمروي عن جماعة أنها نزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً بغدير خم إلى قوله: (ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا اللهم نعم فقال: ((من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)). ثم ساق تهنئة عمر وأبيات حسان.
والحاكم الحسكاني في الشواهد، والواحدي في أسباب النزول، وأبو إسحاق الثعلبي في تفسيره؛ والبطريق الحلي في عمدته، والطوسي في تفسيره، والرازي في مفاتيح الغيب، وغيرهم، ورفعت إلى من سبق ذكرهم من الصحابة وغيرهم.
وقد روى خبر المولاة بلفظ: ((من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) من العامة خصوصاً أحمد بن محمد بن حنبل، والطبراني وسعيد بن منصور عن علي عليه السلام؛ وزيد بن أرقم؛ وثلاثين رجلاً من الصحابة؛ وعن أبي أيوب وجمع من الصحابة والحاكم في المستدرك عن علي عليه السلام وطلحة، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن سعد بن أبي وقاص؛ والخطيب عن أنس بن مالك؛ والطبراني عن ابن عمر؛ وابن أبي شبيه عن البراء بن عازب وعن أبي هريرة واثني عشر رجلاً من الصحابة؛ والطبراني عن عمرو بن مرة وزيد بن أرقم بزيادة ((وانصر من نصره وأعن من أعانه)) تطابق على هذا اللفظ هؤلاء الرواة، دع عنك من سواهم وماسواه.(1/76)
تابع الحاشية [170]
_______________
واعلم أن هذا الخبر الشريف صدر في مقامات عديدة وأوقات كثيرة؛ وأعظمها يوم الغدير فإنه حضره ألوف كما رواه الحاكم الجشمي عن جابر بن عبدالله بلفظ: (قال جابر وكنا اثني عشر ألف رجل) انتهى.
وفي جامع الصحيح سنن الترمذي 5/633 برقم 3713: بسنده يرفعه، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم شك شعبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روى شعبة هذا الحديث عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وأبو سريحة هو حذيفة بن أسيد الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومثله في: المعجم الكبير 5/195 برقم 5068، مسند أحمد 4/372 برقم 19347.
وفي صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 15/375 برقم 6931: عن أبي الطفيل قال قال علي أنشد الله كل امرئ سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم لما قام؛ فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوه يقول: (( ألستم تعلمون أني أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم))، قالوا: بلى يا رسول الله قال: ((من كنت مولاه فإن هذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه))؛ فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء فلقيت زيد بن أرقم فذكرت ذلك له؛ فقال: قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك له؛ قال أبو نعيم: فقلت لفطر: كم بين هذا القوم وبين موته؛ قال: مائة يوم؛ قال أبو حاتم: يريد به موت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ومثله في السنن الكبرى 5/131 برقم 8469.
وهو بألفاظ مختلفة في: مسند أحمد بن حنبل 1/84 برقم 641- 1/88 برقم 670، مسند أبي يعلى 11/307 برقم 6423، السنن الكبرى 5/136 برقم 8484، المعجم الصغير 1/119 برقم 175، المعجم الكبير 4/16برقم 3514، فضائل الصحابة 2/705 برقم 1206.(1/77)
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام :
"هذا الخبر قد بلغ حد التواتر، وليس لخبر من الأخبار ماله من كثرة الطرق، وطرقه مائة وخمس طرق، وفي هذا زيادة على الحد المعتبر في التواتر".
قال محمد بن جرير الطبري:
خبر الغدير طرقه من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سماه "كتاب الولاية".
وقال أبو العباس أحمد بن محمد: "خبر الغدير له مائة وخمس طرق"، وقد أفرد له كتاباً أيضاً.
وقال الفقيه الإمام الفاضل محب العترة النبوية محمد الديلمي رضي الله عنه: لا شك في بلوغ خبر الغدير حد التواتر وحصول العلم به، و لم يعلم خلافاً لمن بعده من الأُمة في أمره، وهم بين محتج به ومتأول له.
قال سيدنا العلامة فخر الدين يعسوب العلماء الهادين عبد الله بن الحسن الدواري، أعاد الله من بركاته: قد زاد خبر الغدير على الطريقة المعتبرة في التواتر، وبلغ مبلغا عظيماً في العلم به والجلاء، فلا شك فيه ولا ريب.
قلت: من أنكر خبر الغدير، فقد أنكر ما عُلم ضرورة من الدين ؛ لأنا علمنا من طريق الأخبار المتواترة صحة خبر الغدير، كما علمنا يوم بدر وحنين وأمثالهما من أيامه صلى الله عليه وآله وسلم، وعلمنا ذلك ضرورة من طريق الأخبار المتواترة، كعلمنا أن في الدنيا مكة وشبهها، فمن ناكرنا في صحة خبر الغدير، لم يستحق جواباً ؛ لأنه سوفسطاي، للأخبار المتواترة.(1/78)
لمعةٌ: روى الفقيه بدرالدين محمد الديلمي(178) - رضي الله عنه - عن أهل البيت وشيعتهم البررة الكرام أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من هذا الحديث نزل، وكان وقت الظهيرة، فصلى ركعتين، ثم زالت الشمس، فأذن مؤذن، فصلى بهم الظهر، وجلس صلى الله عليه وآله وسلم في خيمته، وأمر علياً عليه السلام أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً، فيهنّوه بالمقام، ويسلموا عليه بإِمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلهم، ثم أمر أزواجه وجميع نساء المؤمنين أن يدخلن عليه، ويسلمن، ففعلن، وكان فيمن أطنب في تهنئته عمر بن الخطاب، فأظهر له المسرة، وقال فيما قال: "بخ بخ" كما ذكرنا.
[مقدمة قبل الجواب على متعلقات صاحب هذه المقالة]
وأما النكتة الثالثة: وهي في جواب ما يتعلق به صاحب المقالة من الخيالات، فقبل أن نتكلم عليها نذكر فائدة في سبب تعلقه بها.
_______________
([178]) - الديلمي المذكور؛ هو الفقيه العلامة المتكلم المحدث محمد بن الحسن الديلمي الزبيري؛ صاحب كتاب التصفية؛ وكتاب الصراط المستقيم؛ وكتاب تحقيق قواعد عقائد آل محمد؛ وهو كتاب جليل ذكر فيه أدلة إمامتهم وترجيح مذهبهم؛ وفضل زيد بن علي على سائر الأئمة؛ وفرغ من تأليفه بصنعاء في شهر شوال سنة 706 هـ؛ وهو حينئذ على ظهر السفر راجعاً إلى وطنه الديلم؛ ولم يبلغ ذلك بل توفي رحمه الله بوادي مُرْ في موضع يسمى أرض حسان شامي مكة عام 711هـ، وكان رحمه الله من أوعية العلم وأهل المعرفة التامة.انتهى، منقولة من خط السيد صارم الدين رحمه الله تعالى، أهـ من هامش (أ).(1/79)
إعلم أن علماء المعتزلة أوسعوا في اعتراضات أئمة الزيدية فيما تذهب إليه من النصوص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وطولوا في أفانين الاعتراضات، وأفردوا كتباً جمة، وتوارثوا هذا الرأي خلفاً عن سلف، وجعلوه دَيْدَناً وديناً، وفي كل عصر من أئمتنا وعلمائنا البحور الزواخر، والسيوف البواتر، والأقمار الزواهر، فكلما تمسكت به الخصوم من شبهة بتكت أئمتنا أسبابها، وكلما أوقدوا ناراً للحرب، أطفت علماؤنا التهابها.
وعلى ذلك مضت بهم الأعصار، واختلف بهم الليل والنهار، وشم صاحب المقالة شيئاً من علم المعتزلة حبب إليه مذهب القوم، ومن عشق شيئاً أعمى نظره، وأمرض قلبه، فاغتر بالشكير وطار مسفاً، ووقع على اعتراضات الشيوخ فمسخ منها، وسلخ ونسخ، واعتقد أنه جاء بغريب، فأوضع في القدح بين تعريس وتأويب، وإيجاف وتقريب، ولم يدر أن لتلك الخيالات أنواراً تنفيها، وأن للكعبة رباً يحميها، ولله القائل :
وَ من لم يتق الضحضَاح زلت .... به قدماه في البحر الغميق
والقصد هاهنا هو التنبيه [على] أشف ما خيل إليه وعول عليه.(1/80)