وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ـ في تقسيم أحوال المنكرين للبدع وأنواع المنكر ما هذا لفظه ـ: (ومنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه، فذلك المستكمل لخصال الخير، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده، فذلك مستمسك بخصلتين من خصال الخير ومضيع خصلة، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه، فذلك الذي ضيع أشرف الخصلتين من الثلاث، وتمسك بواحدة، ومنهم تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده، فذلك ميت الأحياء) تم كلامه عليه السلام.
فالواجب على كل مسلم الإنكار على صاحب المقالة المتقدمة ؛ لأنها من المنكر، وكل في الإنكار على قدر حاله، والخارج من هذه التقاسيم المذكورة في كلام الوصي عليه السلام ميت الأحياء والمعنى أنه لا نفع فيه، كما أن الميت لا نفع فيه، أو لا تنفعه حياته في إحراز الثواب والأجر بهذا بالعمل الصالح فكان حاله كالميت.
إن قلت: هما على سواء، فما الفرق بين من لا نفع فيه أو لا تنفعه حياته في إحراز الثواب ؟
قلت: فرق بينهما، فالمراد بالأول لا نفع فيه أصلاً أولا تنفعه أي الحياة في إزالة هذا المنكر من دون نظر إلى ثواب يكتسبه بإزالته، وبالثاني غرض اكتساب الثواب وإحراز الأجر في إزالة المنكر.(1/66)
[الجواب على صاحب هذه المقالة]
* وأما المطلب الرابع في الجواب على صاحب هذه المقالة الغائلة، والعقيدة المائلة، فالقصد هاهنا إنما هو التنبيه على الجواب في قول صاحب هذه المقالة الفاسدة: إن المولى بمعنى الناصر، وتأويله لخبر الغدير على هذا المعنى، وإنكاره أن يكون في الآية دلالة على إمامة علي عليه السلام، وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)}[المائدة] لا الكلام في الإمامة بطولها وأفانينها، إذ كانت بحمد الله مستوفاة بالأدلة الواضحة، والبراهين اللائحة، في غير كتاب من تصانيف أئمتنا وساداتنا وعلمائنا، ومن أراد استيفاءَ الكلام، فليقصد مصنفات الزيدية وعلمائها في هذه المسألة، كالدعامة للسيد أبي طالب عليه السلام وشرحه للفقيه علي بن زيد الجيلاني مجلدان كبيران، وكتاب تثبيت الإمامة للقاسم عليه السلام، وإنه عليه السلام كما وصفه الفقيه حسام الدين حميد بن أحمد أحسن فيه كل الإحسان في نصرة مذهب الزيدية في تقديم أمير المؤمنين عليه السلام على المشائخ، وأورد من الأسئلة العجيبة في هذا المعنى على المتقدمين عليه بما يشهد بأنه البحر الزخّار، والقمر النوّار، والغمام المدرار، ومن التصانيف المشهورة في مسألة الإمامة كتاب الإمام(1/67)
المنصور بالله عليه السلام المعروف "بالشافي" فإنه عليه السلام بسط فيه من الكلام، ما هو شفاء للأوام، ودواءٌ للأسقام إلاّ الداء العقام، فما دواؤه إلا الحسام.
ومن ذلك أيضاً كتاب الإمامة من تصانيف الهادي - عليه السلام- وعلى الجملة ما نعلم في الغالب إماماً من أئمتنا عليهم السلام سابقاً ولا مقتصداً إلا وله كلام في مسألة الإمامة، إما تصنيف بسيط في هذه المسألة أو وسيط أو مختصر، وكل ذلك موجود بحمد الله تعالى، وأئمة الزيدية قدر مائة إمَام، ذكره الفقيه محمد الديلمي رحمه الله تعالى.(1/68)
ولا يبعد أن تكون التصانيف منهم في هذه المسألة هذا القدر في العدد أو تزيد، و من علمائنا البحور الزواخر، ولهم في هذه المسألة التصانيف الفائقة، والرسائل الرائقة، ولو لم يكن إلاّ كتاب "فائض المحيط" في مسألة الإمامة، للقاضي شمس الدين جمال الإسلام والمسلمين جعفر بن أحمد بن أبي يحيى رضوان الله عليه، ومن تصانيف المتأخرين الجزء الثالث من كتاب "المحجة البيضاء"، لحي الفقيه العلامة حسام الدين عبدالله بن زيد المذحجي، رضي الله عنه، و"محاسن الأزهار في مناقب العترة الأطهار"، لحي الفقيه الشهيد حميد بن أحمد، رضي الله عنه، و"النجم الثاقب في إمامة علي بن أبي طالب" عليه السلام، لحي الشيخ الإمام الزاهد أحمد بن حسن الرصاص، رضي الله عنه، ومنهاج السلامة في مسائل الإمامة، للشيخ العالم محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، رحمه الله تعالى.
وكم عسى أن يذكر الذاكر؟ إن في البحر للغريق لَعُذْراً واضحاً أن يفوته تعداده.
وإنما قصدنا في هذا المختصر تنبيه في الرد على صاحب هذه المقالة الفرية.
وتمام هذا التنبيه بإيراد ثلاث نكت: الأولى في بيان الآية الشريفة، والثانية في بيان خبر الغدير، والثالثة في جواب الخيالات التي عوّل عليها صاحب المقالة المذكورة.(1/69)
[معنى الآية الشريفة]
أما النكتة الأولى: فالكلام منها يقع في موضعين:
1- الأول: في أن أمير المؤمنين عليه السلام هو المراد بها.
2- والثاني: أن ذلك يفيد معنى الإمامة.
أما أنه عليه السلام المراد بها دون غيره، فلوجهين:
* أحدهما إجماع أهل النقل والتفسير على تباين أغراضهم إلاّ من لا يعتد به أنها نزلت في علي عليه السلام، وأنه المتصدق بخاتمه دون غيره.
* وثانيهما: أنه لا يجوز أن يكون المراد بها غيره لوجوه ثلاثه:
أولها: أن الله وصف المولى في هذه الآية بصفة لم توجد في غيره عليه السلام وهي الصدقة بخاتمه في حالة الركوع.
وثانيها: أن الآية واردة على وجه لا يصح أن تكون عامة في جميع المؤمنين ؛ لان ظاهرها يقتضي ثبوت ملك التصرف لمن ذكر فيها على المخاطبين بها، وهم المؤمنون، ومن المحال أن يكون الكل من المؤمنين أولياء ومولىّ عليهم في أمرٍ واحد، فيجب أن يكون المراد به بعض المؤمنين مالك التصرف عليهم دون سائرهم، وكل من قال أنّ المراد بها ذلك قال بأن ذلك البعض هو أمير المؤمنين.
وثالثها: إجماع العترة على ذلك، وإجماعهم حجة كما سيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى.(1/70)