[جرائم الانكار والجحود]
وهم أنكروا حصر الإمامة في بني الـ .... ـبتول وقالوا الغير فيها مسَاهمُ
ولم يجعلوا إلاّ اختياراً طريقها .... وبالعقد قالوا أمرها متعالمُ
وهم أبطلوا الإجماع من آل أحمدٍ .... دليلا وآي السمع في ذاك قائمُ
وهم أنكروا علم البتول وفضلوا .... عليها وهذا لا تراه الفواطمُ
وهم أنكروا لعن ابن هند وسبّه .... وهذا الذي تنهدُّ منه الصلادمُ
وزادوا على هذا وقالوا بأنّ من .... توقف فيه فهو في الجهل غاشمُ
[الحجج على ما أنكروه]
وحرب علي منه كالشمس ظاهرٌ .... وَهل لطلوع الشمس في الناس كاتمُ
وَ حسبك منه مقتل ابن سمية .... وَتأويله للنص فيه مصادمُ
معَاويةٌ في لعنة الله خالدٌ .... وتعذيبه فيها من الله دائمُ
ولعنته أحلى من الشهد مطعماً .... إذا حنظلت فيها لقوم مطاعمُ
[عودة إلى تعداد الجرائم]
وقالوا يزيد مستحق توقفاً .... وَرأس حسين عنده وَ الغلاصمُ
وهم جهَّلوا الرسيَّ وَهو مقدس .... عن الجهل بحر الحكمة المتلاطمُ
وهم أنكروا إسناد يحيى وقاسمٍ .... وَمَا لهما في العالمين مقاسمُ
وقالوا لنا الهادي إلى دين ربه .... ملبس دين حظهم متفاقمُ
وهم عجبوا منه لإحداث مذهب .... وَما إنْ له في الحق قالوا دعائمُ
[تعجب وسخرية]
إذا القاسم الرسي ضل بزعمكم .... فمن يهتدي في الناس إن ضل قاسم!
وإنْ يكن الهادي إلى الحق جَاهلاً .... على زعمكم فيه فمن هو عالم!(1/51)
[عودة إلى التعداد]
وقالوا بأن المذهب الحق مذهب .... أتاه بن إدريس عليه عوالم
وما كثرة الأتباع في الحق آية .... إذا ذهبت بالفلج منه الأعاجمُ
وهم صوبوا نشوان في هذيانه .... على أنه فيما هذى فيه آثمُ
وسَاداتنا نصت بقطع لسَانه .... رواه لنا المنصور إذ هو ناظمُ
وهم ظلموا المختار أجراً أتى بـ .... ـه الكتاب ومن هذا تكون الجرائمُ
[تصبر وتسلي]
إذا ظلموا آل الرسول مودةً .... فلا بد يوماً تستقص المظالمُ
وإن نبحوا سادات آل محمد .... فهل قمر من نبحة الكلب واجمُ
وليس يضر البحر وهو غَطَمطَم .... إذا مَا رمَاه بالحجارة رَاجمُ
[نداءٌ وبلاغ]
فيا راكباً هوجاء من نسل شدقم .... تأخر عنها اليعملات الشداقمُ
تجوب الفيافي فدفداً بعد فد فدٍ .... وتوجف إن كلت هناك الرواسمُ
[مدح وثناء]
انخها على باب الإمام محمد .... إمام هدىً طابت به الناس هاشمُ
أقول له ما قاله في جدوده .... أخو مقةٍ للمدح في الآل ناظمُ
فجودكم للرزق في الناس قاسم .... وسيفكم في البأس للكفر قاصِمُ
وما الناس إلاّ أنتم دون غيركم .... وسائر أملاك الزمان بهائمُ
وقل لي له من بعد تقبيل كفه .... ولثم له حتى كأني لاثمُ(1/52)
[استنكار متأدب]
أَيُنْكَرُ مولانا عليٌ مكانه .... وعلمك زخَّار وَ سيفك صَارمُ
وَتُشْتَمُ سَادات الرسول عَدَاوة .... ويرغد في أكناف فضلك شاتمُ
وَيُوصَم يحيى بن الحسين بن قاسم .... ويأوي إلى إحسانك الجم وَاصِمُ
ويُدعى وَقد أحيا الرشاد ملبساً .... وأنت لأهل البيت بالحق قائمُ
ويَرفع أركان الضلالة ناصبٌ .... وَأنت لأركان الضلالة هادمُ
وتُنسى لأَسباط الرسول مناقب .... وتؤذى لأولاد البتول مكارمُ
وينكر فضل السبق من آل أحمد .... وتطمس منهم في العلوم معالمُ
لقد عظمت هذي الجرائم غاية .... وقد هتكت فيها هناك المحارمُ
فماذا ترى فالأمر أمرك في الورى .... أتنكر هذا أم على الغيظ كاظمُ
وماذا يقول السابقون إلى الهدى .... ومن لهمُ في الحق تقرى العزائمُ
أمستيقظ طرف الحمية فيهمُ .... عَلى مذهب السادات أم هو نائمُ
[استغاثة وحث]
ألا يالَزيد دعوة علوية .... لصاحبها التوفيق واليُمن خادمُ
عدو علي والأئمة بعده .... أمشتدة منكم عليه الشكائمُ
وَهل قائم منكم له بفريضة .... فإن ابتداعات الأعادي قوائمُ
وَهل عَاملٌ لله لاشيء غيره .... ومجتهد فالأمر والله لازمُ
إذا لم يكن فيكم ظهور حمية .... عَلى مذهب الهادي وإن لام لائمُ
فلا نشرت للعلم فيكم دفاترٌ .... ولا لُويَت للفضل منكم عَمائمُ
تمت القصيدة المفيدة
ـــــــــــــــــــ(1/53)
[مبتدأ الأسئلة وإجاباتها]
المسألة الأولى:
ما الذي تراه الزيدية ـ كثر الله تعالى محافلها، وحرس عن بدع المخالفين مقاولها ـ في مظهر التمسك بمذهب العترة النبوية، وهو يذهب أن طريق الإمامة العقد والإختيار ؟ وأنّ حصر الإمامة في أولاد البطنين محدث ضعيف ؟ ويرى تصويب المتقدمين على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - ؟ ويعتقد أن علياً كرم الله وجهه كواحد من الصحابة، لا فضل له على واحد منهم بخلة من خلال الفضل ؟ ويتأول حديث الغدير وأمثاله من نصوص الكتاب والسنة ؟ ويرجح ما تقوله المعتزلة أن الولي والمولى بمعنى الناصر فقط ؟ ويتّبع النصوص الواردة في إمامة علي عليه السلام فيتأولها واحداً واحداً، نافياً لها عن أن تكون دالة على إمامته - عليه السلام، جاعلاً ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام، منه ما هو آحادي فلا يقبل، ومنه ما ورد في معنى الفضل لا التفضيل لمن ورد فيه على غيره، كخبر الغدير وخبر المنزلة وخبر الطير وأمثالها ؟
ويقول: له بهذه الأخبار وما يشابهها فضل ما، وأما الضرب الثالث مما ورد فيه عليه السلام شئ لم يقل به إلا الإمَامية وقصاص الأخبار الذين يقال لهم في اللغة المجلوزين، قال: وما كان هذا سبيله فلا يجوز الاعتماد عليه، ولا ينبغي تصديقه.
هذا كلامه، ويرى كلام الأئمة وعلماء الزيدية هذياناً لا يعتد به عنده إلاّ كلّ مائقٍ مألوس، ويظهر اشتداده بهذه الفضيلة، واختصاصه بهذا التحقيق في علماء الأوان، هل يعد هذا من الزيدية، والمتمسكين بمذهب العترة النبوية ؟ وما حكمه ؟ وما الذي يجب في معاملة الزيدية له ؟ ومايستحب في ذلك ؟ وما تجوز معاملته به ؟ فقد عظمت محنته ونجمت نجوم قرن الماعز بدعته.
والجواب والله الهادي إلى الصواب ينحصرفي أربعة مطالب: الأول: في حكم صاحب هذه المقالة، والثاني: هل يعد من الزيدية، والثالث: في بيان ما تجب معاملته، وما يستحب في ذلك وما يجوز وما لا يجوز، والرابع: في الإشارة إلى الجواب عن مقالته.(1/54)
[حكم صاحب هذا الرأي]
* أما المطلب الأول وهو في حكمه: فحكمه الخطأ بما ارتكبه من إنكار النصوص الشريفة الواردة في إمامة علي عليه السلام وتفضيله، وقد زاد على جماهير المعتزلة في الخطأ ؛ لأنهم وإن أجمعوا على تصويب المتقدمين على أمير المؤمنين، فقد اختلفوا في التفضيل، قال ابن أبي الحديد(108) صاحب شرح نهج البلاغة الكبير: "مذهب بشر بن المعتمر وأبي موسى وجعفر بن مبشر وسائر قدماء البغداديين إن أفضل المسلمين علي عليه السلام"، قال: "والمراد بالأفضل أكثرهم ثواباً، وأكبرهم في دار الجزاءِ منزلة"، وحكى هذه المقالة عن الشيخ أبي عبد الله البصري، ونسبها إلى البغداديين، وبه قال أبوالحسين الخيَّاط، وتلامذة أبي القاسم البلخي، كلهم قالوا بها،
___________________
([108]) - قال الإمام الحجة / مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوار ج/1/469:
وأشهر شروحه [أي: نهج البلاغة]، وأبسطها وأجلّها، وأكملها وأبهجها، شرح البحر المتدفق، والحبر المحقق المدقق، العالم النحرير، والحافظ الكبير، عز الدين، أبي حامد، عبد الحميد بن هبة الله بن محمد المدايني، الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي، المتوفى سنة خمس وخمسين وست مائة، من علماء العدل والتوحيد، القائمين بحق الله ورسوله ووصيه وأهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .
ويلوح للمنتقد من لمحات كلامه لزوم ما عليه أئمة العترة المطهرة ـ عليهم السلام ـ ويفوح للمختبر من نفحات مرامه الحوم حول طرائقهم النيرة .
ولعله منعه عن المصارحة في الأغلب إظهار النصفة للخصوم، لعل لها عذراً وأنت تلوم، وقد كان تحت وطأة الدولة العباسية فعذره في ذلك معلوم، إلا أنه يصمم في بعض المقامات، على بعض الأقوال، تصميماً لا يتضح الحامل عليه، ولا يظهر الملجئ إليه .
وعلى كل حال فشرحه ذلك بغية المرتاد، لكل مراد .(1/55)