[علمه (ص)]
(أما علمه) صلى الله عليه وآله وسلم فالله سبحانه يقول: ?وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا?[النساء:113] وانظر إلى ما حوته شريعته من الأصول والفروع ودقائق الأحكام وأسرار المعاني التي خُصَّ بمعرفتها العارفون، واستَنْبَطَ منها ما لا يحصى من العلوم أولياؤه المجتهدون؛ فلا يأتي عصر من (الأعصار) إلا وظهرت لأرباب العلم والعمل أسرار تلك الآيات والأخبار.(1/42)


[حلمه واحتماله (ص)]
(وأما حلمه واحتماله) وعفوه مع المقدرة والصبر على ما يكره، فقد تلقاها صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه بالقبول وبلغ منها غاية السؤل. قال تعالى: ?خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ[2ب] بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ?[الأعراف:199] ولما سأل جبريل عن تأويلها ذهب فأتاه وقال: ((إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك))، وقال تعالى: ?وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ?[لقمان:17]، وقال: ?فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ?[الأحقاف:35].(1/43)


[كرمه وجوده وشجاعته(ص)]
وأما جُوده صلى الله عليه وآله وسلم فأشهر من أن يذكر وأعظم من أن يروى ويُسطَّرُ وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) كما أخرجه أئمتنا وابن سعد والبخاري في (الأدب) والحاكم والبيهقي في (الشعب) من حديث أبي هريرة.
(وأما شجاعته) فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ((كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ))(1/44)


[حياؤه وإغضاؤه وشمائله صلى الله عليه وآله وسلم ]
وأما حياؤه وإغضاؤه وشمائله فكان أشد الناس حياءً، وأكثرهم عن العورات إغضاءً، قال تعالى: ?وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ?[آل عمران:159]، وقال تعالى: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...?الآية[فصلت:34]، وكان يتفقد أصحابه فمن خاف أن يكون وجد في نفسه شيئاً قال: ((لعل فلاناً وجد علينا في شيء، أو رأى منا تقصيراً، اذهبوا بنا إليه)) فينطلق إلى منزله؛ وكان يكرم الداخل إليه، وربما بسط ثوبه وآثره بالوسادة؛ وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف في صلاته وسأله عن حاجته - عند أئمتنا وأحمد والشيخين وابن ماجة عن أنس.
وكان أشفق الناس بأمته وأرأفهم وأرحمهم قال تعالى: ?لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ?[التوبة:128] ومن شفقته صلى الله عليه وآله وسلم تألفه لجفاة الأعراب حتى كان سبب إسلامهم.
قال صفوان: والله لقد أعطاني ما أعطاني وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطني حتى أنه لأحب الخلق إلي.
وأعطى أعرابياً ثم قال له: ((أحسنت إليك؟ فقال الأعرابي: لا ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا، فزاده شيئاً ثم قال له: أحسنت إليك؟.(1/45)


قال: نعم فجزاك الله خيراً من أهل وعشيرة، وأمره أن يخبرهم بذلك فأخبرهم، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لهم: مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحبها: خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حين قال الرجل ما قال قتلتموه حتى دخل النار)) وحسبك في تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم أنه خُيّر بين أن يكون نبياً مَلِكاً أو نبياً عبداً، فاختار أن يكون[3أ] نبياً عبداً.
وقال له إسرافيل: ((إن الله قد أعطاك بما تواضعت له، إنك سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع)) .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجيب من دعاه- وإن كان دنياً: بـ (لبيك) ويعود المساكين ويسلم على الصبيان إذا مر عليهم، ويجالس الفقراء، ويجلس بين أصحابه مختلطاً بهم حيث ما انتهى به المجلس، يذبح أضحيته وبُدْنَه، ويعلف ناضحة، ويأكل مع الخدم، ويعجن معهم، ويحمل بضاعته من السوق.
ودخل عليه صلى الله عليه وآله وسلم رجل فارتعد من هيبته فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)).
ودخل صلى الله عليه وآله وسلم (مكة) يوم الفتح مطأطئاً رأسه حتى كاد يمس قادمته، وذلك حين عُجْب النفوس، وحج في حجة الوداع على رحل رث، عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم وقال: ((اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة)) أخرجه ابن ماجة عن أنس، وأهدى فيها مائة بدنة.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله)).(1/46)

9 / 95
ع
En
A+
A-