وأما حديث عقبة بن عامر عند أئمتنا والجماعة إلا الموطأ قلت: يا رسول الله، إنك تبعثنا فننزل بقومٍ لا يقرئوننا فما ترى؟ فقال: ((إن أمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم)). فمع أنه وارد في غير المصدق، فقد جاء مفسراً في بعض الحديث كما رواه الترمذي وغيره أنهم كانوا لا يجدون من الطعام ما يشترون بالثمن.
وأما أحاديث الضيافة فقد خص من عمومها ما يؤدي إلى التهمة المنهي عنها كالمتصدق والحاكم النازل [126ب] بأحد الخصمين ونحو ذلك مما فيه مفسدة.(1/442)


[من مفاسد هذه المفسدة]
ومن مفاسد هذه العادة التي يحيلون عليها أمورهم ما يريدونه من استمرارهم على أخذ هذه الضرائب التي ضربوها على رؤوس المسلمين وأموالهم، ورؤوس بقرهم حرصاً منهم على ثبوت هذه المفسدة الثابتة عندهم بدلالة العادة؛ وفي طي هذا إيجاب الجري فيها على غير ما أوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من تحريمها، وكون الإمام القائم عقب وفاة من سبقه من الأئمة الهادين مما لا يحل له خرم هذه العادة، ولا النقص منها، ولا إزالة شيء من مفاسدها؛ ويؤول بهم الأمر إلى أنه إذا أمر برفع شيء من هذه المحرمات وجهوا إليه اعتراضهم بأنه خالف العادة التي جرى عليها غيره من الأئمة بزعمهم، وأنه لا يحل له ما يحل للإمام الكامل الشرائط من إزالة المفاسد، والنظر في المصالح، فيجعلونه محكوماً عليه غير جائز له ما يجوز للإمام؛ وهذا أجهل منهم بما أمره إلى الإمام، وأنه إذا أداه اجتهاد إلى أمر يخالف اجتهاد من سبقه كان له العمل به؛ وعلى الجملة فإذا جاء الناهي لهم عن منكر يرتكبونه دفعوه بثبوت العادة، واستمرارهم عليها في قديم الأزمنة، ونسبوه إلى الجهل بتحريم مخالفة العادة كما ذكر لنا بعض فضلان السادة، وقد أرسله إمام عصرنا المؤيد بالله إلى (صبيا) لإزالة مفاسد فيها منها: شيء يسمونه القسامة، إذا أرادوا التغليظ على شخص في فعل أوترك قالوا: وعليك قسامة العامل إن خالفت[127أ]؛ فإذا نسبت إليه المخالفة أوصلوه إلى العامل، وأقاموا الشهادة على إلزامه القسامة، فيوجب بذلك حبسه وتسليمه لقسامته، وهي تختلف قلة وكثرة باختلاف الأشخاص في التمول وعدمه، فيسلم في ذلك مالاً كثيراً ظاناً بوجوب تسليمه.(1/443)


ومنها خشبة ينقرون فيها لموضع القدم يأتون بالمحبوس فيلقونه على قفاه، ويدخلون أقدامه فيها ويقفلونها بالحديد، وقد يأتي إثر ذي عاهة كان فيها فلا يطلق إلا وقد أصابته تلك العاهة، من كمه، أو نار فارسية أو غيرهما، ولما شرع في رفع هذه المفاسد احتج عليه العامل بأنها عادة لهم قديمة لم تعترض في زمن الأئمة الأولين، ونسبوه بمخالفة العادة إلى مخالفة الواجب، واحتجوا عليه بأن هذه المفاسد لو كانت منكراً لأنكر في الأزمنة السابقة؛ وهذا نوع من العادات التي يحيلون عليها، ويبالغون فيما يأخذونه من الشيم في عدم مخالفتها، فانظر إلى هذه المفاسد التي ارتكبها جهلة العمال، ولم يكتفوا بارتكابها حتى نسبوا أئمة الهدى إلى الرضاء بها وحاشاهم، فإنهم لو علموا حقائق هذه العادات لزجروا فاعلها ونهوه، وأمروا بتأديبه إن أصر عليها، وسائر المفاسد فالأمر فيها ما ذكرناه.(1/444)


وهذه العادات التي التزمها النواب في شيمهم لا يحافظون منها إلا على ما يوافق أهواءهم مما في طيه شيء من هذه المفاسد؛ فإذا قضت العادة بأمر يختص نفعه بالغير من أداء الواجبات إلى أهلها من المصارف، أو رفع شيء[127ب] من المآثم، أو حط شيء من هذه الضرائب أو أمر بشيء يعود على ما قعدوه لأنفسهم بالنقص أوغير ذلك من الأمور الخالية عن المفاسد يقروا عن هذه العادة، وادعوها شريعة منسوخة؛ فإذا أنكر عليهم والي الأمر كالأئمة مخالفة العادة هنا اختلقوا لمخالفة هذه العادة وجهاً من عند أنفسهم وقالوا: هذه عادة قديمة؛ والمعمول به إنما هو العادة التي تثبت في آخر مدة الإمام للمدة التي استبدوا عادتهم إليها، ظناً منهم قبول ما يدعونه آخر مدته رضوان الله عليه لما امتحن به عليه السلام من آلام يمتحن بها مثله من الأئمة والأولياء، فيظنون قبول كل عادة سندوا إلى هذه المدة لخفائه ما تقرر آخر مدته على كثير من الناس بزعمهم فيها خاصة، فإذا رجعوا إلى الاحتجاج على شيء من المفاسد التي يدعون ثبوتها في زمن الإمامين وأخيهما الحسين اعترفوا بثبوت العادة القديمة، ونقضوا ما أصلوه في بطلان ما لا يرضونه، ونسوا ما ادعوه من ذلك لما وجدوه من قبول أقاويلهم الباطلة وعاداتهم الكاذبة؛ وعلى هذا جرت الأمور في الأزمان والله سبحانه المستعان.(1/445)


الرابعة من المفاسد
التي عم ضررها وجرت عادة النواب بها ما صار عليه الأوقاف الشرعية في مثل هذه الجهات الشرفية على كثرتها؛ فإنه خولف في أمرها مقتضى الشريعة النبوية شرفها الله ومقتضى ما عليه الأئمة الهادون صلوات الله عليهم والذي علمناه من قصد إمام عصرنا أيده الله هو الجري فيها على ما أراده الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى[128أ]فإنه صرح بذلك في خلال ذكر الأوقاف اللاعية، وأن نظره في الأوقاف على العموم هو ذلك لا غيره؛ وحاصل القول في ذلك: أن ولاية الوقف مع عدم الواقف ومنصوبه والموقوف عليه المعين إلى الإمام وحاكمه، ويعترضان من له الولاية وهو الواقف ومنصوبه والموقوف عليه المعين للخيانة؛ وخيانة الواقف ومنصوبه واضحة.
وأما خيانة الموقوف عليه فبتفريطه، كأن يبيع الوقف أو نحوه، ثم إن للإمام والحاكم إعانة من عجز عن القيام من هؤلاء الذين لهم الولاية الأصلية، ولا يعزلانه إلا أن لا يقبل هداية من يعينه فللحاكم عزله وتولية غيره؛ لأن تولية من هذا حاله إضاعة لوضع غلة الوقف في مواضعها؛ وهذا يمنع منه الواقف فضلاً عمن ولاه هذا في الولاية الأصلية، فما الظن بذوي الولاية المستفادة بالتولية إذا خانوا وخالفوا الشريعة فيها، كما وقع الآن من نواب الوقف في هذه الجهات من نقل الغلات من المساجد المحتاجة إلى حياتها الحقيقة والدينية، والتفريط فيها بالبيع من أ هل الأسباب والاستيلاء عليها لأنفسهم؛ وقد نص أهل المذهب على أن للحاكم منع الأب مع ظن خيانته؛ لأن حفظ أموال القاصرين ونحوهم إلى الإمام والحاكم وإن كانت ولاية الأب في التصرف أقوى، ونصوا أيضاً على أنه إذا لم يكن حاكم كان لمن صلح من المسلمين أن يمنع الخائن من التصرف.(1/446)

89 / 95
ع
En
A+
A-