أما أولاً: فهذه الجزية المضروبة على المسلمين تؤخذ في كل شهر من رؤوس الفقراء الذين لا يملكون نصاب الفطرة، وتضاعف البقشة على رأس المسلم حتى تعول إلى أربعين لا يصير منه إلى بيت مال المسلمين شيء؛ لمصير البقشة الأصلية في وظائف الولاة، واستحلال العرفاء الباقي لأنفسهم، ولأهليهم، ولنواب الجهة ظلماً فيفرقونه على الفقراء والأغنياء، ويتسلقون عند اجتماع هذه الشوائب إلى ولاة الأمر في بعث من يأخذها من الفقراء على الوجه الذي لا يرضاه والي الأمر إن علمه، كما فعله من سلط بواسطة عامل الجهة وكاتبه في الأيام الماضية على الجهة، فكان يجاء بالفقير الذي لا يملك شيئاً فيربطه أعوانه ويسلط العسكر على أهله حتى يضطره إلى التضمين بتأدية ما طلب منه من المضروب على رأسه ورأس بقرته إن كانت، وما يتفرع عنهما من شائب العرفاء المحرم، فيعرض نفسه على أصدقائه ويؤجرها في المستقبل منهم بالقدر المطلوب منه، فيخلص نفسه من ورطة ذلك المقتضي ومن حفَّه من عرفاء الجهة ونوابها؛ ومع هذا فولي الأمر الذي أنفذ هذا المقتضي غير راضٍ بفعله، ولكنه لم يرتفع حقيقة الأمر إليه إلا بعد أن قضى الأمر فيه؛ فإنه من الورع الشحيح، وعدم الرضا بما فعله المقتضي والعرفاء من هذا العسف[112أ]الصريح بمحل لا يجهله كل ذي نظر صحيح.
وقد كنا أمرنا ذلك المقتضي باحترام فقراء لشيم من الأئمة في رفع ذلك عنهم، فعسفهم هذا المقتضي والعرفاء من جملة غيرهم، وخفر تلك الشيم الإمامية، ولم يرقبوا فيهم إلاً ولا ذمة، ولم يخلصوا منهم إلا بإيفاء المضروب على رؤوسهم، وتأجير أنفسهم فيه، ودفع من يريد الخير لما طلب منهم.(1/412)


وأما ثانياً: فيكذب النواب والعرفاء فيما كتبوا به إليكم من كون هذه الجزية على المال دون رؤوس المسلمين، وأنه لم يؤخذ من فقراء المسلمين شيء، إن كل قرية من قرى هذه الجهات مشحونة بالفقراء والضعفاء الذين لا يملكون قوت يومهم فضلاً عن أن يدانوا نصاب الفطرة صاروا محملين في جميع الأزمنة لغرم رؤوسهم، مضبوطين بأسمائهم في بيانات الأغرام عند كل عريف من عرفاء الجهة؛ فإذا ادعى النواب والعرفاء أن هذه الضرائب الموضوعة على الرؤوس لا تؤخذ من رؤوس فقراء المسلمين، فضحهما كشف ذلك أماييت أنات في فقراء الجهة الشرقية المغرمين وهم الجمهور، أو بنزول ثقة يدخل كل قرية، ويعرض كل بالغ من المسلمين المضروبة على رؤوسهم هذه الجزية، وفي ذلك فضيحة عمال الجهة وعرفائها الموهمين للأئمة السابقين واللاحقين أن هذه الضرائب غير موضوعة على الرؤوس، وأنهم وضعوها حالات على رؤوس الأغنياء بالنظر إلى تفرد أحدهم بزيادة مال منقول أو نحوه.
وأما ثالثاً: فهذه البيانات المنقولة من موضوعات أهل البغي بأيدي الزراع، وعليها علامات النواب الأولين مفصلة مذكور فيها ما وضعوه على الطين على حدته، مميزاً بعضه من بعض عاماً للرجال والنساء، وما هو على الرؤوس على حدته مميزاً بعضه من بعض[112ب]خاصاً بالرجال دون النساء، مصرحاً فيه بذلك بأن قالوا: بيان الغرم اللازم للطين، ثم يأتون به إلى آخره، ثم يحمله الوالي، ثم يقول: بيان أغرام رؤوس الرجال، ثم يذكر كل شخص وغرم رأسه غنياً كان أو فقيراً، ثم يحمله الوالي وعلامته أول البيان وآخره؛ وهذه البيانات موجودة بأيدي الزراع تكذب النواب والعرفاء إن اخترعوا الآن غيرها.(1/413)


وأما رابعاً: فالعادة هذه التي جرى عليها عرفاء الجهة ونوابها الذين تهوروا في جمع المال، ولم يبالوا أحرام هو أم حلال جرت في جميع الأزمان أنهم لا يغرمون أحداً من المسلمين إلا بعد أن يعرضوه، فإن ثبت بلوغه عندهم ضربوا الغرم على رأسه غنياً كان أو فقيراً، فإن التبس وضعوا المسبحة في عنقه ويعطفونها إلى رأسه بوجه يعرفون به البالغ من غيره، فإن ثبت عندهم بلوغه بهذه الأمارة غرموه وإلا أطلقوه حتى يبلغ؛ فإذا مات أحد المسلمين المضروبة على رأسه هذه الجزية نقلوا ما ضربوا على رأسه إلى من وجدوه في بلدهم من سائر المسلمين المشارفين للبلوغ ولو فقيراً، ثم إذا عجز الفقير عن التسليم خيروه بين تأدية ما ضرب على رأسه، وبين الإجلاء من بلدهم إلى بلد أخرى، فإذا أجلوه سقط المضروب على رأسه ولو غنياً حتى يعود إلى بلدهم؛ وهذا أمر مشهور عندهم لا ينكره أحد، ونحن ننزه الأئمة السابقين واللاحقين، وجميع أبنائهم المكرمين عن الرضا بهذه الأمور المحرمة، أو السكوت على فعل هذه المظلمة، وأن ينسب إلى أحد منهم مثل هذه الشبه المظلمة[113أ] وشاهد هذا ما أجاب به الإمام المتوكل على الله رضوان الله عليه علينا في شأن ذلك كما أطلعت عليه إمام عصرنا المؤيد بالله أيده الله أيام الاجتماع به في (السودة) المحروسة؛ وبهذا يعلم جري الأزمان على أخذ ذلك من رؤوس المسلمين على غير رضاً من الأئمة الهادين صلوات الله عليهم أجمعين وكيف يخطر ببال أهل الإيمان أن يرضى خلفاء الرحمن، وحلفاء السنة والقرآن، وهم الأمان لأهل الأرض وأي أمان بما ذكرناه من هذه الأفعال المخالفة لنصوص القرآن، وسنة سيد الإنس والجان؛ فإن الله سبحانه قد عين لنا أموراً مفروضة فيما يجب من زكاة الأموال والأبدان، ففيما سقت السماء العشر، وفيما سقت المساني نصف العشر، وفي الرقة ونحوها ربع العشر، والسوائم الثلاث ما عليها من الزكاة في أنصباء اقتضتها الحكمة الربانية، ومقادير تقصر عن معرفة(1/414)


الوجه فيها القوى البشرية، بحيث إذا نقص منها شيء معلوم حرم أخذ شيء منه لأمر اقتضته الحكمة، وانظر إلى الأوقاص كيف سقط الواجب فيها، وحرم علينا أن نتجاوز ما حد فيها؛ فمالنا وللإقدام على أن نفرض غير ما فرضه الله فيها، ويوجب في كل رأس منها ما أمرنا بتركه ونهينا عن أخذه، حتى سرى هذا الأمر إلى أن نفرض على رؤوس المسلمين وأموالهم غير ما فرضه ربنا، وجاء به نبينا، وعمل به أئمتنا، وصرح بتحريمه سلفنا من أئمة الهدى وسفن النجاء من عترة النبي المصطفى صلوات الله عليهم.
وعلى هذا وجدنا علماء الأمة وأكابر الأئمة[113ب]، والإجماع على التحريم عام وخاص، وسنده ما علمناه من ضرورة الدين، وجاء به الكتاب المبين، وسنة النبي الأمين، هذا في الأغرام المضروبة على رؤوس ا لمسلمين ورؤوس بقرهم.
وأما الأغرام المضروبة على أموال المسلمين، فمن ادعى أن الواضع لها إمام معين فعليه البيان.
وأما ما ذكره ذلك النائب لمولانا أيده الله من استمرار الأخذ ممن يعتد به، كالإمامين وصنوهما الحسين بن القاسم عليهم السلام فنقول تلك أفعال لاندري على أي وجه وقعت، على أن الإجماع العام والخاص صريحان في أن أفعال آحاد الأئمة غير الوصي صلوات الله عليه وسبطه لا يكون حجة على غيرهم ما لم يقع إجماع خاص من جميع العترة قولي متواتر صريح، لا يتطرق إليه احتمال، ولا يعلم له مخالف منهم؛ ونحن إذا طلبنا الإجماع القولي المتواتر من العترة عليهم السلام على أخذ ذلك من رؤوس المسلمين ورؤوس بقرهم، أو أنه يؤخذ خراج من الأرض العشرية، كان دون وجوده خرط القتاد، بل الإجماع الصريح من العترة عليهم السلام والأمة وغيرهم أنه لا خراج على الأرض العشرية؛ وهذا الإجماع من الإجماعات المتواترة المعدودة التي أخذت شرطاً في تمام الاجتهاد، أعني كون المجتهد لا يتم اجتهاده إلا بمعرفتها.(1/415)


وأما الأرض الخراجية وهي ما عدا العشرية، فالخراج أيضاً لا يضرب فيها إلا على ما تملكه المسلمون منها وأخذوه من أيدي الكفار، وهو ما لم يكن تحت يد مسلم، أما ما كان المسلم ثابت اليد عليه ولم يحوه المسلمون[114ب] من يد كافرٍ فلا خراج عليه بالاتفاق؛ فما ظنك بالعشرية التي استولى عليها كفار التأويل بمجرد الولاية، وهم عند ذلك –أعني المسلمين- ثابتوا اليد على أموالهم بحيث لم يحزها الكافر، ولم يخرجها من تحت أيديهم ولم يغلبهم عليها، على أنا إذا سلمنا أن الكافر قد تغلب على أرض المسلم وأخذها لنفسه وملكها، فضرب الخراج عليها ممنوع.
أما أولاً: فلأنها أرض عشرية.
وأما ثانياً: فأهل المذهب -إلا أبا مضر في روايته عن يحيى- على أن الكفار لا يملكون علينا إلا ما نقلوه إلى دارهم قهراً من المنقولات لا من غيرها مما لا ينقل، كما حققناه في (الشمس المنيرة الزهراء) في تحقيق ما أدخله الكفار إلى دارهم قهراً.(1/416)

83 / 95
ع
En
A+
A-