[(81) محمد بن الحسن بن القاسم]
( 1010 - 1079 هـ / 1597 - 1668 م)
وإلى السيد المعظم العلامة: محمد بن الحسن بن الإمام رضوان الله عليه وهو من أكابر العترة علماً وعملاً وفضلاً وكرماً، ولنا به من الاختصاص ما هو مشهور قال: أمر السارق إلى استيفاء اليمين منه بعد حبسه ففر الرجل إلى السيد الحسين بن الإمام رحمه الله وشكا إليه حاله وما انتهى إليه الأمر، وأن عنده قرائن قوية بكون ذلك الرجل هو السارق فطلبه رحمه الله إليه وحبسه، ولم يزل يطلبه ويسأله عن مال الرجل فلا يزيد على الإنكار، وكان في يد السارق خاتم فأخذه منه وسأله عن قيمته فقال بكذا، ثم رده إلى محبسه، وطلب رجلاً من أصحابه وأمره أن يسير إلى أولاد ذلك الرجل في صفة رسول من أبيهم طالباً منهم الوصول بالكيس الفلاني المختوم بكذا للكيس الذي وصفه المسروق عليه، فإن الحال أضيق من أن يتأخر ساعة واحدة تلافياً له عن الهلاك، وأمره بكتم عزمه فحين جاءهم بخاتمه قلقوا خوفاً من هلاك أبيهم، ثم أخذ ابنه الكيس بختمه وبادر بالسفر، وبعد وصوله دخل به على الحسين بن الإمام فقال: هاته وجعله في موضع خاف وطلب السارق فحين رأى ابنه هش له، فسأله الحسين عن مال الرجل فأنكره فأخرج الكيس بختمه، وحين رآه سقط في يديه وطلب العفو وأقر بمال الرجل وأنه السارق له، فقبضه منه ولم يفت منه شيء.
ومن ذلك ما روي عن بعض ولاة (عدن) أهل الحنكة والتجربة في زمن الإمام المتوكل على الله [عليه السلام] أن رجلاً رفع إليه أنه ذهب له مال جسيم من القروش يقارب الألفين، وأنه لا يظنه إلا مع أحد عسكره لدخولهم وخروجهم عنده فقال له: هل عرف بذهابه أحد؟(1/407)


قال: لا، قال: ارجع مكانك ولا تخبر أحداً، وفي خلال ذلك أمر أصحابه أن يرفعوا إليه أهل النفاسة ومكارم الأخلاق من عسكره عند الاجتماع ليكافئه على نفاسته، فذكر له عن رجل منهم نفاسة في تصرفاته ومعاملاته وأنه يأتيه الجماعة من العسكر فينعم عليهم بما لا يفعله غيره[110أ] فطلبه وقال: بلغنا عنك نفاسة ينبغي إعانتك عليها فاخرج في الأمر الفلاني إلى الحج، وقد عينا لك ما يعينك على مروءتك، وأركبه فرساً وشيعه حتى خرج عن البندر، ثم بادر إلى موضعه فوجد المال المسروق فيه لم يذهب منه إلا ما ذكر عنه في تصرفه، ثم استعاده فأقر به وقبضه صاحبه.
ومن هذا قصة القاضي (إياس) المشهورة في التواريخ: أنه أودع رجلاً مالاً عند آخر وغاب، ولما رجع أنكره وشكى إلى القاضي، فأمره بكتم ذلك وطلب الوديع وقال: إنا نريد الخروج إلى مدينة كذا وعندنا تركات مات أهلها ولا نجد أهلاً لحفظها غيرك، فإذا جاء يوم كذا جئت بمن يحملها فهي مال عظيم، ثم طلب الرجل وقال: اذهب إليه فإن أنكر فاطلبه الشريعة إلي فلما طلبه الشريعة قال: هذا مالك وما أنكرته إلا مزحاً فلا تذكره للقاضي خوفاً منه أن تفوته نقل التركات إليه، فلما جاء القاضي قال: أخرنا السفر فعد حتى يأتيك أمري.
والحاصل أن والي الأمر إذا حفظ الله لامتثال أوامره واجتناب نواهيه والنصيحة لرعيته ومن يواليه حفظه الله في مملكته وأراه بحكمته وجوه التي تخفى عن غيره، وفي الحديث: ((اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)).(1/408)


الثانية من المفاسد
هذه: الضرائب التي أحدثها العمال على رؤوس المسلمين ورؤوس بقرهم وتهوروا في أخذها منهم.
وقد كان الإمام المتوكل على الله رضوان الله عليه أجاب علينا برفعها والنهي عنها وشرع بعده الإمام المهدي قدس الله روحه أيضاً في رفعها.
ولما دعا إمام عصرنا هذا المؤيد بالله أيده الله أمر برفعها في جميع البلاد كما تقدم ذكره، وقد كان بعض العمال ذكر شبهاً منهارة في كتابٍ كتبه إلى مولانا علم الإسلام: القاسم بن أمير المؤمنين عليه السلام منها: أن هذه أمور جرت[110ب] العادة باقتضائها في زمن الإمامين: المؤيد بالله، والمتوكل على الله وأخيهما الحسين بن القاسم سلام الله عليهم.
ومنها كون هذه الضرائب موضوعة على أموال المسلمين وأنها لا تؤخذ من الفقراء فهي خراج مضروب على المال.(1/409)


ومنها أنها وضعت على رؤوس المسلمين وأموالهم إرادة لتخليصهم من الغلول الحاصل منهم في الأزمنة السابقة؛ واستدل على غلول من تؤخذ منهم هذه الضرائب برجل ظهر له مال لم يؤد زكاته في السنين الماضية، فكتب مولانا أيده الله إلينا بمعنى ما ذكره هذا النائب ليعرف ما عندنا في ذلك، فقلت في الجواب: إن خفاء كيفية أخذ ذلك من رؤوس المسلمين على مولانا هو اللائق بمنصبه الشريف، وورعه الشحيح، وبه يعرف كون مقصده ومقصد الإمام أيده الله واحداً أعني عدم رضاهما بأخذ ذلك من رؤوس المسلمين وفقرائهم، كما تهور فيه ولاة هذه الجهات وعرفاؤها، فإنهم استمروا في جميع الأزمنة والأمكنة على أخذ هذه الجزية التي ضربها ولاة الجور، كسنان التركي ونحوه من البغاة؛ فإنهم وضعوا هذه الضرائب على المسلمين واختصوا بلاد الزيدية الذين هم أتباع الذرية الزكية بوضع هذه الجزية على رؤوسهم، فاستمر الولاة والعرفاء على أخذها من رؤوس الفقراء والأغنياء؛ فيأخذون من كل بالغٍ رسماً معروفاً في كل شهر، وكلما نهيناهم أعرضوا عن النهي، وخالفوا أمر إمام العصر، وادعوا ثبوت ذلك عادة لهم جارية منذ تولى سنان إلى الآن، واعتلوا باستمرار ذلك في زمن أحد الأئمة الهادين؛ فإذا رد قولهم هذا بأن الله سبحانه قد عذر الفقير عن الفطرة التي فرضها عليه في العام مرة وهي صاع من أي قوت يخرجها إلى مصرفها إن تمكن من نصابها أجابوا بالمصادرة عن المطلوب، واحتجوا بمحل[111أ]النزاع وقالوا: هذه رسوم ومال سلطاني يجعل في وظائف الولاة وأقاربهم، فلا يسقطها ما يسقط الفطرة من الأعشار، ثم يحتجون ثانياً بأن البقشة على رأس الفقير يؤول ظلمه بأخذها منه إلى أربعين بقشة وإلى خمسين؛ فإذا سئلوا عن مصير ذلك إلى بيت مال المسلمين ومصيره إليه حرام شرعاً؛ لأنه مال مسلم معين أم في وظائف الولاة التي جعلتموها حجة على ثبوت الضريبة على رأس المسلم أم في غير ذلك أجاب العرفاء، والعرفاء في النار: إنها تصير(1/410)


شائباً لعريف البلد فيما ينفقه لنفسه، ويداري به والي جهته من الهدايا التي يأخذها والي الجهة من عرفاء الجهات في مواقيت معلومة من العام وغير ذلك مما يحتاجه العرفاء لأقاربهم، فإذا قيل لهم: إن هذه الهدايا محرمة شرعاً؛ لأنها في مقابلة واجب أو دفع محظور، فإذن الإمام لا يسوغها بإجماع المسلمين وهي مظلمة باتفاقهم تُرَدُّ إلى أربابها، ولا يصير بيت مال منها إلا ما سوغه إذن الإمام؛ وهو ما جاء إلى العامل عفواً لا في مقابلة واجب أو دفع محظور؛ أجابوا أيضاً بالمصادرة عن المطلوب وقالوا: هذه عادة جرى عليها عرفاء الجهة في الأزمان السابقة يهادون النواب والعمال دفعاً لمعرفتهم أن تمس الرعية، فلذا يقبضوها من أغنياء الرعية وفقرائها لما ضرب على رؤوسهم وأموالهم؛ ولذا آلت إلى أربعين، فانظر إلى هذا الاستدلال بالظلم على الظلم، وإلى جهل هؤلاء الذين تعودوا الحرام وأكلوا الشبه، وجعلوا تطاول الزمان عليهم في أخذه حجة على تحليله.
وقولنا فيما سبق أن هذا هو اللائق بمنصب مولانا أيده الله إشارة إلى الاستدلال على تنزهه مما وقع فيه هؤلاء العمال والعرفاء من الرضا بأخذ ذلك من رؤوس المسلمين ظناً منه أيده الله أن المأخوذ منه إنما هو ما ضرب على المال مما يظن أخذه في بادئ الرأي حقاً؛ وأنه أيده الله غير راضٍ بما رضي به العرفاء[111ب]والنواب من ذلك، وأن سبب استمرارهم على ذلك في وقت الإمامين وأخيهما: الحسين عليهم السلام هو هذا الاتهام الصادر عن عرفاء الجهة ونوابها من كونهم لا يأخذونها من رؤوس فقراء المسلمين، فهذا له أيده الله نحو الثماني السنين يتولى أمور المسلمين في هذه الجهات وهو لا يعلم حقيقة ما يفعله الولاة والعرفاء من أخذ هذه الضرائب من رؤوس المسلمين غنيهم وفقيرهم، إيهاماً من النواب والعرفاء أنهم لا يأخذونها إلا من ذوي الأموال دون الفقراء؛ وما أوهم به العرفاء من هذا باطل من وجوه :(1/411)

82 / 95
ع
En
A+
A-