وكنت وعدته عليه السلام إرسال مؤلَّفي الذي حملني على تأليفه نصح من اطلع عليه، والشفقة على عباد الله، ومعاونة أئمة الهدى -خصوصاً هذا الإمام الأعظم أيده الله- عملاً بحديث ((إنما الدين النصيحة...))إلخ، فبعثت إلى حضرته عليه السلام بهذه النسخة ألتمس دعاه الصالح فأقول[1ب]:
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين:
أحمدك اللهم على ما مننت به من النعم الغضيرة، وهديتنا إليه من سبل مراضيك المنيرة، وعرفتنا به من علوم كتابك وسنة نبيك النضيرة، وعلمتنا إياه من علوم الاجتهاد التي سرنا بها في رياض علوم أئمتنا الهداة أحسن سيرة، وأشهد أنك الله الذي أمرت بالعدل والإحسان في آياتك الشريفة الشهيرة، ونهيت عن الفحشاء والمنكر فالعيون بالنهي عنهما قريرة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي هدانا إلى الإيمان، وجاء بمعجزات القرآن وأمرنا باتباعه في الإقدام والإحجام، وبين بما جاء به من السنة النبوية سبل الحلال والحرام؛ فنحن بهديه مهتدون، وبآثاره وآثار عترته الأكرمين مقتدون، وفي مناهج علومه وعلومهم الشريفة سائرون، صلى الله عليه وآله وسلم الذين خصوا بكل فضيلة، وأوتوا كل منقبة جميلة، وتنزهوا عن كل رذيلة، وسبقوا إلى كل خلةٍ جليلة؛ فمن طور سيناء علومهم توجد تلك الأنوار، وفي واديهم المقدس وبقعتهم المباركة تطهر تلك الأسرار. وبعد:(1/37)


فطالما عول عليَّ جماعة من فضلاء الزمان، وأرباب العدل والإحسان، وحلفاء السنة والقرآن، لما رأوا من جهلة العمال الذين خلطوا الحرام بالحلال، وتهوروا في انتهاك الأعراض والنفوس والأموال، ولم يبالوا في جمع الأموال أَجمعوها من حرام أو حلال، وكلما زجرهم أرباب العلم والعمل عن تلك الأعمال، وعما ارتطموا فيه من سيئات الأعمال، رأوا النهي عن المنكر منكراً ونسبوا ذلك إلى الأئمة الهادين في الورى، وادعوه عادة لهم قديمة الزمان، وطريقة منسوبةً إلى أولئك الأعيان، وهم في هذه الدعوى كاذبون، وفي نسبة ما لا يحل إلى الأئمة مبطلون؛ وكيف ينسب إلى أئمة الدين وخلفاء النبي الأمين الرضاء بتحليل الحرام، والارتطام في تلك الآثام وهم شموس الهداية المشرقة وسحابة الفضائل المغدقة ورياض المكارم المورقة قد ائتمنهم الله على بريته وارتضاهم لحفظ خليقته، واسترعاهم على أهل ملته.
في إنشاء مطمح الآمال الموقظ لجهلة العمال من سنة الضلال على نهج (بهجة الجمال) للعلامة ابن بهران رحمه الله خلا أنه رحمه الله لم يستوعب أحوال أئمة العترة ولم يأت (بشيء) مما زدناه في مؤلفنا هذا من أمور تحدد سير الأنبياء [2أ] والمرسلين، ويُحيي ما كان عليه قدماء الأئمة الهادين من عترة النبي الأمين، ونُجمِلُ مِن حِفظِ ما أودعناه فيه على الاقتداء بهم واجتناب ما ليس من سيرتهم من مفاسد طالما أَنِسَهَا العمال واسترسل فيها الجهال، حتى حسبوها من الشريعة، وظنوا تحتمها عليهم لمَّا رأوا من سكوت أرباب النهي والأمر عن التنكير لخفاء الأمر عليهم في ذلك لجوازه عندهم، ولما أهمله العلماء من إيقاظهم إلا من بَيَّنَ منهم الحق ولم يكتمه وهم قليل، والله حسبنا ونعم الوكيل.(1/38)


فهاك كتاباً جامعاً لأشرف المقاصد وسفراً ينهل (وارديه) أعذب الموارد، مبيناً فيه ما كان عليه سيد النبيين، وأخوه سيد الوصيين وذريتهما الذين خُصُّوا بإحياء علوم الدين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين وهذا أوان الشروع في المقصود فنقول:(1/39)


الباب الأول [(1) النبي الأعظم محمد بن عبد الله (ص)]
( 53 ق هـ - 11هـ / 571 - 633 م)
في ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله [وسلم ] وما كان عليه من العلم والحلم والصبر والعدل والشكر والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والصمت والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الأدب والمعاشرة.(1/40)


[خلقه ورجاحة عقله (ص)]
وأصل ذلك حسن الخلق قال تعالى: ?وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ?[ن:4] وموهبة العقل الذي يحمل صاحبه على جمع الفضائل واجتناب الرذائل، وبه شُرِّفَ النوع الإنساني على سائر الحيوانات، وبتفاوته تفاوت درجات الرجال في الكمالات، وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه [وآله ] وسلم منه ما لم يؤته غيره.
عن وهب بن منبه: قرأت في أحدى وتسعين كتاباً فوجدت في جميعها أن الله لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه [وآله ] وسلم إلا كحبة رمل بين رمال الدنيا، والأخلاق الحميدة غريزية ومكتسبة؛ وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم مجبولاً عليها في أول فطرته.(1/41)

8 / 95
ع
En
A+
A-