الباب الخامس
في مقصود الكتاب وإيضاح مفاسد العمال المخالفة لكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد عرفت بما سبق تنزيه سيد البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه أمير المؤمنين، وجميع أئمة العترة المطهرين عنها؛ والقصد بذكرها التحذير من الدخول فيها والتلبث بها أو بما يؤدي إليها.(1/377)
[مقدمة: أقسام التكليف]
وقبل ذلك نذكر مقدمة نافعة، وهو انقسام التكليف إلى تروك وأفعال؛ والترك غير مقصود في نفسه سواءً، قلنا: إنه نفي محض أو فعل الضد، بل المقصود منه أمر عدمي لازم له، وهو عدم وقوع المفسدة الذي هو المتروك، ولما كانت التروك الشرعية مشروعة لترك المفاسد كانت أهم من الأفعال؛ إذ الأفعال مشروعة للطفية التي هي نفع المكلف على أحد القولين، أو شكراً على الآخر؛ وعلى الأول فدرء المضرة أهم من طلب النفع، ولذا وجب ترك الواجب لترك المحرم، ولم يجز فعل المحرم لفعل الواجب، وذلك عند تعارضهما كمن منعه القادر من ترك الصلاة [100أ] إن لم يشرب الخمر فإنه يتعين عليه ترك الصلاة، وكمن شاهد منكراً في الصلاة فإنه يخرج منها لإزالته؛ وعلى هذا فإذا اجتمع في الفعل وجه حسن -ولو واجباً- مع وجه قبيح كان الحكم لوجه القبح فيكون قبيحاً، كالصلاة في الدار المغصوبة والتوضي بمغصوب ونحوهما؛ ولكون الاحتراز عن المضرة أهم من طلب النفع، وجب على الولي إجبار الصبي على ترك المحرم لا على فعل الواجب، إلا الصلاة في نحو ابن العشر، وإلا في حقوق الآدميين، ووجب أيضاً الإجبار للمكلف على ترك المحرمات ولو بالسيف على كل أحدٍ، بخلاف فعل الواجبات فالقتال فيها إلى الإمام فقط، ثم إذا تعارض أمر بمعروف أو نهي عن منكر رجح المنهي عن المنكر عليه.(1/378)
[مسألة: ما للإمام أن يسقطه من الحقوق]
ويترتب على هذا ما ذكر علماؤنا -رحمهم الله: أن للإمام أن يسقط من حقوق الله تعالى ما إليه استيفاؤه وهي [الحقوق] المالية: كالزكاة ونحوها، وكالعقوبات التي ظهر لزومها ونحوها عند معارضة مفسدة تنشأ من استيفائها لما عرفته من تحتم إيثار توقي المفاسد على جلب المصالح؛ لأن في جعل الشارع استيفاء ذلك إليه معللاً بالمصلحة تنبيهاً على كونه موكولاً إلى نظره عند التعارض.(1/379)
[ما يتفرع من المسألة السابقة]
ويتفرع على هذا المسألة المشهورة وهو: أنه إذا أسقطها هل يسقط ظاهراً وباطناً أولا؟ الصحيح سقوطها ظاهراً وباطناً حيث حصل ما أسقطها لأجله، فإن لم يحصل أو انكشف خطأ الإمام لم يسقط، وكان له استيفاؤها؛ لأنه متصرف في حق غيره، فلا ينفذ التبرع والغبن لولي اليتيم، ومن هذا تأليف الإمام وجوازه لزيادة مصلحة في الدين فيسقط حقاً لأجله إن زادت تلك المصلحة على مصلحة الحق.(1/380)
[حكم التأليف بفعل المحظور]
وأما التأليف بفعل المحظور فغير جائز، ومثلوه بتولية الخائن رجاءً لصلاحه؛ ولذا امتنع أمير المؤمنين عليه السلام من تولية معاوية وذلك للفرق بين الأفعال والتروك.(1/381)