[رسول ملك الروم وكسرى]
وقدم رسول ملك الروم على كسرى، فرأى في إيوانه ازوراراً فعابه فقيل: إن في جانبه بيتاً لعجوزٍ بذل لها الملك فيه مالاً عظيماً فما رضيت، ولم ير من العدل إكراهها؛ فقال الرومي: بهذا غلبتم علينا.(1/362)


[أثر الجور]
وقيل: إذا هم الوالي بالجور أو عمل به أدخل الله النقص على أهل مملكته في الأسواق والزروع والثمار والضروع، وإذا هم بالعدل أو عمل به أدر الله البركة[96ب] على أهل مملكته كذلك.
روي أن بقرة كانت تحلب كبَقرٍ كثيرة، فهم الوالي بأخذها فلم تحلب إلا كسائر البقر.
ومر بعض الملوك ببستان عليه بنية صغيرة فاستسقاها، فعصرت قصبة من قصب سكر ذلك البستان فامتلأ القدح فشربه، فوجد لذة وسألها، فأخبرته أن قصب بستانهم يعصر باليد فيملأ الإناء، فعزم في نفسه أخذه وتعويضهم، ثم سألها أن تسقيه فعصرت فلم يخرج منه ماء، فرجعت باكية وقالت: لعل نية سلطاننا تغيرت علينا وهي لا تعرفه، فرجع عما هم به فاستسقاها فعصرت فامتلأ الإناء وشرب، ووصلها ومر، وكان فيه لطف له.(1/363)


[حكم ومواعظ لبعض الحكماء]
ومن كلام بعض الحكماء: الملك محتاج من الناس إلى كثير فيهم، وهم إنما يحتاجون إلى ملك واحد؛ فمن هنا وجب أن يوازي حلمه أحلامهم، وأن يجتمع فيه من الخصال المحمودة ما يقابل ما هو متفرق فيهم من الخصال المذمومة، فيعمهم بعدله، ويغمرهم بفضله، ويكنفهم كنافة الجفون لنصالها، والكنائن لسهامها.(1/364)


[ما كتبه أرسطو إلى الإسكندر]
وكتب أرسطو إلى الإسكندر: أملك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها، فإن طلبك ذلك بإحسانك أدوم بقاءً منه باعتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتحطها إلى القلوب بالمعروف، والأبدان تبع لألسنتها، فإذا قدرت على أن تفعل، فاجتهد أن لا تقول تسلم من أن تفعل.(1/365)


[مواعظ لبعض ملوك العجم]
وقال بعض ملوك العجم: إنما أملك الأجساد لا النيات، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر، وقد قال من قبلنا: أسوس الملوك من قاد أبدان الرعية بقلوبها إلى طاعته.
وقيل: إذا كان الملك محصناً لسره، بعيداً أن يعرف ما في نفسه، متخيراً للوزراء، محبباً في أنفس العامة، مكافئاً بحسن البلاء، لا يخافه البريء، ولا يأمنه المجرم كان خليقاً ببقاء ملكه، ودوام دولته.
قيل: حاجة السلطان إلى إصلاح نفسه أشد من حاجته إلى إصلاح رعيته، وهو خليفة الله [97أ]في أرضه، فإن أطاعه تكفل بنصره، وإن عصاه وكله إلى نفسه، إن عدل لم يقدم أحد على ظلم، وإن جار لم يعدل أحد في حكم.
استصلاح العدو بلين المقال أيسر من استصلاحه بطول القتال.
أربعة لا يثبت معها ملك: غش الوزير، وسوء التدبير، وخبث النية، وظلم الرعية.(1/366)

73 / 95
ع
En
A+
A-