[نماذج مضيئة من عدل عمر بن عبد العزيز]
وكان يأمر المصدق بقبض الزكواة من أغنياء الحي وتقسيمها على فقرائهم، فما ينصرف إليه منها شيء.
وكتب إلى آخر: إن بيت المال إذا أتاكم الضعيف بالدينار لا ينفق له، فأبدلوه من بيت المال.
وكتب إليه الحجبة أن يأمر للبيت بكسوة كما كان يفعل من تقدمه من الخلفاء؛ فكتب إليه: إني قد رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة فهي أولى بذلك من البيت، وقال: (ليس تقوى الله صيام النهار، وقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير إلى خير).
وأغضبه [93ب] رجل فأسمعه ما يكره، فقال: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً؛ اذهب فقد عفوت عنك.
وقال لامرأته فاطمة: هل عندك دراهم أشتري به عنباً؟
قالت: لا.
فقال بعض جلسائه: أنت أمير المؤمنين ولا تقدر عليه.
فقال: هذا أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم، وقسم بين يديه تفاح من الفيء، فتناول ابن له صغير تفاحة فانتزعها من فيه فأوجعه، فسعى الصبي إلى أمه مستعبراً، فقال عمر: لقد انتزعتها من فيه وكأنما أنتزعها من قلبي، ولكني كرهت أن أضيع نصيبي من الله بتفاحة من فيء المسلمين. وقسم بين يديه مسك من الفيء فأخذ بأنفه، فقيل له في ذلك فقال: إنه ليس فيه إلا رائحته، وأسخن له خادمه وضوءاً في مطبخ المسلمين فقال: أوقدت عليه من حطب المسلمين؟
فقال: لا والله ولكني وضعته على الفحم وهو صائر رماداً.
فقال: لا حاجة لي به وتركه ولم يتوضأ به، وكان له غلام يلتقط البعر، فقال له الغلام يوماً: الناس بخير غيري وغيرك
فقال: اذهب فأنت حر.(1/347)


وقومت ثيابه التي كانت عليه قبل ولايته بنحو من عشرين ألف درهم، وقومت بعد خلافته بنحو اثني عشر درهماً، وكان آخر كلامه: ?تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ?[القصص:83].(1/348)


[عمر بن عبد العزيز وسب أمير المؤمنين عليه السلام]
ولو لم يكن له إلا إزالة البدعة التي ابتدعها بنو أمية من سب أمير المؤمنين، ووصي سيد المرسلين على المنابر في الآفاق، وأبدله بالآية الكريمة: ?إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ?[النحل:90] وله في إزالتها سبب حسن مذكور في البسايط.(1/349)


[بعض مقامات العلماء والحكماء مع الخلفاء]
وذكر العلامة ابن بهران من مقامات العلماء والحكماء مع الخلفاء: أن رجلاً قام إلى عمر بن الخطاب، فقال له: اتق الله يا أمير المؤمنين.
فقال بعض من حضر: أتنتقص أمير المؤمنين؟
عمر: دعه ويحك، لا خير فيهم إذا لم يقولوا ذلك لنا، ولا خير فينا إذا لم يقل لنا ذلك [94أ].(1/350)


[بين الخنساء وعمر بن الخطاب]
ودخلت عليه الخنساء فقالت: يا أمير المؤمنين، إن لله نعماً أنعم بها عليك، وإحساناً أسداه إليك، ثم أوصاك وعهد إليك أن تغيث الملهوف إذا وفد عليك، فإن كانت نعمه عليك دائمة فوصيته لك لازمة، وإن يكن قد انتزع منك العطية فقد أباح لك ترك الوصية، وها أنا قائمة بين يديك وكاتباك شاهدان عليك، فإن أحسنت كتباك محسناً سخياً، وإن أسأت كتباك مسيئاً بخيلاً ?وَمَنْ يَبْخَل فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ?[محمد:38] فقال عمر: ما انتزع مني العطية، ولا أباحني ترك الوصية، ثم وصلها وقضى حاجتها.(1/351)

70 / 95
ع
En
A+
A-