[بين المؤلف وصاحب الترجمة]
وبعد الاتفاق عليها كتب عليه السلام إلينا ما لفظه: عبد الله المؤيد بالله -إن شاء الله: محمد بن أمير المؤمنين لطف الله به إلى القاضي العلامة الأمجد، الأكرم المجتهد، الفهامة الأوحد، شرف الدين، وعين أكابر الشيعة الأعلام الأمجدين: الحسين بن الناصر بن عبد الحفيظ حفظه الله تعالى ورعاه، وحرسه وتولاه، وأتحفه بشريف السلام، وأهنى الإكرام، ورحمة الله وبركاته على الدوام، وبعد حمد الله واستمداد صالح الدعوات المستجابة -إن شاء الله- فإن الله لما هيأ لنا أسباب هذا الاجتماع الميمون -إن شاء الله- في (خمر) بالصنو السيد العلامة علم الإسلام والمسلمين: القاسم بن أمير المؤمنين المؤيد بالله، والصنو جمال الدين: علي بن أحمد بن أمير المؤمنين حفظه الله تعالى ومن حضر من آل الإمام -حفظهم الله تعالى- وأعيان المسلمين -كثرهم الله- ارتضوا لدينهم، واختاروا لأنفسهم اختيارنا للقيام بأمر الإمامة، والنهوض بأعباء هذه الزعامة، باذلين من النصرة والمؤازرة، والمعاونة على أمر الله والمظاهرة، فتأكد بذلك علينا وجوب القيام والانتصاب -بعون الله- لحفظ بيضة الإسلام؛ وها نحن القائمون بفريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمنفذون لأحكام هذه الشريعة الغراء –شرفها الله وطهر- سائلين له التوفيق والتثبيت والتسديد، والهداية إلى كل طريق حميد، ورأي سديد، مستعينين به، راجين لعظيم ثوابه، راغبين إليه[90ب] أن يجعلنا ممن قال فيهم: ?الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ?[الحج:41] وأنتم مسئولون صالح الدعاء، والله يتقبل منكم ويجزيكم خير الجزاء، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم؛ ومن لديكم من إخوتكم القضاة الأعلام حماهم الله متحفون بشريف السلام ورحمة الله، ولا برحتم في حفظ الله وحسن(1/337)


رعايته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، بتاريخ شهر رمضان الكريم، سنة اثنتين وتسعين وألف سنة.
ولما وصل كتابه الكريم هذا إلينا نهضنا للاجتماع به [عليه السلام] في إخواننا العلماء الأفاضل: محمد وعلي وأحمد، وجماعة من أعيان الجهة الشرفية؛ فوصلت حضرته الشريفة في (السودة) المحروسة في شهر شوال الكريم سنة اثنتين وتسعين، ووجهنا إليه مجلدين من مؤلفنا (المواهب القدسية شرح المنظومة البوسية) وجزءاً واحداً من مؤلفنا (ثمينات الجواهر) واختصنا أيده الله بمجالس خاصة تليق بأكابر العلماء، وحصلت مراجعات في مهمات كثيرة، وأراد أيده الله البقاء في حضرته الإمامية مدة لسماع (المواهب القدسية) فأبديت له عذراً سمح معه أيده الله بالعذر، وبالغ في الإكرام والإعظام، ورأينا منه ما راق القلوب والأسماع والأبصار، وأخذ علينا في المواصلة والمراسلة، وإنفاذ ما فرغ من هذا المؤلف الكريم إليه.(1/338)


[إجازة المؤلف لصاحب الترجمة]
بعد أن أجزت له عليه السلام روايته عني لما علمته من علمه الغزير، وفضله الكبير، وهمته العالية في إحياء سيرة جده الأمين، وأخيه سيد الوصيين، ورفع المظالم التي طال ما مست المسلمين؛ فإنه عليه السلام حقق مقاصد الأئمة في رفعها شيئاً فشيئاً عن المؤمنين.
وفي خلال تأليفي لهذا الكتاب رفعت إليه[91أ] أيده الله ما تهور فيه العمال من أخذ هذه الضرائب المحرمة على رؤوس المسلمين، ورؤوس بقرهم، وما خالفوا فيه النصوص النبوية من قبول الهدايا المقابلة لفعل واجب أو ترك محظور، وأخذ السياقات من أموال المسلمين، والإقدام على التأديب بالمال من غير وجه مسوغ لأخذه منهم، واستبدادهم بحقوق الفقراء والمساكين من هذه الزكاة المفروضة، مع ضياع الفقراء ومنعهم ما فرضه الله لهم، إلى غير ذلك من المفاسد التي يأتي ذكرها -إن شاء الله- وشرع عليه السلام في رفع هذه المحرمات، وبدأ برفع الضرائب المأخوذة من رؤوس المسلمين ورؤوس بقرهم.
وأجاب عليه السلام بما لفظه بعد الترجمة والتحية: وأنه وصل كتابكم هذا القويم، وعرفنا جميع ما ذكرتم، وقد أحسنتم برفع هذه الأمور، فهذا من التعاون على البر والتقوى، والتناصح في الدين، ومن التواصي بالحق الواضح المبين، وقد حررنا بيد الشكاة أنه لا شيء عليهم من غرم الرؤوس وسمن البقر، وكتبنا إلى الصنو السيد العلامة: القاسم بن أمير المؤمنين حفظه الله كتاباً، وأمرناه أن يأخذ على الوالي بالعزيمة الصادقة في إزالة هذا الأمر وهدمه بالمرة وهو عافاه الله لا يرتضي هذا الأمر ولا يراه حسناً، فإن نفس ذكره والتحدث به شنيع شنيع، والشارع الحكيم -سبحانه- قد شرع لنا من الدين ما هو أوضح من النهار، وأجلى من الشموس والأقمار.(1/339)


ومن كتاب آخر له عليه السلام إلينا في شأن ذلك بعد الترجمة والتحية: وبعد حمد الله سبحانه على ما أسداه من فضله العميم، وأولاه من عطائه العظيم، فإنه وصل كتابكم الكريم بذكر تلك الأمور الواقعة من الولاة في الجهة الشرفية؛ فصدر هذا الخط إلى الصنو السيد العلامة: القاسم بن أمير المؤمنين حفظه الله ولا تتركوا رفع مثل هذه الأمور[91ب]إلينا، فإن التنبيه والتبيين من مثلكم مراد؛ للمعاونة على ما يرضي الله سبحانه، ولدفع التظالم بين الناس، ونسأل الله لنا ولكم، وللمسلمين كافة توفيقاً قائداً إلى الخير، ذائداً عن الشر والضير، بمحمد وآله صلى الله عليه آله وسلم. انتهى كلامه عليه السلام.(1/340)


[نماذج مضيئة من زهد صاحب الترجمة]
وطريقة هذا الإمام وسيرته كطريقة قدماء الأئمة، كالوصي، والهادي يحيى بن الحسين، والناصر الأطروش، والمؤيد بالله صلوات الله عليهم وزهده في الدنيا ذلك الزهد المعروف فيهم، وإقباله على عمارة الآخرة وإزالة المظالم ذلك الإقبال؛ ولقد أخبرني بعض الثقات أنه حضر طعامه في شهر رمضان عند الإفطار فوجده عليه السلام يأكل من خبز شعير ومخيص منزوع، وشيء من الكراث؛ لعدم حضور ما يسوغ له الأكل منه في تلك الحال، وأنه وصل إليه في (الجراف) شيء من الخبز المعمول من مخ الحنطة وبحضرته أخوه شمس الإسلام: أحمد بن الإمام المتوكل على الله رضوان الله عليه وغيره، وبهم حاجة إلى الطعام في تلك الحال، فأمر عليه السلام من يسأل عنه، فقيل: أخذ قرضاً من كذا، لشيء كان عندهم، فأمر برفعه ولم يمسوا شيئاً منه، إلى غير ذلك مما أخبر الثقات به عنه مما نذكره -إن شاء الله- بعد الاستثبات في مؤلف ينفرد بذكر أحواله الشريفة –إن شاء الله- وهذه الفضائل التي تفرد بها أصلية من وقت الحداثة.
ولقد أخبرني صنوي الحسن قدس الله روحه عنه في وقت ملازمته له، واختصاصه به ليلاً ونهاراً أيام قراءتهما على الإمام -رضوان الله عليه- من ورعه وزهده، وإقباله على الآخرة، وإعراضه عن الدنيا بما يتعجب منه؛ ولما اجتمعنا به في (شهارة) المحروسة في الوقت الذي مر ذكره، وأخرج لنا شيئاً من كتبه، من جملتها: (المفصل) وشرحه المكمل كما مر ذكره.(1/341)

68 / 95
ع
En
A+
A-