زهور رياض زاهرات نجومها
وجادت عليها كل منهلة الحيا
فعادت لتكرار السحائب سقيها
كبدر تمام لا أقول كدرهم
وهبت عليها سحرة نسمة الصبا
أم النظم وافانا تميس عقوده
فلله من نظم به انتظمت لنا
له كسيت منا الوجوه نظارة
كما ملئت منا القلوب مسرة
حبانا به من لم تزل حسناته
يزال على مر الزمان وسيمها
ومن هو إن عد الأفاضل صدرها
ومن فضله كالشمس أشرق ضوؤها
ومن ذكره يحي القلوب فكلما
ومن غرر العلياء وضاق مجده
ومن صان هذا الدين وانتصرت به
ومن رد عنها كيد كل معاند
محاسن عمت وهي مختصة به
حليف التقى الحبر الحسين بن ناصر
قروم تسامت في العلا طاب نسلها
بنوا لهم فوق الكواكب رتبة
وقد أنجبوا من شاد بيت علاهم
وكان لهم فيما لهم من مناقبٍ
مناقب جلت عن نظير كأهلها
سليلهم الفرد الحسين بن ناصر
ومفزعهم في دفع كل عظيمة
ترى الوفد أفواجاً إليه يشوقهم
لهم في اغتنام القرب منها تزاحم
هنيئاً له ما ناله من فضائل
ولا زال يولي الطالبين رغائباً
كما راق علق من ثمينات علمه
أتانا بأصناف المسرات كافلاً
وأسفر عن أخلاق منشئه التي
فسرحت طرفي منه في كل مونق
حدائق تلهي الناظرين زهورها
لذا اختارها الحبر الجليل لنظمه
تبارك من أعطى مؤلف وشيها
أعيذ علاه من عيون حواسدٍ
وأستدفع الأسواء عنه بأيد من
وعمر في نعماء يعلو لطيفها
وزار ته من سحب التحيات مزنة
انتهى.
وله قدس الله روحه إلينا ما يروق الناظرين من النظم النظيم، ويثير الدر الوسيم، والمراجعات في جميع العلوم، كما أودعناه مؤلفاً منفرداً يشتمل على ما دار بيننا وبين علماء عصرنا في ذلك. والله الموفق.
وهذا كلام وقع في (التتن) وفصل مابين الكلامين، ولا يخلو من فائدة، ولنعد إلى ما كنا فيه.(1/327)
[قصيدة العلامة يحيى الشرفي في شجرة التنباك]
فنقول: وأشار السيد العلامة: يحيى بن إبراهيم حفظه الله في قوله: وبعد فإني لما وقفت على الرسالة الفائقة التي نظم أبياتها السيد الإمام العلامة: يحيى بن أحمد حفظه الله إلى القصيدة التي نظمها رضوان الله عليه في تحريم الشجرة الخبيثة، والنهي عنها أولها:
حمداً أكرره في السر والعلن
وآله من هم للخلق كالسفن
وهم ضياؤهم في حالك الدجن
من كل ماضٍ على الإحسان ليس يني
من منكرات بدت في أهل ذا الزمن
وأجمعوا أمرهم فيها على سنن
إلا إلى الخسر في الدارين والغبن
فكلهم ساقط في حومة الفتن
ولوعهم بالخبيث المخبث التتن
دخانه عندهم كالروح في البدن[87أ]
الحمد لله مولي الفضل والمنن
ثم الصلاة على المختار من مضر
فهم أمانهم من كل مهلكة
ثم الصحابة ثم التابعين لهم
وبعد أشكو إلى الرحمن خالقنا
ومن مظلات أهواءٍ لها ابتدعوا
ومن طرائق لا تغضي مسالكها
تتابعوا في مهاويها بجملتهم
وشرها وهو مغناطيس سائرها
فد صيروا شربه ديناً لهم فغدا
ومنها:
فهم عكوف عليه وهو كالوثن
للقوم ما فيه من خبث ومن نتن
من وصفه بخسيس أحمق ودني
لا قدسوا عن فروض الله والسنن
سيان في ذا فقير منهم وغني
أن تشتري التتن بالغالي من الثمن
عنه بنص الذكر فاستبن
كما أنه نص أهل العلم والفطن
وآثروه على طاعات خالقهم
وطاب إذ زين الشيطان ذاك لهم
ولم يبالوا بما يلقاه شاربه
وقد رضوا بمخازيه لهم بدلاً
وأنفقوا مالهم فيه مجازفة
فيا أولى العقل هل ترضى عقولكم
أليس هذا هو التبذير والسرف المنهي
وذاك إنفاقه في غير منفعة
ومنها:(1/328)
كتابه فاتخذه حجة تعن
فاصدع بأمرك في هذا ولا تهن
إن يمتري فيه إلا كل ذي أفن
وأنتم عنه بالإعراض في وسن
ونور برهان إيجاب النكير سني
أم تحسبون سواكم بالخطاب عني
بأنفسٍ أدركتها ذلة الوهن
في رحض ماقد علاكم منه من درن
قد جاء في سنة عن خير مؤتمن
من الهدى منزل القرآن ذو المنن
بوصفهم عرضةً للطعن واللعن
أرجو الخلاص بها من لازم المحن
رشداً يزحزحه عن هوة الجزن[87ب]
ونفسه فليلم والله عنه غني
والله أنزل تحريم الخبائث في
والتتن منها بلا ريب ولا خلف
وقد تعدد وجه المنع منه وما
فيا أولي العلم يلقى النكر بينكم
ماعذركم فيه والأحوال مسعدة
أتدعون خفاءً فيه حيركم
لا أي ذين ولكن همة قعدت
فاستدركوا الأمرفي التفريط واجتهدوا
واخشواقوارع آيات الكتاب وما
من لعن كاتم ما للناس بينه
وحاذروا أن تكونوا لاتصافكم
وإنني قد محضت النصح معذرةً
فمن يقابله بالإنصاف يلق به
ومن يقابله بالإعراض يشق به
وأشار بقوله: ومن مضلات أهواء لها ابتدعوا…إلخ إلى ما تهور فيه العمال من المفاسد الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى.(1/329)
وكلام السيد: يحيى بن إبراهيم حماه الله تعالى موضح لمراد السيد رحمه الله في تحريم هذه الشجرة كما حققه وحققناه في البحث الذي سبق ذكره بكماله، والدليل قائم بتحريم هذه المفاسد والحمل على ما عليه الأئمه الهادون وأتباعهم الراشدون الأماجد، وفيما أورده السيد كفاية -إن شاء الله- في الزجر عن الوقوع في هذه المهاوي وتدارك المسلمين عن مثل هذه المساوئ، والله الموفق والهادي، وكان انتهاء ما حررناه من هذا البحث إلى الإمام عليه السلام (إلى صعدة)، ولما عاد إلى جهات (صنعاء) شرع في النهي عنه وتحريقه وكتب بذلك إلى سائر البلاد فزالت بهذا النهي مفسدة عظيمة، وانقطعت بانقطاعه منكرات كان شربه داعية إليها؛ وكنت ذكرت لإمام عصرنا المؤيد بالله عليه السلام أيام الاجتماع به في (السودة) المحروسة تتميم هذا السعي من الإمام رضوان الله عليه وتتميم ما كان شرع فيه من إنفاذ وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إخراج اليهود من جزيرة العرب فإنه أخرجهم رضوان الله عليه من مدن المسلمين، وقد كانوا اتخذوا بها دوراً تشابه دور المسلمين، وتملكوا ضياعاً في مواضع عدة فباعوها، وأجلاهم عليه السلام إلى (موزع)؛ وذكر لي في بعض كتبه أنه سيجليهم إلى موضع يراه من سائر الأقاليم، ولعله أراد أرض (الحبشة).(1/330)
[بحث حول حكم إخراج اليهود من جزيرة العرب]
وكان حرر بعض الأصحاب بحثاً في إخراج اليهود من جزيرة العرب [88أ]وذكر أن قوله تعالى: ?حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ?[التوبة:29] مطلق مقيد بحديث: ((أخرجوهم من جزيرة العرب)).
فاستدركت عليه وقلت: هذه غفلة عن معنى المطلق والمقيد والعام والخاص، وأن عموم العام شمولي، بمعنى دخول كل فرد فردٍ في الحكم عليه بالنفي أو الإثبات؛ وعموم المطلق بدلي بمعنى أن الحكم عليه لا يعمه إلا على جهة البدل بحيث يصدق على كل واحد عند إيقاع الحكم عليه، ويرتفع عما عداه؛ ولذا كان معنى شيوع المطلق أن يكون مدلول لفظه حصة محتملة لحصص كثيرة مما يندرج تحت أمرٍ مشتركٍ من غير تعيين، فيخرج نحو العام مثل: أكرم العلماء وكل رجل؛ لمنافاة الاستغراق فيه للشيوع المذكور في المطلق؛ وهاهنا لما كان مفهوم الغاية في قوله تعالى: ?حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ?[التوبة:29] يفيد منع قتالهم حتى يعطوا الجزية على جهة العموم لكل فرد فرد بحيث لا يخرج من الحكم وهو منع قتالهم عند إعطائها فرد منهم على طريق الشمول والإحاطة الذي هو معنى العام.
كان معنى حديث: ((أخرجوا اليهود)) إلى آخره مخصصاً لعموم المفهوم، بمعنى ثبوت قتالهم عند الامتناع؛ وبهذا يعلم عقله من أدرجه في باب المطلق والمقيد عن معناه.
وتحقيقه: أن العموم المستفاد من مفهوم الآية الكريمة عموم في الأزمان والأشخاص، والتخصيص المستفاد من الحديث تخصيص في الأزمان فقط؛ إذ مفهوم الآية الكريمة أنهم متى أعطوا الجزية ترك قتالهم؛ ولو امتنعوا من الخروج، فيكون أوقات الامتناع مما يترك قتالهم فيها يقضيه العموم، فيكون الحديث [88ب]مخصصاً بهذا العموم، ومقتضياً أنهم يقاتلون وقت الامتناع.
وأما عموم الأشخاص فلا تخصيص فيه فإن الحكمين -أعني ترك القتال عند إعطاء الجزية وثبوته عند الامتناع من الخروج- ثابتان في حق كل فرد فرد. والله أعلم.(1/331)