وعند مسلم وأبي داود بلفظ: ((الحياء خير كله)) [72أ].
وعند البيهقي بلفظ: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)).
وعند الترمذي والحاكم والبيهقي بلفظ: ((الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاءُ من الجُفَاء والجفاْ في النار)).
وعند الترمذي والحاكم وأحمد: ((الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبيان والبذاء شعبتان من النفاق)).
وعند الطبراني بلفظ: ((الحياء والإيمان في قرنٍ، وإذا سلب أحدهما تبعه الآخر)).
وعند الترمذي الحكيم بلفظ: ((الحياء زينة والتقى كرم، وخير المراكب الصبر وانتظار الفرج من الله عبادة)).(1/297)


[تعقيب للعلامة يحيى بن أحمد الشرفي]
ولما اطلع السيد المحقق: يحيى بن أحمد الشرفي رضوان الله عليه على ما حررناه قال: لا برحت سحائب عماد التواصل هاطلة، وأسباب تجدد الأنس على مر الجديدين متواصلة، من تلقاء الولد القاضي الشهير، الجليل الخطير، العلامة النحرير، السابق إلى خيرات الدنيا والآخرة -بإذن الله- ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل الكبير، شرف الدين والدنيا، شائد مكارمهما الرفيعة العلياء: الحسين بن الناصر بن عبدالحفيظ حفظه الله تعالى في ذاته وصفاته بما حفظ به محكم آياته، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته في جميع أوقاته، وبعد .. فصدوره لاستمداد الدعاء بعد وصول كتاب الولد الكريم مجدداً للعهاد، مؤكداً لما محضه صفاء سره الكريم من صحيح الوداد، منبياً عن عاقبته التي هي عماد كل أربٍ ومنتهى كل مراد، والمسئول من الله دوامها الذي هو دوام لصلاح البلاد والعباد، ومتضمناً تصدير البحث النفيس من زيادة التحقيق للتحقيق الواقع من الصنو السيد العلامة: يحيى بن إبراهيم -حفظه الله تعالى، ونفع بما أفدتم وما أفاد، وهو تحقيق شافٍ وافٍ لمحاسن ذلك النظر الثاقب المستجاد، جامع لأطراف[72ب] الكلام والمعنى الذي دار عليه اللفظ المقصود بالبحث ومحيط تفاصيله فما ينقص منه ولا يزاد، وقد اشتمل على ما كان في النفس من تعيين معنى الوصف الذي أومأ النص إلى عليته لذلك الحكم وهو التحريم في تلك المسألة المعلق بالخبائث، فإن الظاهر شموله لما استخبثته النفوس، ونفرت عنه طبعاً، كما يدل عليه الحديث في القنفذ: ((خبيثة من الخبائث)) وتوهم ورود النقض بالأدوية التي تنفر عنها النفس وتستبشعها، مدفوع بقيام الدليل القطعي على حل استعمالها لما فيها من النفع الخالي عن المفسدة، ولو خلت عنه لالتزمنا تحريمها عملاً بالعموم، فقصر الخبث على الضار ليس كما ينبغي، وهذا المعنى مستقل باقتضاء التحريم، وسائر الوجوه الأخرى من المضار الدينية(1/298)


والدنيوية التي فصلها السيد –حفظه الله- على علل أُخَرٍ مستقلة أيضاً باقتضاء الحكم، كما هو ظاهر في تحريم الخمر والميسر، فعلل تحريم استعمال الشجرة الخبيثة متعددة، وتعليل الحكم الشرعي بعلل متعددة جائز عند محققي علماء الأصول، وإلى ما ذكرت من تعدد علل تحريمها أشرت بقولي: فقد تعدد وجه المنع ….إلخ
نعم وخروج الأدوية الكريهة من عموم التحريم لا يقدح في صحة الاحتجاج به على تحريم الباقي على ما هو رأي المحققين، والقائلون بأن العام المخصوص لا يصح الاحتجاج به فيما بقي، يلزم محذورات يصعب عليهم التقصي عنها، ومحل استيفائها ذلك الفن، والولد -حفظه الله- محقق مسائله، وخرّيت مجاهله، ولا برح في حفظ الله وحسن رعايته. (انتهى كلامه رحمه الله).(1/299)


[عودة إلى بحث المؤلف]
وأقول: أراد بقوله: نعم وخروج الأدوية الكريهة من عموم التحريم…إلخ الإشارة إلى المسألة الأصولية، وهي بقاء حجية العام بعد تخصيصه؛ احتج مثبت حجيته بإجماع الصحابة على اعتباره بعد التخصيص به، وبعصيان من قيل له: أكرم بني تميم، ثم قيل:[73أ] لا تكرم زيداً وهو منهم مع ترك إكرام سائرهم قطعاً، والقائل بعدم حجيته يقول: إن المخرج قد صار أصلاً يصح إلحاق الباقي به بتنقيح مناطه أو تحقيقه، وبذلك تخفى حجية العموم؛ ولأن رأي بعض الصحابة قصر العموم على السبب، فأين الإجماع على العموم الذي يترتب التخصيص على ثبوته، ثم لو أجمعوا على العموم لما ساغ المخالفة بنفيه بعدهم، ولأن الاستدلال بالقطع على عصيانه بترك إكرام سائر بني تميم محل استفسار، بأن يقال: إن أريد أنه يعصي إذا لم يكرم جمعاً منهم فمسلم وليس بمطلوب مثبت الحجية؛ لأن المأمور بمطلق يعصي إذا لم يفعل منه واحداً، أو إن أريد أنه يعصي إذا لم يكرم كل واحد منهم فممنوع وهو مصادرة؛ لأنه أول المسألة، وأيضاً فما به التخصيص زاد للعموم إلى الخصوص إذ لا واسطة، والخاص مطلق؛ والمطلق إنما يدل على حصة مبهمة لا على الحصص الذي هو معنى العموم؛ فإن أريد أنه حجة على حصة معينة فغير محل النزاع، وإن أريد أنه حجة على الحصص الباقية فلا دليل عليه، لأن المخصص إذا كان قرينة للمجاز وقرينة المجاز دافعة للمعنى الحقيقي وهو هنا العموم فلا عموم، ومجرد الصلاحية لكل واحدٍ من الحصص لا تفيد؛ لحصولها في كل مطلق.(1/300)


والحاصل: أنهم فرقوا بين ما خص بمتصل، وبين ما خص بمنفصل؛ أنه في الثاني إما دافع لتعلق حكم العموم بما خص وحينئذٍ لا عموم؛ إذ معنى العموم تعلق الحكم بكل فرد، وإما رافع لتعلق الحكم بكل فرد فذلك معنى نسخ العموم، وإذا ارتفع العموم رجع إلى الإطلاق ؛ إذ لا واسطة بينهما؛ والمطلق إنما يدل على فرد مبهم فكيف يكون عاماً لما بقي!! والجمع بين الدليلين مع ذلك حاصل بإعمال كل منهما في محل وزمان؛ فإن العموم ثبت في السبب في الزمان الأول؛ والناسخ في الثاني فلا إهدار[73ب].
وأما ما خص بمتصل فاتصاله مانع لظهور التعميم، فهو خاص من أول الأمر لم يتعلق الحكم إلا به، والعموم الثاني فيه مصون عن التغيير.
هذا حاصل الكلام على القولين، والصحيح عندنا هو الأول؛ وأقوى مرجحاته أن العمل بالثاني مبطل لكثير من العمل بدلائل الكتاب والسنة، بل لأكثرها؛ إذ لا عام إلا مخصص إلا نحو: ?وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ?[الأنعام:101] فلو ذهبنا إلى إبطال حجية العموم لما بقي لنا دليل في أكثر الشرعيات، مع أن القول يعود ما ارتفع عنه العموم إلى الإطلاق كافٍ في إثبات حجيته؛ لأنه إذا دل على فرد مبهم فهذا المبهم يجوز أن يكون هذا وأن يكون ذاك إلى آخر ما بقي من أفراد العام المخصوص، فإن الحكم بأن الباقي داخل تحت حكم العموم أرجح من الحكم بخروجه عنه؛ لأن فيه بقاء على ما علمنا ثبوت حكمه بالعموم، والخروج عن الأصل بجواز أن يكون ملحقاً بالمخرج من العام مما لا يقول الناظر بعين التحقيق برجحانه على ما ثبت بالعموم؛ وأيضاً فإيراد الشارع للأدلة المخصوصة في إثبات الأحكام أكثر من أن تحصى بحيث لا ينكر ورودها إلا مكابر؛ ولو صح ما قاله أبو ثور لما حسن من الشارع ذلك؛ وأي محذور أعظم من بطلان أدلة السنة والكتاب في الشرعيات التي لا تؤخذ أدلتها إلا من العمومات في الخطاب.(1/301)

60 / 95
ع
En
A+
A-