برد العدل، وكان منصور الرايات لا يهم بأمر إلا وناله، محمودا في أفعاله وأقواله، مؤثراً للآخرة على الدنيا، متفقدا للفقراء، كهفاً للضعفاء لا يقصده أحد من الناس على مراتبهم إلا وعاد من حضرته الشريفة ظافراً بمطالبه، قاضياً لأوطاره، ولنا إليه مسائل كثيرة ومراجعات عندنا أجوبتها مبسوطة، وأنهيت إليه كثيرا من مؤلفاتي، ونلت من دعائه ما أرجو به الفوز في دنياي وآخرتي، وأنهيت كثيرا من الأمور التي مست الرعية بواسطة العمال، كالأمور المضروبة على رؤوس المسلمين وبقرهم، ورجع جوابه عليه السلام صريحاً في إبطالها آمراً لنا برفعها، لو لا ما اعترض من أداء عمال أحبوا الدنيا وبالغوا في بقاء هذه المآثم؛ روماً منهم لتوفر وظائف لهم من هذه الأمور المحرمة، ولما اجتمعنا بإمام عصرنا أيده الله تعالى في محروس (السودة) أطلعته على جواب[63أ] الإمام عليه السلام في ذلك، وحصلت بيننا وبينه أيده الله مفاوضات نفعها عام للمسلمين، وعرفنا منه الرغبة في إحياء سيرة سيد المرسلين، ووصيه الأنزع البطين صلوات الله عليهم أجمعين.(1/272)
[(72) الإمام أحمد بن الحسن (سيل الليل)]
( 1029 - 1092 هـ / 1620 - 1681 م)
وأما الإمام المجاهد الجليل أمير المؤمنين المهدي لدين الله: أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين رضوان الله عليه فكان من عظماء الأئمة، وله في الجهاد مواطن مشهورة أيام الإمام المتوكل على الله في (الشام) والشرق، وكان فتح (الشحر) على يديه، وكانت دعوته بعد وفاة الإمام المتوكل على الله رضوان الله عليه.(1/273)
[(73) استطراد: القاسم بن المتوكل إسماعيل]
( 1068 - 1121 هـ / 1655 - 1708 م)
وفي تلك المدة دعا أيضاً ابن عمه المولى الأعظم، واسطة عقد أكابر العترة الأنظم، وإمام علماء آل محمد صلى الله عليه وسلم: القاسم بن أمير المؤمنين -أيده الله- وأجاب كلا منهما عدة من العلماء أهل الحل والعقد، واستمر كل منهما يدعو إلى نفسه مدة مديدة، وخطب لمولانا القاسم على المنابر في: (شهارة) و(الأهنوم) و(حبور) و(وادعة) و(الهجر) و(الشرفين) و(حجة) وأكثر بلاد (تهامة)، وأجابه خلق كثير؛ لعلمه وفضله وورعه، واجتماع خصال الإمامة فيه، ولما عرف به من خفض الجناح للمؤمنين، ومحبة العدل في العالمين؛ وخطب للإمام المهدي رضوان الله عليه على منابر (صنعاء) و(اليمن) جميعه إلى (عدن) و(المخادر) و(زبيد) وغيرها، وبعد مدة طويلة اجتمع الرأي من العلماء والفضلاء وأبناء الأئمة على إمامة الإمام المهدي رضوان الله عليه بعد أمور يطول شرحها، وبعد أن اتفق رأي الإمامين على اختيار جماعة منصوص عليهم من العلماء من الجانبين، فنص من جانب الإمام: المنصور علينا وعلى الإمامين السيدين: إسماعيل ويحيى ابني إبراهيم، وعلى القاضي العلامة: محمد بن علي قيس، وعلى السيد العلامة: علي بن صلاح الضلعي وغيرهم.
ومن جانب الإمام المهدي على القاضي العلامة: يحيى بن إسماعيل الجباري[63ب] والقاضي العلامة: علي بن جابر الهبل وعلى السيد العلامة: عبد الله بن مهدي الكبسي وغيرهم، وكان الاجتماع في (الرحبة) من أعمال (شهارة) وتفاوض العلماء هنالك في شأن الصالح للإمامة، وفي تسكين الفتن ورفع الرتب من الجهات، ثم كان بعد ذلك من الاتفاق على الإمام المهدي بعد أن وصل إلينا من مولانا: القاسم ما يقضي بذلك، فسلك بالناس قدس الله روحه مسلك الأئمة السابقين، واختص بخصائص شريفة منها:(1/274)
رفع كثير من المظالم التي جرى عليها العمال من أغرام الرؤوس، وسمن البقر في جهات كثيرة، وأمر برفع خمس المغارم في الجهات الحجورية، ووعد برفع البقية، وكتب إلينا كتاباً بسيطاً ذكر لنا فيه ما يريده من رفع كل أمر لا أصل له في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه أمير المؤمنين، وأكابر الأئمة الهادين؛ وكتابه قدس الله وروحه عندنا بذلك مع كتب كثيرة أكثرها بخط يده الشريفة.(1/275)
[تعريف بكتاب المواهب القدسية للمؤلف]
لأنه استدعى منا مؤلفنا هذا (المواهب القدسية شرح المنظومة البوسية) وهو كتاب حافل بأقوال الأئمة وعلماء الأمة، كافل بالأدلة الصحيحة الراجحة بعد إيراد أدلة المذاهب، ووجه ترجيح ما صح لنا من الدليل، والرد على إشكالات وردت على المذهب الشريف.(1/276)