[ما نظمه المؤلف مادحاً لكتاب المفصل ومؤلفه]
وقد كان جرى ذكر أبيات ابن هطيل رحمه الله في مدح جار الله والمفصل، فاستدعى مولانا حفظه الله نقلها فنظمنا قبلها أبياتاً على زنتها وتيسر لنا نظم ما سقناه من الفوائد فيها، وكذا جواب ما سأل عنه حفظه الله في عدم إعلال صيد وأنه على نهج قود.
قلنا: ومثله صور وذلك بعد أن اطلعت من الولد العلامة: الحسين بن ناصر بن عبد الحفيظ فتح الله عليه أبواب حكمته، وأفاض على الجميع غيث سحاب رحمته على أبيات يأتي ذكرها، ثم نذكر بعدها ما نظمته وهذا ما ابتدأت به:
وبالخمسة أهل الكساء التوسل
أموري في قولي وما أنا أفعل
تأمل وأصلح فهو فيك المؤمل
على صاحب النظم البليغ ليثقل
ومن جوده ما رمته فهو يسهل

على الله في كل الأمور التوكل
وفي كل حين أستعين به على
ويا سائلي عما سيأتي جوابه
فقد جئت بالمنثور نظماً وإنه
ولكن أعان الله ربي بفضله

هذا ما زدته قبل نظم الولد العلامة: الحسين حماه الله وسيأتيك ما بعده، وهذا ما قاله هو:
به من علوم النحو شهدٌ وسلسل
تفوق على ما في الرياء وتفضل[58أ]
بياقوته العقد الثمين المفصل
على دره غاص الإمام المفضل
ومن هو في أحواله المتوكل
مكارمه كالشمس بل هي أجمل
بما فيها يحيط ويشمل
وأضحى على نجل الإمام المعول
أهيل الكسا آباؤه وهو أكمل
سوى منهم لولاهم كان يجهل
كقطرة ماء الغيث والغيث مسبل
غدونا لأنواع الحديث نسلسل
وأملي لنا ما قد حواه المفصل
أفاد من الضبط الصحيح المكمل
لتحقيقه أهل الفضائل ترحل
عليه لنجم الدين في ذلك مدخل
لم صيد قد صححوا لم يعللوا
كما صور هذا الثلاثي تحملوا
به صرحوا في بابه حين مثلوا
لما قاله ذاك العليم مكمل(1/262)


مفصل جار الله بحر زمخشرٍ
حدائقه فيها ثمار فوائدٍ
فما هو إلا الدر والجوهر الذي
وبحر عميق ماله ساحل يرى
هو الحبر إسماعيل من همه العلا
ومن نجله البدر المنير محمد
عليم بأنواع العلوم وصدره الرحيب
سبت سيبويه الحبر دقة فهمه
لعمرك ما يكسى الكسائي علم من
ولا لبس الفراء فراء علومه
وما البحر إلا قطرة من علومهم
ولما وفدنا داره بشهارة
فمنها عويصات تحل لوقتها
وما قاله ابن الحاجب الصدر ثم ما
وأظهر وجهاً في الضمير مؤكداً
فقال أبي يأتيك من بعد أنه
علي بن يعيش والنحاة وقلت لي
ففي صيد قد صحح الصيد عينه
على قود ما قالوه في قود كما
فأسمعته من بعد هذا وإنني
هذا وسبب ذكر صَيْدٍ أنه سأل عن ترك إعلاله فأجَبْتُ فيه، وفي صوره بأنه على نهج قود؛ لأن القياس في حرف العلة الواقع عيناً وهو: واو أو ياء قلبه ألفاً إذا تحرك وانفتح ما قبله نحو: باب وناب وقام وباع، ونحو: القود والصيد، وأخليت السماء بالماء، وأغيلت المرأة أي وضعت على الحبل، وأغيمت السماء ونحوه من الفعل المحمول على الثلاثي شاذ[58ب] كما ذكر في التصريف، والقياس قاد وصاد وأخالت وأغامت، رجع إلى كلام الوالد - قدس الله روحه -.
قال: ثم قلت: أنا في تعليل (ابن يعيش) وما عليه من كلام (الرضي) وغيره، وما قاله في (المكمل) في ضمير الفصل تكميلاً للفائدة وتقييداً للشاردة، متعرضاً لتصحيح نظر مسئول ودعاء مقبول :
الكريمة حيث الوفد يغشى وينزل
وللعلم أعلا ما يشاد وأطول
لذي بحرها ما يرتجى ويؤمل
خلائف هم غيث إذا الناس أمحلوا
به حاتم منه على الناس مفضل
دعاءً لدى الرحمن يرضى ويقبل
ومنه أولو التحقيق في الأرض تخجل
وفي العلم من فوق السماكين منزل
فمنهم أسير أوقتيل مكبل
وبالحق يهدي في الأنام ويعدل
بمن هو للإسلام كهف وموئل(1/263)


ولما وقفنا عنده في دياره
بيوت بناها أكرم الناس للندى
وحيث حوى أهل العلوم جميعهم
وحيث استقرت من خلائف جده
وغوث اليتامى والمساكين عندهم
وإن هم دعوا يا فوز من وجهوا له
سمعت من العلم الذي نهر الورى
لمولى له في الشرق والغرب هيبة
إمام الهدى بحر الندى مهلك العدا
ومن مَنَّ فضلاً مثل ما كان جده
فهنَّى الورى مولاهم جَمَّعَ شملهم

عليهم به فالشكر حصن ومعقل
من العلم والتقوى اللباس المجمل
على نهجه فيما يقول ويفعل
على من له المجد الرفيع المؤثل
دقائق أنظار على الناس تشكل
بما هو منها في الدقائق أكمل
أولو العلم في إحياء ما شاد الاول[59أ]
له ابن يعيش كان يروي وينقل
لدقة فهم فيك أسمى وأفضل

وأوزعهم شكر الذي هو منعم
وأبقاه في خير وفضل لنا به
وهذا ابنه أكرم به من مُحَمدٍ
أهنيه بالكشاف أحرز ما حوى
على جامع الست الحواشي التي بها
فما حلها في الناس غير إمامنا
أقام لجار الله حقاً وهكذا
فلو أن من أهل العلوم يعيش من
لقال له أني لعبد وخادم

به أكدوا ذاك الضمير وعللوا
له الرفع من تلك الضمائر أبدلوا
عن ابن يعيش فيه قول مفصل
بذلك تأكيد وإياي مبدل
وتأكيده اللفظي في اللفظ أهملوا
على حتم ما قالوه ليس يعول
يؤكد بالمنصوب وهو ممثل
أجازوه بالمنصوب قد يتحول
رأيتك أنت هكذا ما يحصل
الضمير على أنواعه ليس يجهل

فإنك قد أحييته إذ ذكرت ما
فإنهم لو أكدوا بسوى الذي
فقال أنا يأتي عقيب رأيتني
بإياي لم يأتوا لأن مرادهم
فقد أبدلوا إياه بعد ضربته
فخذ ما ارتضى فيه الرضى فإنه
فإن يتصل منصوبه جاز فيه أن
رأيتك إياك فإنهم كما
فيأتون بالمرفوع منفصلاً كما
وقد جاء مرفوعاً يؤكد قبله(1/264)


ضمير له إذا أنت أقوى وآصل
إلى الفصل بالمرفوع لا غير يفصل
تعرفت الأخبار أوهي أفعل
يؤكد مجروراً بإياك أعدل
كما ذكروه في المثنى وعللوا
وما قاله واختاره فهو أفضل
وإن قلت إياك فذاك مبدل
بمعناه والثاني بما جاء الأول
ة مثالاً والرضي عنه يعدل
بإجماعهم ما الفرق لا فرق يعقل
وأعجب منه ما حكاه المفصل[59ب]
أليس به التأكيد في اللفظ يحصل

فقد أكد المجرور إذ لا انفصال في
فمرفوعه قبل الضميرين وانظرن
لذا وسطت للفصل صيغته إذا
ولولا الذي قلناه كان قياسه
وذاك لأن النصب والجر إخوة
وهذا اعتراض للرضي عليهم
ضربتك أنت عندهم ذا مؤكد
وهذا عجيب في ضمير مكرر
وفي القسمةالأخرىللإبدال أوردالنحا
أليس به هو وأسكن أنت مؤكد
فما الفرق والتأكيد في الكل ظاهر
كيازند ريد ذا المكرر مبدل

وذاك إلى التأكيد أدنى وأدخل
بلى يمكن الإبدال والحق يقبل
وفي البعض لكن في مثالين مثلوا
ومرجعه لما يعد فيه الأول
مدحتهما إياه بالنصب ينقل
أكلتهما إياه للرفع أهملوا
أجزناه فيما مر قالوا وقولوا
يباشره ما فيه للنصب يعمل
وتعليله واجمعهما فهو أكمل
أقل ومنصوب الضمير مطول
ولو بعد منصوب لنا قيل يحمل
بصاحب برهان لماَّ قلت يبطل

مررت بك أن كرروا بك أبدلوا
ألم تره لفظاً ومعناً مكرراً
لمنصوبه من مثله في اشتمالهم
وذاك إذا الثاني يكون مخالفاً
ففي الاشتمال علم هذين إنني
وثلث الرغيفين المثال لبعضه
فما هو عن إياه جاز كمثل ما
ففي البدل الثاني قصدت كأنه
وخذ من ضمير الفصل قول مكمل
بأنهم اختاروا ضميراً حروفه
وتمثيل محمود بمرفوعه لنا
فعلل به في ذا المقام ومرحبا(1/265)


شذوذ كذا في أغيمت فهي تهمل
وما قال نجم الدين في ذاك يفصل
على أصله قالوا بهذا وعللوا
ولكن سماع الأصل أجلى وأجمل
إلى حيث لم يبلغ بليغ ومقول
على رأسه في العلم تاج مكلل
فقال لنا هذا الذي قال ينقل
إلى علمه إذ منه ذاك يسأل
بأسعد من بالسعد ما رام ينحل
وإن زماناً هكذا ليس ينحل[60أ]
على روحه غيث من العفو يهطل

وفي صيد ما قيل في قود يرى
بشافية مع أخيلت جاء سردها
وقد وجهوا تصحيح ذاك دلالة
وعمرو بن عثمان يعل مخيراً
وحين أنهى في ذا الكتاب ودرسه
فما ابن هطيل في الدقائق مثل من
فأسمعته ما قاله في مديحه
رقمت له ما قاله لا زيادة
وساعدته في رقمه متبركا
مدحتك يا دهري سمحت بمثله
فهاك الذي قد قاله في مدح من

صبور على درس الدفاتر مقبل
قليل التواني ظاهر الفهم فيصل
فيعزى إلى خرق ولا هو يعجل
فعن نظر حق إذا قيل يقبل
غياهبه عنه ولا يتحول
وهل مثل جار الله إلا يفضل
بأقواله في حله يتوصل
وهل يغوص النظار إلا المفصل
إلى كل خير بالتوصل يوصل
ملولاً إذا كان العويصة تشكل
فلم ينل التحقيق من ليس ينقل
عليك عطا المن منه مسربل
وآلٍ له ما هب في الأرض شمأل

هل النحو إلا طود فخرٍ يناله
أديب لبيب لوذعي مهذب
له سيما الفضل لا متكلف
إذا بدرت منه شقاشق حكمة
وإن سيل عن التحقيق مبهم جلت
ويرعى لجار الله حرمة فضله
ألم تر أن الناس في كل مشكل
على فضله الكشاف أكبر شاهد
فيا طالب الفن الشريف موفقاً
عليك بإقبال المجد ولا تكن
وواظب على حفظ الأصول ونقلها
وكن قاصداً في كل فن رضا الذي
وصلي على خير النبيين أحمد

ثم قال والدي رضوان الله عليه: واعلم أن المقصود من وضع المضمرات رفع الالتباس فإن أنا وأنت لا تصلحان إلا لمعنيين، وكذا ضمير الغائب نص في أن المراد هو المذكور بعينه نحو: جاءني زيد، وإياه ضربت، وليس كذا الأسماء الظاهرة.(1/266)

53 / 95
ع
En
A+
A-