وأوصيت أن لا يحربوا أحداً بهذه البنادق ونحوها إلا بشرط الشرع الشريف أعزه الله تعالى أو مدافعة لمن يجزيهم بها، وما توجه من أحد أو نحوه مستكملاً لشروط الاستيفاء ممن يجب عليه وكان على من قد جرح قلوبهم مثلاً لم يكن إقامته بمشاركة تشفي قلوبهم لأمر الله تعالى، ولا يمنعهم استعجال الشفاء على الجري على ما قد نص عليه العلماء رحمهم الله تعالى من تأخير الحد أو إسقاطه لمصلحة، كما ذلك مقرر في مواضعه، ومحرر في أماكنه، ومن الأمور المهمة التي يجب علينا بيانها، وعلى الأولاد ومن في حكمهم امتثالها ما كان من لبس ما لا يجوز للرجال لبسه من الحرير الخالص ونحوه، فإن العذر الذي كنا نعتمده ما هو لصاحب الولاية العامة من الإرهاب ومع عدمها، إما بانبساط الحق ومعرفة الناس لما أعطى الله سبحانه صاحب الولاية العامة من ذلك: تمكينه له في الأرض كما كان في مدتنا الماضية، وإما بتحول الأحوال كما سبق ذكره أيضاً، فلا مساغ، ولا جواز، ولا وجه للبس ما يلبس من ذلك أبداً، ومن يتساهل[50أ]فقد عرض نفسه للإثم والوصم. نعم، ولا يقتدي بنا في عدم فعل كل ما أوصينا به؛ لأنا كنا نتصرف بنيات وعلى وجوه يشق على من بعدنا الجري عليها، على أنا نستغفر الله العظيم من التساهل في ذلك مخافة أن يقتدي بنا من لا يحرز الوجوه المتنوعة لذلك، أو لمعروف النية ونحوها فيما يحتاج فيه إلى مقارنة ذلك، عازمين -إن شاء الله - على أن نفعل مثل ما أوصينا به بتوفيق الله، وكلما سبق لنا الوصايا متقدم على هذه الوصية فقد بطل كلما يخالف ما ذكرناه فيها، ولم يبق العمل والاعتماد إلا على ما في هذه الوصية، وتأريخها هو العشر الوسطى من شهر ربيع الآخر عام اثنين وخمسين وتسعمائة ثم قال عليه السلام:(1/237)
[اختياراته للإمام بعده]
ولما كان زماني هنا خالياً من الصالح للإمامة والحسبة إلى أن يمن الله، فهو سبحانه أغير على دينه، ولابد من النظر في أمر الصلاحية، وتحقيق الفرق بين المراتب الثلاث التي هي: السبق والاحتساب والصلاحية، وقد حققت الفرق بينهما لمسيس الحاجة إلى ذلك، فالسابق هو المحرز لشروط الإمامة، وهو ذو الولاية الكبرى العامة، وليس فوق يده إلا يد الله سبحانه، والمحتسب هو المقارب للإمامة ولم يبلغ درجة الاجتهاد، وله وإليه ما للإمام من الولاية إلا ما استثنى على الخلاف في المستثنى، وأما صاحب الصلاحية فليس له إلا الولاية على ما هو أصلح فيه، فمن صلح للتولي والتولية على مثل مسجد، أو يتيم، أو نكاح من لا ولي لها فله الولاية إلى قدر الذي هو أصلح فيه لا غير، ومن كان أصلح من غيره في باب الجهاد والدفاع، وحفظ ثغور المسلمين، وعهدهم، وأماناتهم المتعلقة بالجهاد، وكانت أصلحيته بالنظر إلى ما يحتاج معرفته في تلك الأمور، وشجاعته وكرمه وأمانته وتورعه وبعده من الطمع، فهذا له ولاية مع عدم الإمام والمحتسب في ذلك الذي هو أصلح فيه، وتجب الوصية والعهد إليه بما يعلم أنه لا يقوم به غيره فيه مقامه[50ب]والمختار عندي أن هذا إليه كلما هو إلى الإمام من أخذ الحقوق كرهاً، والغزو للكفار والبغاة إلى ديارهم حتى يوجد الصالح للإمامة والحسبة، هذا مذهبي.(1/238)
ويروى للمؤيد بالله والقاضي وابن شروين، وهو مقتضى كلام المنصور بالله عليه السلام فإنه نص أن لكبير المحلة أن يأخذ من أموال أهلها ما يدفع به عنهم فيما يحتاج إلى المدافعة فيه، وإذا كان هذا لكبير المحلة فيكون لصاحب الصلاحية في المدافعة عن أهل النواحي المتسعة والأطراف، والمضرة على أهلها تشتمل على المضرة بالإسلام والمسلمين كافة أولى وأحرى، وإذا ثبتت له الولاية على خالص الملك فثبوتها له على الحقوق المالية أحق وأولى، وتقديم ولايته عليها على أرباب الأموال أظهر وأجلى، ثم أنه تقرر عندي ما تقرر عن المؤيد بالله وهو مذهب أكثر الفقهاء، وإن كان أصحابنا يروون عن الشافعي خلافه؛ فقد روى بعض الشافعية أن المختار لأصحاب الشافعي عنه مثل كلام المؤيد بالله وذلك: أن ولاية الإمام لمن ولاه لا تبطل بموته، فإذا كان للصالح أن يتولى، وللإمام أن يولي لما بعد موته، وجب على الصالح أن يتولى، ووجب على الإمام حيث كان ذلك مذهبه أن يولي؛ لأن هذا مما إذا جاز وجب، فمتى ولى الإمام الصالح وتولى، واجتمع الأمران بالأحرى والأولى فإنه يجب على أعيان المسلمين إعانة المتولي الصالح، وإجابته، وملازمته لتثبيته فيما يحتاج فيه إلى التثبيت والتعريف، ومثل ما روي عن العلماء الصالحين في (الجيل) و(الديلم) أنهم كانوا يشتغلون في الليل بالتدريس للإمام الناصر الصغير: الحسين بن أحمد بن الحسين بن الناصر الكبير لاشتغالهم في النهار بالجهاد، وقد تخرج لنا من هذه الجمل المباركة مسائل منها:(1/239)
مسألة انقطاع الكامل للسبق
وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أنه يجوز خلو الزمان من الكامل أيضاً، ولنا في ذلك نظر[51أ] وتقوية، وجدنا الفقيه عبد الله النجري رحمه الله قد سبق إلى مثله، وأشار إليه في (شرح المقدمة)، ومنها بقاء تولية الإمام بعد موته؛ وقد صح لنا ذلك بقواعد لا يحتمل بيانها هذا المسطور، ومنها أن لغير السابق من المحتسب وصاحب الصلاحية أن يأخذ الحقوق كرهاً كما مر، ومثله للسيد: علي بن محمد بن أبي القاسم).
انتهى المقصود من وصيته عليه السلام وحذفنا ما لا تعلق له بكتابنا هذا، وفيها أعظم دليل على ورعه [عليه السلام] وزهده في الدنيا، وإيثاره للآخرة، وتفقده للضعفاء والفقراء، وقصر حقوقهم عليهم، والتحذير من الوقوع في الشبهات وأموال المسلمين المحرمة التي وقع فيها كثير من جهلة العمال، ونسبوها إلى الأئمة كما يأتي بيانه إن شاء الله.(1/240)
[(63) الإمام أحمد بن عز الدين بن الحسن (الهادي)]
( 915 - 987 هـ / 1502 - 1575 م)
وأما الإمام الهادي إلى الحق أحمد بن عز الدين بن الحسن عليه السلام القائم بالإمامة بعد الإمام شرف الدين، فله من الكرامات والفضائل، والزهد في الدنيا، وإيثار الآخرة ما هو مشهور لولا ما صده عن النفوذ فيه من صلاح الرعية، والنظر في أمور البرية، من ظهور البغاة على الديار اليمنية.(1/241)