[وصيته]
وفي وصيته عليه السلام التي يقول فيها ما لفظه: وبعد .. هذه وصية عبد الله الفقير إلى عفو الله ورحمته أمير المؤمنين: شرف الدين بن شمس الدين بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله، وساق نسبه عليه السلام إلى أمير المؤمنين كرم الله وجهه ثم قال بعد كلام طويل: (أوصي إلى جميع أهلي وأولادي، وقرابتي وإخواني، وأصحابي ومعارفي، وجميع المسلمين بأني أستغفر الله العظيم وأتوب إليه من كل ذنب علمه الله مني، أو علمته أو علمه مني عالم، وأنا أعتذر إلى الله -سبحانه وتعالى- وإلى جميع من يجب له علي الاعتذار، خاضعاً متذللاً، خاشعاً متبتلاً، جاهداً في الخروج من أسباب التبعة، متنصلاً حسب الطاقة والإمكان، وعلى ما يوفقني له الملك الرحمن، مقراً بعدم البراءة من الذنوب، خائفاً مما اقترفته لسوء العقاب إلا أن يرحمني علام الغيوب، وأوصي إلى الله تعالى بالتوبة علي، والهداية لي، والرضى عني، والإسعاد في الدنيا والآخرة، وأن يرزقني عمراً طويلاً أشتغل فيه بشكره وذكره وحسن عبادته، وأن يجعلني من الخاضعين لهيبته، الخاشعين لرهبته، الراجين لفضله ورحمته، الباكين لخوفه وخشيته، الفائزين بأسباب رحمته وعزائم مغفرته، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والخلود في الجنة، والنجاة من النار، وإلى من ذكرت من عباده بالبر إلي من جميع ما ينفعني عند الله البراء منه، وقد أبرأت كل من أبرأني كذلك، وكذلك كل من لم يبرئني إلا أن يكون عدم البراء له مني يدعوه إلى البراء منه لي، وأوصيت إليهم أن يبرئوني ما أمكنهم من أنواع القرب البدنية والمالية، فمن برأني أسأل الله تعالى مجازاته عني بخير الدنيا والآخرة، ثم إن علي حقوقات لا تحصى، ولا يسعني فيها إلا واسع فضله، وعظيم عفوه، وقد وقعت لي مصادفات وأمور مخلصات على قواعد شرعيات، ومقاصد دنيات، وعلى يدي الولد علي[48أ]بن أمير المؤمنين أبقاه الله تعالى وعلى يدي جماعة من الأعيان والفضلاء من أهل البيت(1/232)


عليهم السلام وشيعتهم في مواقف متعددة آخرها يوم السبت يوم السابع عشر من شهر ربيع الآخر عام اثنين وخمسين وتسعمائة، وذلك على وجه الاحتياط فيما عسى أن تعزب فيه النية عن ذي الولاية، فيما لا بد فيه من النية في تصرفاته، وما عسى أن يعرض من هفوة لا يكاد يخلو المكلف من مثلها، لا سيما في حق مثلي ومثل زماني هذا الذي هو حثالة الأزمنة، وهو مقتضى ما ورد في الأثر من مثل: من عام إلى عام ترذلون.
ثم إني وقفت: أوقافاً في (صنعاء) وأعمالها، وفي (الظفير) وأعماله، وفي غيرهما من الجهات؛ فمنها ما هو عما يعلمه الله سبحانه علي من الحقوق، ومنها ما هو على أولادي وأولادهم حسبما ذكر مبيناً مفصلاً في بصائر وبراهين وأحكام صارت تحت يد الولد السيد جمال الدين علي أبقاه الله ولها نظائر تحت أيدي جماعة من الأعيان الذين وثقنا بدينهم وأما نتهم، وقد كنت ذكرت في وصية تاريخها من سنة اثنين وخمسين في شأن بيوت الأموال من نقد، وعرض، وسلاح، وعدد، وشحن وغيرها، وبينت كونها محفوظة مضبوطة في المخازين والعهد، وتحت أيدي الأولاد وغيرهم من المقادمة والمتصرفين، وذكرت في ذلك كله قد صار مرقوماً في دفاتر الكتاب الذين كانوا معنا وتحت أمرنا، وكان الأمر إذ ذاك كما ذكرته، حتى إذا كان في آخر ثلاث وخمسين عرض ما عرض من الفتن التي ظهر أمرها، فتحولت الأحوال، وتلفت الأموال، وتلونت الألوان، وتغيرت الأعوان، ووقع ما وقع من الهرج، وفات ما فات من عهد المسلمين ومدائنهم؛ وأنا في أثناء ذلك لا آلو المسلمين نصحاً، ولا أفرط في أمر يكون بذله لهم نفعاً، وعلم الله ذلك مني وعلمه من خلقه من عرف أحوالي وأنا -إن شاء - الله على ذلك حتى يوافيني الحمام، فكلما كنت ذكرته من بيوت الأموال وعند من كنت ذكرت أنها عنده[48ب] في الجهة التي ذكرت أنها فيها قد بطل ذلك كله، وسقط عني التكليف بتحقيقه إلا ما بقي من ذلك في يد الولد المؤيد بالله شمس الدين حفظه الله وفي يد الولد(1/233)


السيد الناصر لدين الله: المطهر بن شرف الدين، وفي يد أخيهما الولد السيد المرتضى: علي –حفظه الله- فما بقي تحت يد المذكورين من عهد المسلمين، وعددهم، وبيوت أموالهم فعهدته عليهم، وعليهم العمل بما يجب لله تعالى ومخلصه يوم يقف بين يديه، فهذا هو الذي بقي عليّ بيانه؛ لأخلص من عهدته عند الله، وليتخلص من ذكرته من الأولاد حفظهم الله.
وأوصيت إلى أولادي وسائر قرابتي، وإلى إخواني في الله سبحانه، وسائر المسلمين أن يبرئوني مما لا أعلمه، ويعلم الله تعالى أنه يلزمني لهم وأني أحتاج إلى البراء منهم في جميع البلاد ممن قد عرفني من خلق الله، وأن يبرئوني بما أمكنهم من القربات، وليستأجر من يطوف ينسخ ما ذكرته من الوصية إلى أولادي ومن ذكر بعدهم يطلب البراء، والبر ممن ذكرته في الجهات، وينهي ما ذكرته إلى كل أحدٍ ممن ذكر.(1/234)


وأوصيت إلى كل أحد ممن يحب التقرب إلى الله تعالى، وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالعناية في الطيافة والتبليغ، والاجتهاد في حصول البراء والبر ممن قدر على تحصيله منه من ذكر وأنثى، وإني أرجو من الله سبحانه هداية عباده لمعرفة مالي عليهم من الحقوق التي إذا عرفوها سهل عليهم الإجابة إلى ما طلبته منهم من البراء والبر؛ لتصدري في نفعهم، وتوجهي في مصالحهم العامة، واجتهادي في هدايتهم، وعنائي في رفع المنكرات حسب طاقتي وإمكاني، وبذل وسعي في منع التظالم في الأنفس والأموال، وإمضاء الأحكام، ورفع أيدي الجبارين عنهم وغير ذلك مما لا يجهل من أمان السبل، والدلالة على الخير، وتخليص الذمم. نعم وما علمه الوصي وصح بقاعدة من دين أو غيره عليّ، أو على بيت المال بادر بإخراجه وتسليمه إلى من هو له موفقين إن شاء الله، وما كان من الكتب الموقوفة التي تحت أيدينا، أو عند الولد[49أ] السيد جمال الدين علي، أو عند أحد من الأولاد فليميز، وليجعل كل شيء منها فيما عين له مثل ما كان موقوفاً على مشهد جدنا الإمام المهدي لدين الله، ويميز وحده يوصل إليه، ويجعل في منزل حفيظ من منازل البيوت التي في (ظفير حجة) للمشهد المبارك أو لنا على ما يراه الوصي من الصلاح، ولا يخلط بشيء من الكتب الباقية في خزائن (الظفير) لأنها قد علقتها الأرضة.
وأوصيت الأولاد حفظهم الله ومن في حكمهم بالعناية التامة في تقريب من له معرفة في الفنون وعدالة، وبإنصاف من هذه صفته، والتوسيع عليه من غلات المشهد المبارك حسبما يدعوه إلى الرغبة في الاستيطان، والإقامة في مشهد جدنا الإمام لإفادة العلم والحكم والفتيا، وكذا من طلبة العلم المستفيدين، ويفعلون مثل ذلك في المسجد المبارك الذي عمرنا في مدينة محروس (ثلاء) عند قبر السيدة الفاضلة: دهماء بنت يحيى.(1/235)


وأوصيت الأولاد وسائر المتولين والمتصرفين بتمييز أموال الفقراء مثل: الزكوات، والفطر، والكفارات عن أموال المصالح، وأن لا يصرفوا شيئاً من أموال الفقراء فيمن لا يستحقه، ولا يصرفوا شيئاً من الزكوات ونحوها في الهاشمي مثلاً، وليجعلوا كل جنس في موضع منفرد حتى لا يخالطه شيء من الجنس الآخر، وتصرف الزكاة في مصارفها الثمانية، وكذلك الوصايا والأوقاف ونحوها، ويصرف كل شيء منها في مصارفه، وما كان للعلماء والمتعلمين كان صرفه فيهم دون غيرهم حسبما هو مذكور في بصائره وحسبما هو معروف من قصد الواقف والموصي وحسب الإمكان، والوقف الذي وقفناه يختار له والٍ أمين ليقوم به ويصلحه، ويصرف ما حصل من غلته في المصرف الذي عيناه حسبما هو مذكور في بصائر الوقف وأحكامه، ويكون في مخازن منفردة، ولا يخلط[49ب] بغيره.
وأوصيت إلى كل أحد من الأولاد، والقرابات، والإخوان، والمعارف، وفي سائر المسلمين كافة بأني أعلمهم بأني أستغفر الله من كل ذنب من فعل أو ترك أو اعتقاد، أو نية علمه مني أحد أم لم يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى- نادماً على ما فرط مني، عازماً على أن لا أعود إلى مثله بتوفيق الله وهدايته.
وأوصيت الأولاد أن يميزوا أولادلهم عن بيوت الأموال، ولا يتساهلون في ذلك، فما كان لهم ملكاً خالصاً كان الصرف عليه من الملك الخالص، وما كان لبيت المال كان الصرف عليه لبيت المال، وليبادروا بافتقاد ما تحت أيديهم وفي ذممهم من الأملاك والحقوق المستحقة لغيرهم، وليعطوا كل ذي حق حقه من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، ولا يتساهلوا في أخذ شيء من أحد بسوط الحياء والرهبة، ولو على وجه الطلب له بالشر، فإن ذلك وما أشبهه محرم محرم محرم.(1/236)

47 / 95
ع
En
A+
A-