[(55) الإمام علي بن محمد مفضل(المهدي لدين الله)]
( 705 - 773 هـ / 1305 - 1371 م)
وأما الإمام المهدي لدين الله: علي بن محمد بن علي بن [يحيى بن] منصور بن مفضل عليه السلام فنشأ على ما عليه سلفه الصالح من الخصال الفائقة الرائقة التي اشتهرت في كل زمان ومكان.
حضر بيعته خمسمائة من أهل العلم والعمل، والزهد والورع، وعارضه الواثق بالله: المطهر بن محمد، ثم أجمع الناس على الإمام، وكان الواثق سليم الطوية سلس القياد، فاجتمع به وسلم الأمر له، فخرج الإمام لصلاة العيد في عالم عظيم، وأمر الواثق بالصلاة فصلى بالناس، وخطب خطبة بليغة ذكر فيها الإمام، وأنه يجب طاعته عليه وعلى جميع المسلمين، فوصفه بما هو أهله، وأسهب وأطنب، وأظهر رجوعه عن الإمام، وبايع على رؤوس الأشهاد، ولم يزل الإمام المهدي على الأحوال الرضية والسيرة المرضية، فأحيى معالم الدين، وأزال ظلم الظالمين، ورفع عن الرعية المكوسات، ونظر في الظلامات، وحصل الفقراء والمساكين في وقته على ما فرض لهم من الزكوات والصدقات، وكان من العبادة والزهادة والورع عن المحرمات بمحل لا يخفى على أحد من البريات، حتى ابتدأه الألم في (ذمار).
قال في (كاشفة الغمة): كان [عليه السلام] في الفضل في أعلى الدرجات، والمحافظة على وظائف العبادات من الواجبات، والمسنونات من الصيام في الأيام المختارات، والشهور الفاضلات، والزيادة من الصلوات وأنواع القربات، والوقوف عند الشبهات، والتجنب للمكروهات، ولا يفتر لسانه عن ذكر الله في الخلوات.
وأما ورعه عليه السلام فكان كالمعصوم عن الإخلال بالواجبات، وارتكاب المقبحات، ولو بقيت العصمة لأحد غير من جاء الشرع بعصمته لكانت له عليه السلام.
فلله ذاك الواحد المتفرد[44أ]
هو الناس في المعنى وإن كان واحداً(1/217)
[(56) الإمام محمد بن علي (صلاح الدين)]
( 739 - 793 هـ / 1338 - 1391 م)
وكان ابنه الناصر قائماً بالأمور، ناظماً لأحوال الجمهور، محتاطاً في ذلك بأخذ الولاية من العلماء الأبرار، ثم نهض القاضي العلامة: عبد الله بن حسن الدواري من (صعدة) في عصابة وافرة من العلماء، فتلقاهم الناصر إلى قريب (هران)، وجاء العلماء إليه أرسالاً، وأجمعوا على إمامته، وكان أول من رقى المنبر: الواثق بن المطهر، ثم السيد بهجة العلماء: الهادي بن يحيى، ثم بقية العلماء على مراتبهم يخطبون ويبايعون، واجتمع في بيعته زائد عن مائة ألف، ولم يزل والده عليه السلام عليلاً إلى آخر يوم من جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ثم توفي رضوان الله عليه وكان أوصى أن يقبر بمشهد جده الهادي [عليه السلام] في (صعدة) فأنفذ ولده الوصية؛ ولم يزل الناصر ناهجاً منهج سيد المرسلين والأئمة الهادين، منابذاً للظالمين، شحاكاً للملحدين، ناظماً لأمور المسلمين، قائماً بأمور الدين، متفقداً للضعفاء والمساكين، مستعملاً على حقوق الله من ارتضى ديناً وعلماً وعملاً، مع ورع في الدنيا، وزهد وتأثير للآخرة، وغزا إلى (زبيد) و(تعز)، وأخرب (الجند)، ونفذت أوامره في (تهامة) خلا (زبيد)، وملك (صنعاء)؛ ولما توفاه الله إلى رحمته كتم موته قدر شهرين حتى وصل القاضي عبد الله بن حسن الدواري من (صعدة) في عدة من العلماء؛ فتلقاهم ولد الإمام المنصور في شيعة (صنعاء) إلى المنظر، وسلم عليهم القاضي، وقام خطيباً معزياً في الإمام، وأمر بدفن الإمام، وبويع المنصور علي بن صلاح برأي فريق، وللإمام المهدي: أحمد بن يحيى برأي آخرين، ونشأ الإمام المنصور مداً في حجر الخلافة، وتحلى بحلي العبادة والعفافة، واشتهر فضله في الأقطار، واكتسى من حسن الصيت أبهى الحلل والمبار، وشغف بالصيام والقيام، واكتحل السهر في حنادس الظلام، وعمرت بحسن سيرته أمصار الهدى وبواديها، وأمنت بهيبته السبل ونواحيها،(1/218)
وأطاعه مطيع الأمة وعاصيها[44ب]، قال الإمام عز الدين [بن الحسن] عليه السلام في (العناية التامة): (كان له من محاسن الصفات ومحامد السمات ما لا خفاء به).(1/219)
[(57) الإمام أحمد بن يحيى (المهدي)]
( 775 - 840 هـ / 1373 - 1437 م)
وأما الإمام الأعظم الشهير: أحمد بن يحيى بن المرتضى بن المفضل الكبير بن الحجاج؛ فهو الإمام الذي شهرته مغنية عن ذكره، وفضائله وعلمه وعلو شأنه وقدره مما لا يحتاج إلى بيانه وسطره، وناهيك بإمام اعتمد أرباب العقد والحل على تأليفاته في جميع العلوم، وطلعت كواكبها المنيرة في سماء زينت بالنجوم.
ومن كلامه عليه السلام في الحكمة: (لن تجتمع التقوى والحكمة إلا لشخص ليس فوق همته همة).(1/220)
[وصيته (ع)]
ونذكر من كلامه عليه السلام ما هو مقصود كتابنا هذا، قال رضوان الله عليه في وصيته: (ويقول هذا العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير المهدي لدين الله: أحمد بن يحيى بن رسول الله، أنه أوصى إلى عترته وأسرته، ويوصي بها كل مكلف مربوب، كما أوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ?يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ?[البقرة:132] حتى قال: وأوصي كل من آتاه الله الحكمة بما أوصى به في محكم كتابه حيث قال: ?وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ?[آل عمران:187] ?وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ?[البقرة:281] ولعمري أنه لا تقوى نافعة إلا مع بصيرة واقعة، فالورع من غير علم كخبط في دجنة ظلماء، والعلم من غير ورع كسراج في يد أعمى، وكفى بقوله تعالى تنبيهاً على حاجة التقوى إلى العلم: ?إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ?[الأعراف:201] ولا سبيل إلى العمل بهذه الآية إلا لعالم عامل، يرجع إلى الانتعاش عند عثرته بهدى بصيرته، إلى أن قال: وآمر من مكارم الأخلاق بما أمر به الملك الخلاق حيث قال: ?وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا?[النساء:36] وبما حكاه الله عمن آتاه الله الحكمة حيث قال: ?يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ [45أ]وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور?[لقمان:17]، ?وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ?[لقمان:19]، ?وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا?[لقمان:18]، ?وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ(1/221)