[(34) الإمام القاسم العياني (المنصور بالله)]
( 310 - 393 هـ / 897 - 980 م)
وأما الإمام المنصور بالله: القاسم بن علي العياني عليه السلام فهو إمام عظيم العلم والزهد والورع، مجمع على فضله وورعه كما تشهد به سيرته التي جمعت أخباره وآثاره ومقاصده، وله دعوة إلى أهل (طبرستان) جمع فيها من الحكم والمواعظ ما يدل على فضله وعلمه وورعه وزهده، وكان كثير الدعابة لأهل العلم، كثير اللين، مقرباً للمساكين، يتفقد أحوال ضعفاء المسلمين، ويؤثر على نفسه فقراء المؤمنين، مزهداً في الدنيا، مرغباً في الأخرى، لا يجد الظلم في أيامه إلى أحد من الرعية سبيلاً[39أ].(1/192)
[(35) الإمام الحسين بن القاسم العياني]
( 356 - 404 هـ / 943 - 991 م)
وأما ولده الإمام المهدي لدين الله: الحسين بن القاسم عليه السلام.
فمشهور بالعلم والعبادة، معروف بالفضل والزهادة، وله التصانيف الدالة على فضله، والمقامات الشاهدة بورعه وعدله.(1/193)
[(36) الإمام أحمد بن الحسين (المؤيد بالله)]
( 333 - 411 هـ / 920 - 998 م)
وأما الإمام الشهير الكبير المؤيد بالله: أحمد بن الحسين بن هارون عليه السلام، فَعَلَمٌ في العلم، والزهد والورع، والفضل والعدل، بحيث لا يخفى على أحد من الناس، بات عليه السلام ليلة ومعه رجل من الصالحين، فبات ذلك الرجل يعبد الله والمؤيد بالله بالقرب منه، فلما طلع الفجر قام المؤيد بالله [عليه السلام] للصلاة.
فقال الرجل: أيها السيد أتُصَلي بغير وضوء؟
فقال له: لم أنم في هذه الليلة شيئاً وقد استنبطت سبعين مسألة، يقول في دعوته العامة: (صحبت النساك حتى نسبت إليهم، وخالطت الزهاد حتى عرفت فيهم). ومن نظر في كتابه (سياسة المريدين) عرف صحة قوله في هذا المعنى، فلقد أورد من علم الطريقة والحقيقة ما ينظمه في سلك أمير المؤمنين وسبطيه، والهادين من ذريتهم صلوات الله عليهم وبهذا الإمام العظيم يعرف فضل العترة النبوية؛ لأنه واسطة قلادتهم، ودرة تقصار سادتهم، وعلى علمه مدار خلق كثير من العلماء، وكان عليه السلام يجالس الفقراء، ويكاثر الفقهاء، ويلبس الثياب القصيرة إلى نصف الساق قصيرة الكمين، يرفع قميصه بيده، ويشتمل بإزاره.(1/194)
-وكان يقول لعماله: (لا تأخذوا من أهل الدين والصلاح من الأعشار إلا ما أعطوه على اختيار، فإنهم لا يخلون بالواجب ويكفوننا المهم فيه)، وكان لا يتعرض للزكاة الباطنة، ويمسك مفاتيح بيت المال بيده ويحفظه بنفسه، ولا يثق فيه بأحد، ويفرق على الجند بيده، وكان يضع من خالص ماله في بيت المال ما يكون عوضاً عما يتركه الكتاب في أوائل الكتب وبين الصدور من الكاغد في مكاتبه الكبرى، وغرم ما التقطته الدجاج من أرز حمل إليه لمصالح المسلمين، وقيل: صرف الدجاج إلى بيت المال عوضاً عن ذلك، وطلب في بعض أسفاره ممطراً له، فقال له الغلام: هو على بغل لبيت المال، فأنكر عليه وقال: (متى عهدتني أحمل ملبوسي على دواب بيت المال) ثم أمر بإخراج الممطر وتوفير كراه على بيت المال من ماله.
وأفتى في (الري) ببقرة أنها لرجل، فلما [39ب] تبين له الخطأ في فتواه اجتهد حتى ظفر بالذي أفتى عليه فغرم له قيمتها، وكان له صديق يتحفه كل سنة من الرمان بعدد معلوم فزاد في بعض السنين فيه، فسأله فقال: زاد الله في زماننا فزدنا في رسمك، ولما أراد الخروج شكى إليه من خصم له، فرد رمانه عليه، وأمر بإزالة سكانته ودفع الأذى عنه. وشكى إليه ابنه الأمير أبو القاسم ضيق ذات يده وقلة ما يصير إليه من بيت المال وسأله الكفاية من بيت المال أو يأذن له الانصراف، فأذن له في الانصراف ولم يزد له شيئاً.
فقال له أصحابه: إن أبا القاسم فارس بطل لا يستغنى عنه، فلو أطلق له ما يكفيه.
فقال: إن الله سبحانه أمر بالتسوية بين الأولاد، ولا يمكن الزيادة على ذلك. واضطر وهو (بهوسم) إلى مائتي دينار، وعلم أنها إن لم تحصل أُحوِجَ إلى الجلاء عنها؛ فطلبها قرضاً من بعض الموسرين، فلم يفعل فأجلي عن (هوسم) ولم يكرهه احتياطاً مع تسويغ الشرع له.(1/195)
وجاء (قرية سلطان) بـ(الديلم) وظفر أصحاب المؤيد بمصرته، فوجدوا فيه ثلاثين ألف مثقال ذهباً، فبات يفكر فيها ليلته ويقول: إن لهذا السلطان زرائع ومراكب في البحر وما يؤمني أن يكون هذا من حلال، وأمر برده، ولم يستجز أخذه تورعاً واحتياطاً.
ودخل ليجدد الطهارة فوجد رجلاً يرعد، فقال: ما دهاك؟
قال: بعثت لقتلك ووعدت عليه بقرة.
فقال: مالنا بقرة، وأدخل يده جيبه فناوله خمسة دنانير وقال: (اشتر بقرة ولا تعد إلي مثلها).
وأتاه رجل فأظهر الرغبة في خدمته، ثم أخبر -عليه السلام- أنه يريد قتله، فباحثه فأقر وأنه وعد عليه مائة دينار، فكظم غيظه وأمر به إلى السجن، ثم جاء العيد فعرض المسجونين فوجدهم محبوسين بحقوق الناس إلا ذلك الرجل فبحقه، فكساه وأطلقه فمات بعد خمسين يوماً، فحمد الله حيث لم يقدم على قتله. إلى غير ذلك من فضله، وورعه وزهده، وإيثاره للآخرة، واحتياطه في الدين فصلوات الله عليه وعلى آبائه الهادين.(1/196)