[(13) الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد (الخالص)(ع)]
( 232 - 260 هـ / 846 - 837 م)
ومن شمائل ابنه أبي محمد الإمام الحسن [بن علي بن محمد بن علي] الخالص عليه السلام.
ما أخبر به أبو الهاشم بن عدي قال: لما أمر المعتز بحمله إلى (الكوفة) كتبت إليه: ما هذا الخبر الذي بلغنا وغمنا؟
فقال: بعد ذلك يأتيكم الفرج إن شاء الله؛ فقتل المعتز في اليوم الثالث.
وروى أبو هاشم عنه: (أن في الجنة باباً يقال له: المعروف لا يدخل منه إلا أهل المعروف).
قال أبو هاشم: فحمدت الله في نفسي وفرحت بما أتكلف من حوائج الناس.
فقال: يا أبا هاشم، دم على ما أنت عليه فإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وقال: (بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها).
وعن محمد بن حمزة الدوري قال: كتبت إلى أبي محمد وأنا مملق أن تدعو الله لي بالغنى، فأجاب أبشر فقد أتاك الغنى من الله؛ مات ابن عمك يحيى بن عمرة وترك مائة ألف درهم ولم يترك وارثاً سواك وهي واردة عليك، فاشكر الله وعليك بالاقتصاد وإياك والإسراف، فورد عليّ المال والخبر بموت ابن عمي، كما قال عن أيام قلائل وزال عني الفقر وأديت حق الله وزرت إخواني.
وحدث أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري قال: كنت بالحبس الذي في الجوسق أنا والحسن بن محمد العتيقي، ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان، -خمسة من الشيعة إذ دخل علينا أبو محمد الحسن بن علي الخالص [عليه السلام] وأخوه جعفر فحففنا بأبي محمد، وكان المتولي لحبسه: صالح بن وصيف الحاجب وكان معنا في الحبس رجل جمحي، فالتفت أبو محمد وقال لنا سراً: (لولا هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متى يفرج عنكم وقد كتب عنكم قصة يريد إيصالها إلى الخليفة بما تقولون فيه وهي في ثيابه). فأخذناها من ثيابه وهو يذكرنا فيها بكل سوء، وحذرناه، وكان أبو محمد يصوم في السجن ويفطر معه من طعامه، وكان يحمله غلامه في جونة مختومة.(1/152)


قال أبو هاشم: فضعفت عن الصوم فجاء غلامي بكعك فذهبت إلى مكانٍ خالٍ في الحبس، فأكلت وشربت ثم عدت إلى مجلسي مع الجماعة ولم يشعر بي أحد فلما رآني تبسم وقال: أفطرت؟ فخجلت.
فقال: لا عليك يا أبا هاشم، إذا رأيت أنك قد ضعفت وأردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه.
وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثاً [28ب] فإن البنية إذا أنهكها الصوم لا تتقوى إلا بعد ثلاث، ثم لم تطل مدة أبي محمد في الحبس إلى أن قحط الناس بـ(سر من رأى) فخرج المعتمد للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا، فخرج الجاثليق في الرابع إلى الصحراء وخرج معه النصارى والرهبان وكان فيهم راهب كلما مد يده ورفعها إلى السماء هطلت بالمطر ثم خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كذلك فهطلت بالمطر وسقوا، فعجب الناس وشك بعضهم وصبأ البعض إلى النصرانية فشق على المعتمد فأنفذ إلى صالح بن وصيف، أن أخرج أبا محمد الحسن من الحبس وأتني به، فلما أتاه به قال له: أدرك أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيما لحق بعضهم من هذه النازلة قبل أن يهلكوا.
فقال أبو محمد: دعهم يخرجون غداً اليوم الثالث.
فقال: قد استعفى الناس من المطر فما فائدة خروجهم؟
قال: لأزيل الشك عن الناس، فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا فخرجوا وخرج أبو محمد ومعه خلق من المسلمين فوقف النصارى يستسقون وخرج ذلك الراهب ورفع يديه إلى السماء ورفعوا أيديهم فغيمت السماء في الوقت ونزل المطر، فأمر أبو محمد بالقبض على يد الراهب وأخذ ما فيها، وإذا بين أصابعه عظم آدمي، فأخذه أبو محمد ولفه في خرقة وقال: استسق فانقشع الغيم وانكشفت السحاب وطلعت الشمس فعجب الناس وقال الخليفة: ما هذا يا أبا محمد؟(1/153)


فقال: هذا عظم نبي من أنبياء الله ظفر به هؤلاء من بعض قبور الأنبياء وما كشف عن عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر فاستحسنوا ذلك وامتحنوه فوجدوه كما قال، فرجع أبو محمد إلى داره بـ(سر من رأى) وقد أزال عن الناس هذه الشبهة وقد سر المسلمون بذلك، ثم أخرج الخليفة من كان معه في السجن ولم يزل مكرماً معظماً حتى قضى نحبه عليه السلام.
انتهى المقصود مما ذكرناه في شمائل هؤلاء الأئمة من أولاد الحسين السبط عليهم السلام وعلمهم وورعهم وزهدهم في الدنيا وعدم وقوعهم فيما لا يقع فيه أحد من أئمة العترة الهادين من أولاد البطنين منذ أبيهم الوصي صلوات الله عليه إلى زماننا هذا من الأمور التي لا ينبغي نسبة شيء منها إلى أحد منهم، فإنهم أعظم الناس ورعاً وزهداً في الدنيا، واحتراماً لأموال المسلمين ودمائهم وأعراضهم، وهؤلاء الأئمة معدودون عندنا في جملة الأئمة الهادين الآتي ذكرهم إن شاء الله، ولسنا نقول بعصمة كل فرد [29أ] منهم كما تقوله (الإمامية) فيهم، وأبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني عليه السلام في سائر الأئمة، بل العصمة ثابتة لجماعتهم كما حققنا أدلته في الأصول ولا نقول أيضاً: إنه يشترط في الإمام أن يولد عالماً كما تقوله (الإمامية) أيضاً لعدم ثبوت ذلك للأنبياء صلوات الله عليهم فكيف بغيرهم قال تعالى: ?مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ?[الشورى:52]، ولا نقول بشيء مما اختص (الإمامية) بمقالته من قصر الإمامة على هؤلاء الأئمة الاثنى عشر، بل من جمع شروطها الخلقية والاكتسابية من أولاد البطنين وقام ودعا قائماً بأعباء الخلافة على الشرط المعتبر في الأئمة، فهو إمام حق وقائم صدق يجب القيام بدعوته والإهراع إليها ونصرته في الدين وإعانته على القيام بأمر الله وحفظ الأمة ودرءِ المفاسد عنها وإمضاء أحكام الشريعة المطهرة فيها والله الموفق.(1/154)


[(14) الإمام المهدي المنتظر عليه السلام]
وأما المهدي المنتظر عليه السلام
فالإمامية تقول: (إنه أبو القاسم محمد الحجة بن أبي محمد الخالص وأنه مات أبوه وله خمس سنين وأن له غيبتين أحدهما أطول من الأخرى.
فالأولى: منذ ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته.
والثانية: وهي الطولى بعدها في آخرها يقوم بالسيف وأنه ولد بـ(سر من رأى) في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين إلى آخر ما يذكرون فيه.
والصحيح أنه سيقوم في آخر الزمان من أولاد أحد السبطين الحسن والحسين، وصحح القرطبي أنه من أولاد الحسن [عليه السلام]، وفي المهدي أحاديث بالغة حد التواتر منها ما ذكره الأمير الحسين بن بدر الدين في (ينابيع النصيحة): ((يخرج المهدي في أمتي، يبعثه الله غياثاً تنعم الأمة، وتعيش الماشية، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً؛ فقال رجل: وما صحاحاً؟ قال: التسوية بين الناس)).
وفي حديث أخرجه أئمتنا عليهم السلام : ((يظهر في آخر الزمان رجل من اليمن يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً))، وهذا الحديث لا يدل على أنه المهدي بخصوصه، وقد اعتنى جمع كثير من علماء الأمة المحمدية بالتأليف في أخبار المنتظر كمحمد بن إبراهيم النعماني، والحافظ أبي نعيم فإنه خرج فيه أربعين حديثاً، والشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه [29ب] (البيان في أخبار صاحب الزمان)، وفيه بإسناده: ((ولا تذهب الدنيا حتى يملك الغرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)).
وحديث: ((لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً)) عند أئمتنا وأبي داود في مسنده،
وحديث: ((المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)) عند أبي داود والترمذي من حديث أبي سعيد. زاد أبو داود: ((يملك سبع سنين)) وقال: هذا حديث ثابت حسن صحيح.(1/155)


وأخرج الديلمي في (مسند الفردوس) من حديث حذيفة مرفوعاً بلفظ: ((المهدي من ولدي، وجهه كالقمر الدري واللون منه لون عربي والجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماوات وأهل والأرض والطير في الجو، يملك عشر سنين)).
وحديث: ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة)). أخرجه أبو داود.
وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم)).
وأخرج الدار قطني عن أبي هارون العبدي قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت هل شهدت بدراً؟
فقال: نعم.
قلت: ألا تحدثني ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي وفضله.
فقال: بلى أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرض مرضةً نقه منها، فدخلت عليه فاطمة وأنا عن يمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبدت دموعها على خدها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((ما يبكيك يا فاطمة؟ إن الله اطلع على الأرض اطلاعه على خلقه فاختار منهم أباك فبعثه نبياً، ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إلي أن أنكحه فاطمة فأنكحته إياك واتخذته وصياً؛ أما علمت أنك بكرامة الله إياك زوجك أغزرهم علماً وأكثرهم حلماً وأقومهم سلماً فاستبشرت فقال لها: يا فاطمة ولعلي ثمانية أضراس -أي مناقب- إيمان بالله تعالى ورسوله، وحكمته وزوجته وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. يا فاطمة: إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا نبينا خير الأنبياء ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك ومنا مهدي الأمة الذي يصلي خلفه عيسى -ثم ضرب على منكب الحسين [عليه السلام] وقال: ((من هذا مهدي هذه الأمة)) إلى غير ذلك من الأخبار.(1/156)

31 / 95
ع
En
A+
A-