[خطبته بعد مبايعته]
ولما بايع الناس له بالخلافة بإلزام المأمون قام الرضا [عليه السلام] وخطب فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال[24أ]: (أيها الناس، إن لنا عليكم حقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكم علينا حق به، فإذا أديتم لنا ذلك الحق وجب لكم علينا الحق ، والسلام).(1/137)


[البيعة للرضا بولاية العهد]
وخطب للرضا [عليه السلام] بولاية العهد في كل بلد وخطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة فقال في الدعاء للرضا [عليه السلام]: ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام ستة آبائهم ما هم أفضل من يشرب صوب الغمام.
ولما جلس والألوية تخفق عليه سر بعض خواصه فأدناه الرضا وأسر في أذنه: أن لا تشغل قلبك بشيء من هذا الأمر فإنه لا يتم.(1/138)


[عهد المأمون للإمام علي الرضا]
ومن كتاب العهد الذي كتبه المأمون بخطه مختصراَ منه لطوله.
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد لعلي بن موسى بن جعفر. أما بعد..
فإن الله عز وجل اصطفى الإسلام ديناً واختار من عباده رسلاً دالين عليه وهادين إليه يبشر أولهم بآخرهم ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت نبوة الله إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم على فترة من الرسل ودروس من العلم وانقطاع من الوحي واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين وجعله شاهداً ومبشراً عليهم ومهيمناً، وأنزل عليه الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد صلوات الله عليه الرسالة جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين في الخلافة ونظامها، والقيام بشرائعها وأحكامها، ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة، وحمل مشاقها واختبر مرارة طعمها وذاقها مسهراً لعينيه منضباً لبدنه، مطيلاً لفكره فيما فيه عز الدين وقمع المشركين ونشر العدل وإقامة الكتاب والسنة ومنعه ذلك من الحفظ والدعة ومهنأ العيش محبة أن يلقى الله سبحانه مناصحاً له في دينه وعباده، ومختاراً لولاية عهده ورعاية للأمة من بعده، أفضل من تقدر عليه في دينه وعلمه وورعه، وأرجاهم في القيام في أمر الله بالاستخارة في ذلك، معملاً فكره في طلبه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب، حتى استقصى أمورهم معرفة وكانت خبرته بعد استخارة الله سبحانه وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده في الفئتين، علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما رأى من فضله البارع وعلمه الرائع وورعه الظاهر الشائع وزهده الخالص النافع وتخليه من الدنيا وتفرده عن الناس، ولذلك عقد له [24ب]بعهده والخلافة من بعده واثقاً بخيرة الله في ذلك إذ علم الله تعالى إيثاراً له في الدين ونصراً للإسلام(1/139)


والمسلمين وطالباً للسلامة وثبات الحجة والنجاة في اليوم الذي فيه يقوم الناس لرب العالمين، وكتب بخطه في يوم الإثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.(1/140)


[جواب الرضا على العهد السابق]
وكتب الإمام علي بن موسى الرضا بخطه على ظهر العهد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وصلواته على محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.
أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر: أن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاماً قطعت وأمن نفوسا فزعت فأغناها بعد فقرها وعرفها بعد نكرها مبتغيا بذلك رضاء رب العالمين لا يريد جزاءً من غيره وسيجزي الله الشاكرين، وأنه جعل إلى عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده، فمن حل عقده أمر الله بشدها أو قصم عروة أحب الله اتساقها فقد أباح جريمه وأحل محرمه إذ كان بذلك زارياً على الإمام منتهكا حرمة الإسلام، وخوفاً من شتات الدين واضطراب أمر المسلمين وقلدني خلافة العمل فيهم خاصة وأن أعمل فيهم بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أسفك دماً حراماً، ولا أبيح فرجاً ولا مالاً إلا ما سفكته حدوده وأباحته فرائضه، وجعلت بذلك على نفسي عهداً مؤكداً يسألني الله عنه فإنه عز وجل يقول: ?وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً?[الإسراء:34] وإن أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للعزل مستحقاً وللنكال متعرضاً وأعوذ بالله من سخطه وإليه أرغب في التوفيق في طاعته، والحؤول بيني وبين معصيته في عاقبة لي وللمسلمين -والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك- ?وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ?[الأحقاف:9] ?إِن الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ?[الأنعام:57] لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه، والله تعالى يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا، وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين والحاضرين من أولياء نعمته وخواص دولته.(1/141)

28 / 95
ع
En
A+
A-