قالت: ما عندي غير هذه الشويهة، وأقسم بالله إلا ما ذبحها أحدكم بينما أهيئ الحطب، فاشتووها وأقاموا حتى أبردوا، فلما ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه، فإذا رجعنا فألمي بنا نصنع إليك خيراً ثم ارتحلوا فأقبل زوجها فأخبرته فغضب وقال: تذبحين شاتنا لقوم لا تعرفينهم؛ وبعد دهر طويل أصابتهم السنة فدخلا المدينة يلتقطان البعر فمرت العجوز ومكيلها معها تلقط فيه البعر، والحسن [عليه السلام] جالس على باب داره فعرفها وقال: يا أمة الله أنا أحد ضيوفك يوم كذا؛ فقالت: بأبي أنت وأمي لست أعرفك، فأمر غلامه فأشترى لها من غنم الصدقة ألف شاة، وأعطاها ألف دينار وبعث معها غلامه إلى أخيه الحسين [عليه السلام] فأمر لها بمثل ذلك، ثم بعث بها إلى عبد الله بن جعفر فأمر لها بألفي شاة وألفي دينار، فرجعت وهي من أغنى الناس.
وأخرج الحافظ أبو نعيم في (الحلية) [18ب]بسنده: أن أمير المؤمنين علي [عليه السلام] سأل ابنه الحسن فقال: يا بني ما السداد؟
قال: دفع المنكر بالمعروف.
قال: فما الشرف؟
قال: اصطناع العشيرة والاحتمال بالجريرة.
قال: فما السماح؟
قال: البذل في العسر واليسر.
قال: فما الجبن ؟
قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.
قال: فما الغنى؟
قال: رضى النفس بما قسم الله لها وإن قل (وإنما الغنى غنى النفس).
قال: فما الحلم؟
قال: كظم الغيظ وملك النفس.
قال: فما المنعة؟
قال: شدة البأس ومنازعة أعز الناس.
قال: فما الذل؟
قال: الفزع عند (الصدمة).
قال: فما الكلفة؟
قال: كلامك فيما لا يعنيك.
قال: فما المجد؟
قال: أن تعطي في الغرم وتعفو في الجرم.
قال: فما السؤدد؟
قال: إتيان الجميل وترك القبيح.
قال: فما السفه؟
قال: اتباع الدناة وصحبة الغواة.
قال: فما الغفلة؟
قال: تركك المسجد وطاعة المفسد.(1/112)
وقال عليه السلام: هلاك الناس في ثلاث، الكبر والحرص والحسد، فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس والحرص عدو النفس وبه أخرج آدم من الجنة والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل.(1/113)
[خطبته بعد استشهاد أبيه (ع)]
وروى أهل السير أن الحسن [عليه السلام] صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين [عليه السلام] حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: (لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون لقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقيه بنفسه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوجهه برايته فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا يرجع حتى يفتح الله على يديه، ولقد توفي في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم وفيها قبض يوشع بن نون عليه السلام وما خلف صفراء ولا بيضاء سوى سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله، ثم خنقه البكاء فبكى وبكى الناس معه ثم قال: أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، أنا من أهل بيت فرض الله مودتهم في كتابه فقال عز من قائل: ?قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا?[الشورى:23] والحسنة مودتنا أهل البيت؛ ثم جلس فقام عبد الله بن عباس بين يديه فقال: (معاشر الناس، هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه) فبادر الناس إلى بيعته، وروى بعض هذه الخطبة أحمد بن حنبل في مسنده عن هبيرة.
ولما سقته جعدة بنت الأشعث السم قال: أخرجوا فرسي إلى صحن الدار لعلي أتفكر في ملكوت السماوات[19أ]، فلما خرجوا به قال: (اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي). رواه أبو نعيم في (الحلية).(1/114)
وروي أنه عليه السلام لما حضرته الوفاة جزع لذلك، فقال له أخوه الحسين [عليه السلام]: يا أخي، ما هذا الجزع إنك ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أمير المؤمنين [عليه السلام] وهما أبواك وعلى خديجة وفاطمة وهما أماك، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك، وعلى حمزة وجعفر وهما عماك؛ فقال له الحسن: يا أخي ما جزعي إلا أني أدخل في أمرٍ لم أدخل في مثله وأرى خلقاً من خلق الله لم أر مثلهم قط، فبكى الحسين [عليه السلام] عند ذلك ثم قال له الحسن: يا أخي قد حضرت وفاتي وحان فراقي لك، وإني لاحق بربي، وأجد كبدي تقطع وإني لعارف من أين دهيت وأنا أخاصمه إلى الله تعالى، فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك بشيء فإذا أنا قضيت نحبي فغمضني وغسلني وكفني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجدد به عهداً ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فادفني هناك، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم؛ ثم أوصى إليه بأهله وولده وتركته وجميع ما كان أوصى إليه أمير المؤمنين [عليه السلام] ثم قضى نحبه صلوات الله عليه.(1/115)
[(5) الإمام الحسين بن علي (ع) (أبو عبد الله)]
( 4 ق.هـ - 61 هـ / 625 - 680 م)
وأما أخوه الإمام الحسين السبط أمير المؤمنين عليه السلام فقال الشيخ كمال الدين بن طلحة: اشتهر النقل عنه عليه السلام أنه كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقير، ويسعف السائل، ويكسو العريان ويشبع الجيعان ويعطي الغارم ويشد من الضعيف ويشفق على اليتيم ويعين ذا الحاجة.(1/116)