وفيه: أطلق على الناس عقدة كل حقد، وأقطع عنهم سبب كل وقرٍ، وتغابى عن كل ما يصح لك ولا تعجلن إلى تصديق كل ساع[16ب] فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين، ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور ولا يكونن المسيء والمحسن عندك بمنزلة واحدة، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلاً منهم ما ألزم نفسه، ثم الله...الله في الطبقة السفلى من الناس الذين لا حيلة لهم، والمساكين والمحتاجين والبؤساء والزمناء، فاحفظ الله فيما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك وسهماً من غلات صوافي بلدك، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحتقره الرجال فإن هؤلاء من الرعية أحق بالإنصاف من غيرهم، وتعهد أهل اليتم منهم وأولي الرقة في السن ممن ليس له حيلة، ولا ينصب نفسه للمسألة وذلك على الولاة كله ثقيل، والحق كله ثقيل.
وفيه: ولا يطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور والاحتجاب يقطع منهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير ويعظم عندهم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل، وإنما الوالي شيء لا يعرف ما توارى عنه من الأمور.
وفيه: وإياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم تبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويهونه بل يزيله وينقله.
وفيه: إملك حمية أنفك، وسورة حدك وغرب لسانك وسطوة يدك، واحترس عن كل ذلك بكف الباذرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر معادك إلى ربك والسلام.(1/102)


[(3) بضعة رسول الله (ص) فاطمة الزهراء (ع)]
( 18ق هـ - 11 هـ / 605 - 632 م)
(فصل) في ذكر فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبركاً بذكرها(1/103)


[مولدها (ع)]
قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: ولدت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل النبوة بخمس سنين، وقريش تبني البيت، وتزوجها علي بن أبي طالب [عليه السلام] في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وبنى بها في ذي الحجة من السنة المذكورة.(1/104)


[خطبة وزواج الزهراء وخطبة رسول الله (ص) في ذلك]
ونقل الشيخ أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان [يرفعه] إلى أنس قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغشيه الوحي، فلما أفاق قال لي: ((يا أنس، أتدري ما جاءني به جبريل عليه السلام؟))
قلت: بأبي وأمي ما جاءك به جبريل؟
قال: ((قال لي: إن الله تبارك وتعالى أمرك أن تزوج فاطمة من علي)) فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وبعدتهم[17أ] من الأنصار، فدعوتهم فلما أخذوا مجالسهم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب إليه من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً وحكماً عادلاً وخيراً جامعاً وشج بها الأرحام وألزمها الأنام؛ فقال عز وجل: ?وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا?[الفرقان:54] وأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره ?لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ?[الرعد:38،39]، ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي، على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة، فجمع الله شملهما وبارك لهما وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الآمنة)).(1/105)


قال: وكان علي عليه السلام غائباً في حاجة قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها، ثم أمر لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطبق فيه تمر فوضع بين أيدينا فقال:انتبهوا؛ فبينا نحن كذلك إذ أقبل علي عليه السلام فتبسم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((يا علي، إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، وإني قد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة)) فقال علي عليه السلام: رضيت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم إن عليا خر ساجداً شكراً لله تعالى، فلما رفع رأسه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((بارك الله لكما وبارك عليكما وأسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيب)).
وروي في كتاب (معالم العترة النبوية) مرفوعاً من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد)).
وفيه قالت عائشة لفاطمة [عليها السلام]: ألا يسرك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((سيدات نساء أهل الجنة أربع: مريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون)).(1/106)

21 / 95
ع
En
A+
A-