[بين معاوية وخالد بن يعمر]
وسأل معاوية: خالد بن يعمر، قال له: عَلام أحببت علياً؟
فقال: على ثلاث خصال: على حلمه إذا غضب، وعلى صدقه إذا قال وعلى عدله إذا حكم.(1/87)
[بين معاوية وسودة الهمدانية]
ونقل عن سودة بنت عمارة الهمدانية أنها قدمت على معاوية بعد موت علي كرم الله وجهه فجعل معاوية يؤنبها على تحريضها عليه في أيام صفين، ثم قال لها: ما حاجتك؟
فقالت: إن الله مسائلك عن أمرنا وما فرض عليك من حقنا، وما فوض إليك من أمرنا لايزال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمكانك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس الحرمل يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف هذا بِسْر بن أرطأة قدم علينا فقتل رجالنا وأخذ أموالنا ولولا الطاعة لكان فينا عِزٌ ومنعة، فإن عزلته شكرناك وإلا فإلى الله قد شكوناك، فقال معاوية: إياي تعنين، ولي تهددين؟ لقد هممت يا سودة أن أحملك على قتب أشوس فأردك فينفذ حكمه فيك، فأطرقت ثم أنشأت تقول:
قبر فأصبح فينا العدل مدفوناً
فصار بالحق والإيمان مقرونا
صلى الإله على جسم تضمنه
قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً
فقال معاوية: من هذا يا سودة؟
فقالت: هذا والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، لقد جئته في رجل كان ولاه صدقاتنا، فجار علينا، فصادفته قائماً يريد الصلاة، فلما رآني انفتل ثم أقبل عليّ بوجهٍ طلقٍ، ورحمةٍ ورفقٍ وقال: ألك حاجة؟ فقلت: نعم وأخبرته بالأمر، فبكى ثم قال: اللهم أنت الشاهد لم آمرهم بظلم خلقك، ولا [13أ]بترك حقك، ثم أخرج من جيبه قطعة جلد فكتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم ?قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ?[الأعراف:85] إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام)، ثم دفع إليّ الرقعة، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولاً.
فقال معاوية: اكتبوا لها بما تريد، واصرفوها إلى بلدها غير شاكية.(1/88)
فانظر إلى شهادة معاوية في خبر ضرار بفضيلة علي [عليه السلام] وإلى عمله بخلاف شهادته هذه، حباً للدنيا وتأثيراً لها على الآخرة.(1/89)
[جواب سؤال ورد إلى المؤلف]
[أولاً: السؤال]
وفي خلال وصولي إلى هذا المحل ورد إلي سؤال من بعض فضلاء السادة النعميين من دهناء تهامة لفظه: (أعز الله الإسلام ونفى عنه الجور والآثام بعناية سيدنا العلامة الإمام: الحسين بن الناصر نصر الله به الدين، وقطع بسيف عزمه حجج المبطلين، والسلام عليه ورحمة الله ما تعاقب النداء بالفلاح، وخفق في الجو ذوات الجناح وبعد:
فصدرت للتحية وللسؤال عن أحوالكم وقد صدئ القلب من بعدكم وألمه لا يزال، نسأل الله العافية، ولتعريفكم أنا وقفنا على كتاب لابن حجر يذكر أن المبتدعة يسبون الشيخين فضلاً عن معاوية، وكلامه صدر إليكم، ومرادنا الجواب الشافي على الأحاديث التي رووها في فضله من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((اللهم اجعله هادياً مهدياً)) ونحوه، وأنه لا ذم يلحقه في تلك الحروب لمكان الاجتهاد؛ ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له فقال: ((اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب)).
وما رواه لنفسه من حديث ((إذا وليت فأحسن)).
وما قاله كعب: من أنه ((لن يملك أحد من هذه الأمة ما ملك معاوية))، وفي إخباره بذلك قبل استخلافه دليل على أن خلافته منصوص عليها في بعض كتب الله.
وأما ما نسخه بعض المبتدعة من سبه فله أسوة بالشيخين فلا يلتفت إليه؛ لأنه لم يصدر إلا من قوم حمقى لا يبالي الله بهم في أي واد هلكوا إلى آخر ما قال، وما يقولون في نقض الحكم بلا سبب! هل يكون من الجور وينعزل به الحاكم! وهل يشترط في المتولي التمييز بين الحلال والحرام؟ وتحرم عليهم الهدية وتكون من الغلول؟ وكيف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى (أبا ذر) عن الولاية مع فضله؟ وأهل الزمان يتهافتون فيها تهافت الفراش: ((ومن ولى رجلاً وهو يعلم أن غيره أفضل منه فقد خان الله)) هذا حديث صحيح.(1/90)
وما يقول الإمام العلامة فيمن أنكر مذهب العترة ! هل يكون كافراً أو فاسقاً ؟ لثبوت إمامتهم في كتاب الله تعالى[13ب] فالنافيٍ لها نافٍ للكتاب والسنة، ولولا الشغل بالعيال وعدم المشي على الأقدام والحمول لأتيناكم ولو حبواً، ولعلي مؤمل بعض ما أبلغ باللطف من عزيز حميد. انتهى المقصود من سؤاله.(1/91)