وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في وصيته لمن بعثه للجهاد: ((ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً)).
وفي السيرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أسر سهيل بن عمرو قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، انزع ثنيته حتى يدلع لسانه حتى لا يقوم عليك خطيباً، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً)).
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لعن الله من اتخذ شيئاً فيه الروح عَرَضًا)) رواه البخاري ومسلم.
وعن الشريد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب، إن فلانا قتلني عبثاً، ولم يقتلني منفعة)) رواه النسائي وابن حبان.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشائش الأرض)) عند أئمتنا والبخاري وغيرهم.
وعن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحمار قد وسم في وجهه فقال: ((لعن الله الذي وسمه)). رواه مسلم.
وعن جنادة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإبل قد وسمتها في أنفها، فقال رسول الله: ((يا جنادة، فما وجدت عضواً تسمه إلا في الوجه)) وفي الباب غير ذلك.
قال العلامة ابن بهران رحمه الله: وإذا كانت هذه الأحاديث ونحوها تتضمن الزجر عن التعذيب والمثلة حتى في حق المشركين، وحق غير المكلفين؛ فما الظن بتعذيب المسلمين والمثلة بهم، مع تظاهر أدلة العقل والشرع على وجوب احترامهم.
وأما حديث العرنيين ونحوه، وقول بعض الأئمة: إنه كان متأخراً عن تحريم المثلة، وأن للإمام أن يفعل مثل ذلك إذا رآه صلاحاً، فما لا ينبغي أن يلتفت إليه، بل الصحيح أن جواز ذلك منسوخ، وقد صرح بنسخة الأئمة المحققون من أهل النقل.(1/67)


وفي الصحيحين عقب حديث العرنيين قال قتادة: حدثني ابن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود.
وعن أبي الزناد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك وأنزل: ?إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ…?الآية[المائدة:33] عند أبي داود والنسائي.
فهذه الروايات صحيحة في النسخ، فكلام أصحابنا في جواز التحريق ونحوه. إما مبني على عدم النسخ، أو على أنه لا يمكن استئصال شأفة الكفار إلا به. والله أعلم.(1/68)


[أحاديث في الرحمة والرفق وغيرها]
ويتصل بذلك ما ورد في الرحمة والرفق، والحلم، وكظم الغيض، والزجر عن الكبر والعجب.(1/69)


[أولاً: الرحمة]
أخرج البيهقي عن أبي أمامة مرفوعاً: ((أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بجماعة[9أ] المسلمين أن يعظم كبيرهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر عالمهم، وأن لا يضر بهم فيذلهم، ولا يوحشهم فيكفرهم، وأن لا يغلق بابه دونهم فيأكل ضعيفهم قويهم)).
وأخرج أئمتنا والشيخان والترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله))، وزاد أحمد ((ومن لا يغفر لا يغفر له)).
وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا تنزع الرحمة إلا من شقي)).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((لن تؤمنوا حتى تراحموا)).
قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم.
قال: ((إنه ليس برحمة أحدكم ولكنها رحمة العامة)) رواه الطبراني.
وروى الترمذي وأحمد وابن حبان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف ويَنْهَ عن المنكر))
وأخرج أحمد عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم)).(1/70)


[ثانياً: الرفق]
وأخرج أبو داود عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)).
وعن عبد الله بن معقل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف)). أخرجه أبو داود.
وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير)). أخرجه الترمذي.
وفي رواية لمسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: ((يا عائشة، ارفقي فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)).
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((الصدق والتؤدة وحسن الصمت جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة)). أخرجه [صاحب] الموطأ.
وأخرج خيثمة الأطرابلسي في (جزأيه) عن أبي سعيد مرفوعاً: ((أيما راع لم يرحم رعيته حرم الله عليه الجنة)).
وأخرج الخطيب عن عبد الرحمن بن سمرة: ((أيما راع استرعى رعية فلم يحطها بالأمانة والنصيحة ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء)).
وأخرج الطبراني في الكبير عن معقل بن يسار: ((أيما وال ولي شيئاً من أمر أمتي فلم ينصح ويجتهد لهم، كنصيحته وجهده لنفسه، كبه الله على وجهه يوم القيامة في النار)).
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة: ((أيما وال ولي فلان ورفق، رفق الله تعالى به يوم القيامة)).(1/71)

14 / 95
ع
En
A+
A-