وفي آخر: ((ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما ترك عند موته ديناراً ولا درهما، ولا عبداً ولا أمة، ولا شيئاً إلا بغلته التي كان يركبها وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة لابن السبيل)) مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي خزائن الأرض ومفاتيح الكنوز، وأحلت له الغنائم ولم تحل لنبي قبله، وفتح عليه في حياته بلاد (الحجاز) و(اليمن) وجميع (جزيرة العرب) وما داناها من (الشام) و(العراق) وجُلِبَ إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يجبى للملوك إلا بعضه، وهاداه جماعة من ملوك الأقاليم فما أستأثر بشيء من ذلك ولا أمسك منه درهماً، بل صرفه في مصارفه وأغنى به غيره وقوى به أمر المسلمين.(1/52)


وهاهنا فصول:
الأول في شيءٍ مما ورد في تحريم دماء المسلمين وأموالهم
وأنفع الأحاديث في ذلك حديث حجة الوداع المشهور عن أبي بكرة نفيع بن الحرث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذوالحجة ومحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. أي شهر هذا؟!
قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت... حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
فقال: أليس ذا الحجة؟
قلنا: بلى.
قال: أي بلد هذا ؟
قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت… حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال : أليس البلد الحرام!
قلنا: بلى.
قال: أي يوم هذا؟
قلنا : الله ورسوله أعلم. فسكت… حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
فقال: أليس يوم النحر؟
قلنا: بلى.
قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم[5أ] ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه، ألا هل بلغت ألا هل بلغت- ثلاثاً.
قلنا: نعم.
قال: اللهم اشهد)) عند أئمتنا والشيخين وأبي داود.
وعند أئمتنا والشيخين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه)).
وعند أئمتنا ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)).
وأخرج النسائي عن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((قتل المؤمن أعظم على الله من زوال الدنيا)).(1/53)


وعند ابن ماجة وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يقفَنَّ أحدكم موقفاً يُقتَل فيه رجل ظلماً فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفع عنه، ولا يقفنَّ أحدكم موقفاً يُضْرَب فيه رجل ظلماً فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه))
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة)).
وعند أئمتنا والطبراني مرفوعاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((من نظر إلى مسلم بعين يخيفه بها بغير حق أخافه الله يوم القيامة)).
وأخرج البزار عن عامر بن ربيعة أن رجلاً أخذ نعل رجل، فغيبها وهو يمزح، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم)).
وأخرج ابن حبان عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه)). قال ذلك لشدة ما حرم الله من مال المسلم على المسلم.
وعند الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي إمام ظلوم غشوم، وكل غال مارق)).
وعند الطبراني من حديث أمير المؤمنين [عليه السلام] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((يقول الله عز وجل: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري)).
وأخرج أبو الشيخ من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((قال الله: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم يفعل)).
وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أعان ظالماً بباطل ليدحض به حقاً فقد برئ من ذمة الله تعالى وذمة رسوله)).(1/54)


وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام)). عند الطبراني وغيره.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه)).
وعند الترمذي من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [5-ب] بعث معاذاً إلى (اليمن) فقال: ((اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
وأخرج أيضاً من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)).
وأخرج أبو يعلى في مسنده وأحمد والضياء عن أنس مرفوعاً: ((اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة)).
وأخرج الخطيب عن أمير المؤمنين مرفوعاً: ((اتقوا دعوة المظلوم فإنها تسأل الله حقه، وإن الله لا يمنع ذا حق حقه)).(1/55)


(الثاني من فصول الباب)
[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ترغيباً وترهيباً)]
أخرج أئمتنا ومسلم من حديث بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعده خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل))، وحواري الرجل خاصته وناصره، والخلوف جمع خلف - بسكون اللام - وهم الذين يأتون بعد من مضى، ويكونون شراً منهم.
وعنه: ((لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود -الآية- ثم جلس وكان متكئاً وقال: لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً)). ومعناه تعطفوهم وتردوهم. عند أئمتنا وأبي داود والترمذي.
وعندهم أيضاً من حديث قيس بن أبي حازم قال أبو بكر -بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ?[المائدة:105]، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب)).
وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا فلم يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)).
وعند أئمتنا والترمذي من حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)).(1/56)

11 / 95
ع
En
A+
A-