جرت سنة المؤلفين من أول تأليف في الإسلام على الصحيح وهو مجموع إمام الأئمة الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام على افتتاح كتب الحديث والفقه به، لأن الصلاة أعظم أركان الإسلام ومفتاحها وأحد شروطها الطهارة فحسن الابتداء بها، ولابأس بإشارة إلى بعض المعاني وإن كان الغرض هو جمع الصحاح فلا بأس بالشرح والإيضاح، فالكتاب إما مصدر كَتَبَ كالكتب والكتبه أو اسم مصدر ويشهد له جمعه على كُتُبٍ وهو من خواص الأسماء، ومادة كتب تدل على الجمع والضم استعمل فيما يجمع مسائل خاصة وهو حقيقة في الحروف المكتوبة مجاز في المعاني.
والطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار والأنجاس الحسية، مجاز في التنزه عن العيوب والذنوب. وفي عرف الفقهاء: إما مصدر طهر اللازم المخفف فهي الوصف القائم بالفاعل وهو الذات المتجردة عن الحدث والنجس أو أحدهما، وحقيقتها: صفة حكمية تثبت لموصوفها جواز الصلاة به أو فيه أو له، والضمائر للموصوف باعتباره ثوباً أو مكاناً أو بدناً، وإما مصدر طهَّر المتعدي المضعَّف فهي الوصف القائم بالمفعول، وحقيقتها على هذا ما قاله الإمام المهدي عليه السلام في البحر: عبارة عن غسل ومسح أو أحدهما أو مافي حكمهما بصفة مشروعة، والذي في حكمهما سائر المطهرات كالإسلام والاستحالة والنضوب. قال الإمام عز الدين بن الحسن عليهما السلام في شرح البحر: قيل: هو أصح الحدود الشرعية وفي حاشية الهداية لابن الوزير: والمطهرات على خلاف في البعض أربعة عشر يجمعها قوله:
ماء وترب وإسلام حجارتهم مسح منزح جفاف بعده الريق
ثم النضوب والاستيلا استحالتهم كذا مكاثرة جمع وتفريق
وفي البحر خلاف في أن الشمس والريح تطهر الأرض. أهـ
فصل في النية(1/406)


لما كانت أصلاً في جميع الأعمال، بل لاوجود للشرعية على المختار كما هو قول الإمام أبي طالب عليه السلام على ماحققه في شرح الغاية ولاصحة لغيرها إلا بها كما يفيده الحصر في الأخبار إلا ماخصه الدليل كإزالة النجاسة المخصوصة بالإجماع كما ذكره الإمام المؤيد بالله عليه السلام حسن تقديمها كما فعل ذلك بعض المؤلفين كالإمام القاسم بن محمد عليهما السلام في الاعتصام.
حقيقتها لغة: القصد. وقد اختلف أهي في الشرع مجرد هذا القصد فلا يشترط إلا وقوع المقصود على سبيل الاختيار، أم هي زيادة على ذلك بإعمال الفكر كما أشار إليه في المصباح بقوله: نويته أنويه: قصدته، والاسم النية، والتخفيف لغة، ثم خصت النية في غالب الاستعمال: بعزم القلب على أمر من الأمور .. الخ، وهذا أمر زائد على المعنى اللغوي كما قال: وعزم عزيمةً، جد واجتهد في أمره، فتكون أخص من القصد المجرد، وقد استوفى البحث في شرح المجموع وللناظر نظره.
الأدلة عليها كثيرة كتاباً وسنة قال عز وجل: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) دلت على قصر الأمر على العبادة حال الإخلاص، وقد تقرر أن لفظ الأمر حقيقة في الصيغة التي هي: إفعل أو نحوه، وهي حقيقة في الإيجاب ولا يكون إخلاص إلا بالنية ضرورة.
وأروي بالسند الصحيح المذكور في لوامع الأنوار وأينما قلت: بالسند، فالمراد السند الصحيح المتقدم في الكتاب هنا إلى الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش عليهما السلام كتابه البساط، قال فيه: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا عبد اللّه بن داهر، عن عمر بن جُميع، عن جعفر بن محمد.
وأروي بالسند الصحيح المتقدم إلى الإمام المؤيد بالله عليه السلام كتابه شرح التجريد، قال فيه: أخبرني أبي، قال: أخبرنا عبدالله بن أحمد بن سلام، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا أبو العباس الحسني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الجريري. قال: حدثنا جعفر بن محمد.(1/407)


وأروي بالسند الصحيح إلى الإمام أبي طالب كتابه الأمالي قال فيه: حدثنا محمد بن منصور بسنده السابق إلى جعفر بن محمد عليهما السلام في جميعها عن أبيه عن جده، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( لاقول إلا بعمل، ولاقول ولاعمل إلا بنية، ولاقول ولاعمل ولانية إلا بإصابة السنة )) وبالسند الصحيح إلى السيد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب قال: حدثني سيدي ووالدي أبو الحسن علي بن أبي طالب في سنة ست وستين وأربعمائة، قال: حدثني سيدي ووالدي أبو طالب الحسن بن عبيدالله الحسيني سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثني سيدي ووالدي عبيدالله، قال: حدثني والدي محمد، قال: حدثني والدي عبيدالله، قال: حدثني والدي علي، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسن، قال: حدثني والدي الحسين، قال: حدثني والدي جعفر الملقب الحجة، قال: حدثني سيدي ووالدي عبيدالله الزاهد، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسين الأصغر، قال: حدثني سيدي ووالدي علي بن الحسين زين العابدين، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسين المظلوم الشهيد سبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، قال: حدثني سيدي ووالدي أمير المؤمنين يعسوب الدين علي بن أبي طالب، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( الأعمال بالنية )).
رجال هذه الأسانيد من العترة وأوليائهم الأثبات، وكل سند أورده أو خبر أرويه فهو صحيح إلا ما ذكرته بلفظ: أخرج أو أنبه على ذلك، فليس العهدة عَلَيَّ فيه، نعم وأخرج الإمام المرشد بالله والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي بأسانيدهم إلى يحيى بن سعيد الأنصاري تفرد بالخبر الآتي ومن فوقه إلى عمر بن الخطاب عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ مانوى)) .(1/408)


وفي الترغيب في الإخلاص أروي بالسند الصحيح إلى الإمام الأعظم زيد بن علي مجموعه وفيه عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: من أخلص لله أربعين صباحاً يأكل الحلال صائماً نهاره قائماً ليله أجرى اللّه ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. وليس هذا من المبحوث عنه ولكن للتبرك.
فصل: في إيجاب التطهر من النجاسات
قال اللّه تعالى: ((وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)) الحقيقة فيه تطهير الثياب من النجاسة. قال الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد بعد ذكر الآية: ولاخلاف أنه لايجب تطهيرها على من لم يرد الصلاة، فثبت أنه يجب للصلاة.
قلت: والطواف صلاة فلانقض لكلامه به.
وأروي بالسند الصحيح إلى الحاكم رضي اللّه عنه تفسيره التهذيب، قال فيه: الحمل على طهارة الثياب من النجاسة هو الحقيقة والعدول عنها مع الإمكان تعسف أو توسع وأروي بالسند الصحيح إلى صاحب الكشاف قال فيه في تفسير الآية: طهارة الثياب شرط في صحة الصلاة وفي غير الصلاة الطهارة مستحبة.. الخ.
وأروي بالسند الصحيح إلى الإمام المرتضى محمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهم السلام كتابه المناهي وفيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل في ثوب غير طاهر.
باب المياه(1/409)


قال عز سلطانه: ((وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا))، وقال جل شأنه: ((وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ)). وأروي بالسند الصحيح إلى الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام كتبه منها المنتخب قال فيه في ماء البحر: هو الطهور ماؤه لااختلاف عند علماء آل الرسول عليهم السلام في ذلك. قلت: وفي شرح التجريد بعد ذكر الإجماع على أنه طهور مالفظه: وكذلك المشهور من كلام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في البحر: (( هو الطهور ماؤه والحل ميتته )) وقد سبق ذكر السند إلى شرح التجريد للمؤيد بالله عليه السلام، قال فيه: أخبرنا علي بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن اليمان، قال: حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن شجاع، قال: حدثنا أبو قطن ـ قلت: بفتح القاف عمرو بن الهيثم من العدلية ـ، عن حمزة الزيات ـ قلت: أحد القراء السبعة ـ، عن أبي سفيان السعدي ـ قلت: اسمه طريف بن شهاب ـ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى غدير فيه جيفة فقال: (( اسقوا واستقوا فإن الماء لاينجسه شيء )). قلت: وقد ثبت تعديل بعض رجال السند، ولم يظهر في البقية أي قادح وقد وثقهم الإمام المؤيد بالله عليه السلام جميعاً، وقد روي عن أبي سعيد من غير طريق مع صحة معنى الخبر نص أعلام العترة وغيرهم على ذلك، وبمجموع هذا أُرَجِّحُ صحته.
وأروي بالسند الصحيح إلى الإمام القاسم بن إبراهيم نجم آل الرسول صلوات اللّه عليه وعليهم أنه قال: ((لاينجس الماء شيء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه أو لونه)) إلى آخره.(1/410)

82 / 83
ع
En
A+
A-