قال في صدرها بعد كلام يسير: والمقدم تحقيق معنى الصفات الذاتية لما يتفرع عليها من المشتقات لذلك وقع الفرق بين سميع وبصير وسامع مبصر، والخلاف الذي لايعزب عنكم فنقول: إن من رام معرفة حقائق صفات الله تورط في الإشراك، ومن عجز وقصر أقدام فهمه فالعجز عن درك الإدراك إدراك، كما لم نكلف بمعرفة حقيقة الذات لم نكلف بمعرفة حقيقة الصفات، وإن الله لم يتعرف إلينا بذاته بل تعرف بأفعاله نحو: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) ونحوها مما لايحصى. فإن قلت: قد وصف نفسه بعليم قدير سميع بصير مريد. قلنا: عبر عن إحاطة علمه بكل نوع من أنواع المدركات بمانعقله في أنفسنا فإدراك المسموع غير إدراك المبصر، فإن حملناه على المعلوم فينا من الأعراض شبهناه وجسمناه وإن حملناه على الإحاطة بأنواع المدركات من دون تحقيق كيفية الإدراك آمنا به ونزهناه، ولذلك قال الوصي إمام الموحدين ومعجزة الرسول الأمين: أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه. إلى قوله: أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها، ولا رؤية استفادها ولاحركة أحدثها، ولاهمامة نفس اضطرب فيها.(1/396)


وقال عليه السلام: كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، فاعل لا باضطراب آلة، مقدر لابجولان فكرة. إلى قوله: يريد ولايضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة، يقول لما أراد كونه كن لابصوت يقرع ولانداء يسمع، وإنما كلامه فعل منه أنشأه ومثله. ولذلك أطبقت الأئمة المتقدمون على أن صفات الله ذاته، والمعنى أنا لانثبت أشياء غير الذات وعلى أن الإرادة نفس المراد، والمعنى أنا لانثبت شيئاً غير المريد والمراد، وأن أفعاله صادرة بإحكام لاكما يفعله الناسي والساهي وصاحب المنام، فإن أردت تطبيقه على قواعد الحقيقة والمجاز، فلايتأتى ذلك عند صاحب الاحتراز، لأن الحقيقتين مختلفتان وإن أكثرنا الإطناب أو الإيجاز، إذ شرط الحقيقة أن تكون موافقة للإصطلاح الذي به التخاطب، والمجاز غير ذلك، واستعماله في حق الله وصفاته لايجوز بغير إذن كما لايخفى، غاية مايجوز الإقدام عليه القول بأنه من باب التشبيه والتمثيل وهو تشبيه الهيئة بالهيئة والوجه منتزع من متعدد كقوله:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا .... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
والمعنى: تعدد الإدراكات لمسموع ومبصر. وقد أشار إليه الوصي فيما حكيناه عنه بقوله: وإنما كلامه فعل منه أنشأه ومثله.
وأما مسألة لايقضي القاضي وهو غضبان، فالنهي للإرشاد لكون حالة الغضب مظنة الغلط أو الحمق، وأما المئنة المتعلقة بصحة الحكم أو بطلانه فهي إعطاء النظر حقه بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا حكم الحاكم وأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد)). وحديث: ((الحكام ثلاثة حاكم في الجنة وحاكمان في النار)). وهو المطابق لقوله تعالى: ((فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)) فتقرر أن الحكم بالتعلق بالحكم هو إعطاء النظر حقه أو عدمه، فلايتفرع عليه كون النهي يدل على الفساد أو عدمه.(1/397)


وأما مسألة القاعدة الأصولية مالايتم الواجب إلا به يجب لوجوبه، فالحق استشكال ذلك لمعارضته للقاعدة الأخرى قولهم: تحصيل شرط الواجب ليجب لايجب، وجوابه: أن الأمر إن ورد مطلقاً وجب تحصيل مالايتم إلا به، وإن ورد مقيداً بشرطه فتحصيل شرطه لايجب، ودليله في الشاهد: إذا قال السيد لعبده: اصعد إلى السطح فلم يكلفه إلا بالصعود فيجب عليه فعله بأي وجه إما بالتسور أو سلم أو أي حيلة، فذلك معنى قولهم: مالايتم الواجب إلا به يجب لوجوبه. وإن قال له: انظر (سلماً واصعد عليه إلى السطح فقد علق الصعود بوجود السلم فإن وجده وجب الصعود وإلا فلا. ودليله في أوامر الشارع: ((وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) فقد علق الوجوب بالاستطاعة فلايجب عليه التكسب لتحصيل الاستطاعة إجماعاً.
وأما مسألة قتل الخطأ، فمن قصد الذات التي أصلها تحريم القتل فهو عامد لقتل النفس المحرمة لا إن كان أصلها إباحة القتل كما استثناه في الأزهار بغالباً.
وأما مسألة نكتل، فهو مشتق، ومصدره كيلا، وعند تصريفه صار المضارع منه نكتال، وعند جزمه جواباً للأمر، وهو أرسل حذفت العين، والنون نون المضارع، والتاء تاء الإفتعال، فعرفت حينئذ أنه لم يبق من الأصول إلا الكاف واللام والباقي زوائد فوزنه: نفتل.
وأما مسألة رفع زيد ورفع الجلالة في قول القائل: من يفعل هذا إلا زيد. وفي قول الله: ((وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ)) فهو على حكم الاستثناء المفرغ يجوز النصب ويختار البدل فهو مفرغ للعامل الذي قبل إلا وهو يغفر ويفعل وهما يتقاضيان فاعلاً وذلك مما حكمه واضح، ولاتروا إن وقع تقصير فلايعزب عنكم مانحن فيه، والدعاء مستمد، وشريف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/398)


اختيارات العلامة محمد بن منصور (ع)
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
اختيارات العلامة محمد بن منصور والد مولانا مجد الدين
هذه المسائل من اختيارات والدنا العلامة شيخ آل الرسول الزاهد العابد الولي محمد بن منصور المؤيدي رضوان الله وسلامه عليهما. قال رضي الله عنه:
هذا حصر المسائل المختارة كما تضمنته الأدلة وماسواها من المسائل في الفروع، والمأخوذ به هو مانص عليه الهادي عليه السلام بالأدلة الظاهرة لأصول المذهب من مفهومها ومنطوقها حسب ماقرره سيدنا حسن الشبيبي رضي الله عنه، وماصح لي النظر فيه بعد إعمال الأدلة على مقتضى مسائل الأصول الفقهية، وقد بينت ماهو المختار فيها في متن الغاية بقولي المختار فوق مسائل متنها تقريباً.
هذا شروع في ما اخترته بعد إعمال الأدلة:
1 ـ أن الفرجين ليسا من أعضاء الوضوء. وهو المختار لمولانا حجة الإسلام والمسلمين ولده أبي الحسنين مجد الدين بن محمد أيده الله تعالى.
2 ـ لايجب إزالة الخلالة حتماً، إذ لو كان واجباً لأبانه الشارع، إذ هو مما تعم به البلوى وهو في مقام التعليم.
3 ـ الاستنجاء والاستجمار باليمين محرم لورود النهي عن ذلك، ولم نجد صارفاً يدل على خلافه.
4 ـ يطهر أديم ميتة المأكول بالدبغ بحيث لو ذكي حل أكله، وهو المختار لولده أبي الحسنين مجد الدين بن محمد أيده الله تعالى لماروى الإمام الأعظم زيد بن علي.
5 ـ إذا كان العليل لايرجو زوال علته في آخر الوقت جاز له أن يتيمم للصلاة في أول الوقت، وهو مذهب أهل السلسلة الذهبية والجم الغفير من الأئمة والعلماء، إذ لامعنى للتلوم إلى آخر الوقت في حقه. وهو المختار عندي.
6 ـ صلاة الجمعة خارج البلد في الصحراء صحيحة. وهو المختار عندي.
7 ـ صلاة الجمعة في غير وقت إمام تصح رخصة. وعند ولده أبي الحسنين مجد الدين بن محمد أيده الله تعالى واجبة.
8 ـ تحل صدقات بني هاشم بعضهم لبعض. وهو المختار عندي.(1/399)


9 ـ أن من نذر بصوم العيدين أنه لاينعقد صيامه ولايجب عليه قضاء يومين بدلهما لأنه يلزم أن يكون صيامه قربة ومعصية. والمذهب أن النذر ينعقد ويجب عليه إفطارهما ويقضي يومين بدلهما لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص للمتمتع فلولا أنه يصح الصوم فيها لما أمره بذلك والأول أظهر فإنه مخصوص بالمتمتع كما هو مذكور بالدليل. وهو المختار عندي.
10 ـ إذا التبس على المصلي هل قد صلى أربع ركعات أو أقل أو نحو ذلك بنا على الأقل المتيقن لما ورد عن أمير المؤمنين. وهو المختار لولده شيخ الإسلام أبي الحسنين مجد الدين بن محمد أيده الله تعالى، كما أوضحه في كتاب الحج.
11 ـ أن أم الولد والسِرِيَّة إذا أعتقها سيدها اعتدت بثلاث حيض. وهو المختار عندي.
12 ـ إذا بلغ الصغير أو راهق خير بين أبيه وأمه. وهو المختار عندي.
13 ـ ومما صح بالدليل وترجح جواز مس رطوبات الكفار سواء كتابي أو غيره. وهو المختار لولده أبي الحسنين مجد الدين بن محمد أيده الله.
14 ـ وكذلك جواز أكل طعام أهل الكتاب وذبائحهم من اليهود والنصارى وغيرهم من كفار أهل القبلة كالمجبرة والمشبهة للاشتراك في العلة وهو كونهم أهل كتاب إلا نصارى بني تغلب لما رواه الحاكم عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه وجدهم ليسوا بنصارى على الحقيقة فلايجوز أكل ذبائحهم. وهو المختار عندي.
15 ـ لايجب الفدية على المحرم فيما لبسه ناسياً أو جاهلاً. وكذا من اختضب بالورس ونحوه ناسياً أو جاهلاً كذا يجب على من أحرم الغسل من الجنابة، وكذا الحائض والنفساء. وهو المختار عندي.
16 ـ يجب على المرأة أن تترك لبس الحلي حال الإحرام. قال ولده أبو الحسنين أيده الله: ولاتلبس النقاب والقفازين لورود النهي الصحيح عن ذلك والكلام مستوفى في كتاب الحج.(1/400)

80 / 83
ع
En
A+
A-