وماذكر في الكتابة والرسالة والمصارفة لاينقض التصريح الذي لايحتمل ويمكن أن يخصصوا ذلك لأن الكتابة والرسالة ونحوهما قائمان مقام الكاتب والمرسل، وفي الصرف قد اعتبر الشارع عدم الافتراق بين المتصارفين بالأبدان وإن كان ذلك يشكل عليهم.
والذي يترجح عندي في عقود التلفونات ونحوها هو أنه إذا علم الصوت من المتعاقدين وثبتت الشهادة على ذلك أن ذلك يقوم مقام الاجتماع الذي اعتبره الشارع، ويشترط وقوع الافتراق بين المتعاقدين فيما اعتبر الشرع الافتراق فيه بالأبدان ثبوت الشهادة على أنهما افترقا بالأبدان بعد العقد، أو وقع الاختيار الذي ثبت بالخبر الصحيح السابق عن علي بن الحسين عليهما السلام وله شواهد.
فإن قيل: كيف اشترطتم الاجتماع والافتراق بعده مع أنهما مفترقان ضرورة.
قيل له: نحن لم نشترط الاجتماع في المجلس بل مايطلق عليه اجتماع فألحقنا محليهما في المكالمة محل الاجتماع لعدم الفارق، وكذلك انتقالهما من محل المكالمة مقام الافتراق الذي اعتبره الشرع الشريف سواء ظهرت العلة في ذلك أم لا، فهذا هو التحقيق، والله تعالى ولي التوفيق.(1/386)
ورد سؤال في شأن إسقاط الحمل قبل مضي أربعين.
والجواب والله الموفق للصواب: أنه يجوز إسقاط الحمل قبل نفخ الروح فيه بالتراضي بين الزوجين، ويجوز للمرأة إذا أفاد الطبيب المختص أن في بقاء الحمل ضرراً كبيراً زائداً على المعتاد أن تسقط الحمل وإن لم يرض الزوج لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لاضرر ولاضرار في الإسلام)) الخبر المعلوم.
والدليل على جواز الإسقاط بالتراضي ماثبت من جواز العزل عن الحرة برضاها وغير الحرة مطلقاً، وإذ هو قبل نفخ الروح فيه بمنزلة النطفة ونحوها لاحرمة له، وروى جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وساقينا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل. فقال: ((اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ماقدر لها)) أخرجه مسلم وأبو داود.
وأخرج ابن ماجه عن عمر بن الخطاب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها.
وما ورد من النهي عن العزل وإنه الوأد الخفي محمول على كراهة ذلك إن لم يكن في الحمل ضرر جمعاً بين الأخبار. والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب. تمت إملاء مولانا حجة الإسلام والمسلمين مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي غفر الله لهم.(1/387)
حديث ارفعوا أصواتكم بالصلوة علي..
قال أبو الحسين مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله، تعليقاً على الحديث المروي في بعض كتب أئمتنا عليهم السلام: وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ارفعوا أصواتكم بالصلاة علي وعلى أهل بيتي..)) الخ.
اعلم وفقنا الله تعالى وإياك للصواب أن حديث: ارفعوا أصواتكم بالصلاة إلى آخره. لم يصح من طريق صحيحة بعد البحث والتحقيق، وثبت أن في رواته بعض الغلاة وإن رواه بعض أئمتنا المتأخرين فقد أوضحوا سنده، فالعهدة على المطلع في النظر في الرجال، وقد انكشف أنه غير صحيح بل قد قدح في بعض رواته الإمامية مع أنه منهم فمن رواته البرقي. قال النجاشي: إنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد على المراسيل، وفي الخلاصة للحلي من الإمامية والنجاشي. قال الغضائري: طعن عليه القميون وليس الطعن عليه إنما الطعن فيمن يروي عنه، فهذا بعض الكلام في بعض رجاله، ولايسع الحال الاستكمال، وقد أوضحت الكلام في ذلك في غير هذا المقام، وما أحقه ألا يصح لمخالفته لما ورد في كتاب الله تعالى صريحاً، كقوله تعالى: ((وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)). وقوله عز وجل: ((ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) ومدح نبيئه زكريا بقوله تعالى: ((إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا)) ولم يشرع رفع الصوت إلا في الأذان والخطب وإمام الصلاة والتلبية في الحج مع أنه قد روي أنه أنكر عليهم زيادة الرفع لما كان المقصود الإعلام مع أن المؤذن والخطيب والإمام يرفع وحده،(1/388)
فأما الرفع من الجماعة على صفة التغريد والإنشاد فلم يشرع قط، ولم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولاعن أحد من أئمة الهدى لا الإمام زيد بن علي ولا القاسم ولاالهادي إلى الحق عليهم السلام ولاغيرهم مع مافي ذلك من شغلة المصلين في المساجد وقطع الأذكار الواردة من التسبيح والتحميد والتكبير وتلاوة سورة الإخلاص وآية الكرسي، ولو تركوا التغريد لأمكنهم الكل وقد يتوهم بعض من لامعرفة له أن المراد ترك الصلوات الخمس بالكلية، ومعاذ الله من ذلك كيف وقد أمر الله جل جلاله في كتابه العزيز بالصلاة والتسليم على نبيئه صلى الله عليه وآله وسلم، وأوجب الصلاة عليه وعلى آله في الصلاة من صلى عليه صلى الله عليه وآله وسلم مرة صلى الله عليه بها عشراً إلى غير ذلك مما لانحيط به كثرة، ونحن نروي الصلوات الخمس المسلسلة بالعد بالسند الصحيح إلى سيد المرسلين عن جبريل الأمين عن رب العالمين، فهي من أفضل الأعمال وأجل القرب إلى ذي الجلال. وفق الله تعالى الجميع لمافيه رضاه وتقواه إنه قريب مجيب، وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.(1/389)
فائدة في إعراب هلم جرا
قال والدنا الإمام الهادي إلى الحق أبو الحسن عز الدين بن الحسن عليهما السلام في المعراج: قوله هلم جرا. يعني قول القرشي صاحب المنهاج: هذه كلمة تستعمل في معنى الاستمرار وعدم الاقتصار، وهلم: اسم فعل بمعنى أقبل. قال الله تعالى: ((هَلُمَّ إِلَيْنَا)). وجرا: مصدر منتصب على أنه مفعول مطلق، وفي بعض حواشي الصحاح جرا: إسم مقصور لاتنوين فيه ولامد، وأصل معنى جرا: أي تترك الإبل والبقر ترعى وهي تسير من دون قصر لها. قال بعض أهل اللغة: معنى هلم جرا: تسيروا على هيئتكم فلاتشقوا على أنفسكم وركابكم: ثم استعملت في هذا المعنى وهو عدم الاقتصار على غاية ومنع الحصر. قال الجوهري: نقول كان ذلك عام كذا وهلم جرا إلى اليوم. تمت سماعاً عن شيخنا حجة الإسلام والمسلمين مولانا مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى.(1/390)