في الأجرة
والجواب عن السؤال الرابع: وهو في موضوع الأجرة فيما يتعلق بالمعاملة، وقد شرحت لكم ذلك، وهو أنه ماكان في مقابلة العمل فلاحرج فيه فليس من القرض لجر منفعة، وإنما يحرم ماكان في مقابلة القرض للخبر: ((كل قرض جر منفعة فهو ربا)) وأما ماوقعت المذاكرة فيه وهو إذا حل الأجل ولم يوف الذي عليه الدين فيزاد عليه زيادة فهو ربا الجاهلية المجمع على تحريمه لقوله تعالى: ((لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً)) كانوا في الجاهلية إذا حل أجل الدين قالوا لصاحبه: إما قضيت أو أربيت، فإن لم يقض زادوا عليه وجعلوا له أجلا آخر، وهذا لاخلاف في تحريمه، إنما الخلاف في بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النسا _وهو الإمهال ويسمونه بيع التقسيط_. فقال الإمام الهادي عليه السلام وغيره من الأئمة: هذا ربا لأنه يشبه ربا الجاهلية حيث لم تكن الزيادة إلا في مقابل المدة.(1/376)
وقال من أجازه كالمؤيد بالله عليه السلام: لاسواء فذلك لم تكن الزيادة ببيع فهي باطلة، أما هذا فهي بالبيع وقد أحل الله البيع وحرم الربا ومن حرمه يقول لم يحرم ذلك إلا لأجل الزيادة في مقابل المدة، فظهر أن الزيادة لأجلها ربا والبيع لايحلل الربا الذي حرمه الله سبحانه كما في بيع الذهب بالذهب ونحوه من الربويات، ومن أجازه يقول: تلك الأجناس قد وقع النص على تحريم البيع مع التفاضل فيها وفيما شاركها في الجنس والتقدير عندنا بخلاف البيع، هذا فلم يرد نص على تحريمه والقياس لايصح مع وجود الفارق، والقول بأن الدليل يقتضي تحريم كل زيادة إلا ماخصه دليل ضعيف جداً، ويلزم منه تحريم البيع بزيادة على ماباع غيره أو على ماباع هو سابقاً أو زيادة على قيمته وهلم جرا، مما يعلم به أن ليس المراد عموم كل زيادة، وإنما المراد زيادة مخصوصة، وهي ماورد النص فيه من الأجناس وماشاركها في العلة، فتدبر، وأيضاً للمجيز أن يعارض بعموم جواز كل بيع إلا ماخصه الدليل، والعموم في تحريم كل زيادة غير مراد قطعاً، والذي يترجح عندي هو اجتناب هذا البيع لأن خطر الربا عظيم ولأنه الأحوط.(1/377)
الجمع بن الصلاتين
والجواب عن السؤال الخامس وهو في موضوع الجمع بين الصلاتين المسألة تحتاج إلى بحث طويل، والحال لايحتمل التطويل وسألخص المقصود بإعانة الله تعالى وتسديده فأقول وبالله تعالى التوفيق: إن الآيات القرآنية في الأوقات مجملات كقوله عز وجل: ((إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)) [النساء:10]، ومعنى موقوت: هو محدود، فلم تبين الآية الأوقات المحدودة، وكذا قوله تعالى: ((أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)) [الإسراء:78]، وهي كذلك لم يتضح فيها بيان الصلاة التي تقام في هذه الأوقات، وقد بينها خبر جبريل عليه السلام فإنه حدد وقت كل صلاة وقال: مابين هذين الوقتين وقت. أي مابين وقت كل صلاة أول يوم وثاني يوم لأنه جعل لكل صلاة وقتين إلا المغرب فإنه صلاها اول يوم وثاني يوم في وقت واحد، ولكن قد بين أن وقتها يمتد إلى دخول العشاء بجعل أول العشاء عند ذهاب الشفق وتأخير صلاتها في السفر، والمعلوم أن من دخول المغرب إلى أول العشاء وقت للمغرب، فظاهر خبر جبريل عليه السلام يدل على وجوب التوقيت لكل صلاة وعدم جواز الجمع بين الصلاتين، لكنه قد صح برواية أهل البيت وغيرهم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة المطهرة لغير سفر ولامطر ولاعلة لئلا يحرج أمته إن جمع رجل كذا وردت الأخبار، فدل على جواز الجمع فخبر جبريل عليه السلام محمول على أن تلك الأوقات للفضيلة، وكذلك ملازمته صلى الله عليه وآله وسلم لتلك الأوقات تدل على أنها أفضل، وقد أجاب من أوجب التوقيت عن ذلك بأنه لم يبين في الخبر أنه جمع تقديماً أو تأخيراً، وبأنه يحتمل أن يكون أخر الأولى _أي الظهر_ في جمع الظهر والعصر والمغرب في جمع المغرب والعشاء إلى آخر وقتها، وقدم الأخرى _وهي العصر_ في الأول والعشاء في الآخر في أول وقتها وهو المسمى بالجمع الصوري، وقد ذكر بعض الرواة وهو أبو الشعثاء أنه يظنه كذلك.(1/378)
وأجاب من أجاز الجمع بأنه لايضر عدم البيان لكونه تقديماً أو تأخيراً، لأنه قد ثبت الجمع ومتى ثبت فقد بطل القول بوجوب التوقيت سواء كان الجمع تقديما أم تأخيراً، وأما أنه أخر الأولى وقدم الأخرى فلم يثبت ذلك برواية صحيحة، ولايلزم ظن بعض الرواة فلم نتعبد بظنه ومجرد الاحتمال لايؤثر، وأيضاً الجمع في الشرع لايطلق إلا على جمع الصلاتين في وقت إحداهما، والجمع الصوري كل صلاة في وقتها وليس إلا جمعاً لغوياً والحقيقة الشرعية مقدمة على اللُّغوية، فيقال خبر التوقيت واستمرار فعل الرسول يدلان على الأفضلية، وخبر الجمع في المدينة يدل على الجواز لغير عذر، وفي ذلك جمع بين الأدلة وقد استدل القاسم والهادي عليهما السلام على جواز الجمع بجمعه صلى الله عليه وآله في الأسفار وهو استدلال قوي إذ لم يبين صلى الله عليه وآله وسلم أن العلة في جمعه هي السفر كما بين الكتاب أن الإفطار للمرض والسفر بقوله تعالى: ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقره:184]، وبين صلى الله عليه وآله وسلم أن القصر للصلاة هو للسفر ومجرد أنه فعله في السفر لايقتضي أنه مقصور عليه إلا لدليل يدل على أنه مقصور عليه كما في الإفطار والقصر، ففعله صلى الله عليه وآله وسلم حجة على الإطلاق سواء فعله في سفر أو حضر إلا لدليل يقصره على أحدهما، وقد استدلوا على جواز جمع الصلاتين بوضوء واحد بجمعه صلى الله عليه وآله وسلم الصلوات في مكة بوضوء واحد وهو في السفر ولم يقصروا الجواز على السفر، بل أجازوه في السفر والحضر مع أنه في الحضر كان يتوضأ لكل صلاة،(1/379)
وكذا سائر أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم سواء وقعت في حضر أو سفر لاتخص أحدهما إلا لدليل يدل عليه، وهذا واضح لمن تدبر، ومما يدل على أن وقتي الظهر والعصر وقت لهما وأن وقتي المغرب والعشاء وقت لهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يجمع بين العصر والمغرب ولابين العشاء والفجر في سفر ولاحضر لما كان وقت كل واحدة مختصا بها، وكان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء تقديما وتأخيراً لما كان وقت كل واحدة وقتاً للأخرى، وإنما التفريق للفضيلة أو لعدم العذر على حسب الخلاف، وكلام أهل المذهب قريب جداً حيث أجازوا الجمع للسفر وللمرض وللإشتغال بطاعة أو مباح ينفعه وينقصه التوقيت، فما بقي إلا أن يترك الأوقات التي شرع الله تعالى النداء إليها خمس مرات ولازمها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لالمعنى . والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب حرر على عجل وشغل بالمعالجة والسفر 10/ ربيع الأول سنة (1412 هـ) بالرياض.(1/380)