وأما كون العملة لها مقابل من الذهب والفضة فليس ذلك يقتضي تمليك من هي في يده للذهب والفضة. وأما قياسها على النقود فغير صحيح لعدم ثبوت العلة بطريق صحيحة. فأما العلل الشبهية والدوران ونحو ذلك، فالمختار أنها غير معتمدة وأنه لايثبت القياس إلا بالنص على العلة مع استكمال شروطها المعلومة في الأصول. وأما التعلل بجعلها للتجارة بكونها لاينتفع بها إلا بالبيع لها فغير صحيح، لأن ذلك لايوجب كونها للتجارة لاشرعاً ولالغة ولاعرفاً، وكثير من الأراضي والدور والحبوب لاينتفع بها صاحبها إلا إذا بيعت على أنه قد يمكن الانتفاع بها بالتجمل والاحتراس بها للحاجة وإظهار الغنى، وعلى الجملة ليس المناط في إيجاب الزكاة صحة الانتفاع بها أو عدمه وقد يتعامل بما لاتجب فيه الزكاة قطعاً كالحبوب ونحوها، وقد كان الناس لاسيما الزراع قبل وجود الورق ومع قلة النقود معهم يأخذون حاجاتهم بالحبوب، ولم يقل أحد من العلماء إن الحب الذي يخزنونه لشراء حاجاتهم صار للتجارة أصلاً، فهو إجماع منهم أنه لايصير الشيء المعد للحاجة متى عرضت للتجارة مالم يقصد به التجارة عند الملك.
وإيجاب مالم يوجبه الشرع لايجوز قال تعالى: ((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ)) الآية، ولقد قلت لبعض المتشددين: ألستم اشتريتم أراضي لتغرسوها أشجاراً لبيع ثمارها وكذلك تشترون الأشجار لغرسها وبيع ثمارها، وذلك كله يوجب كون تلك الأراضي والأشجار للتجارة فيجب تقويمها وتزكيتها في كل حول وأنتم لاتزكونها، وهذا أظهر في وجوب الزكاة من ورق العملة التي هي للقنية ولم يرد بها تجارة. وهذا واضح، والله تعالى ولي التوفيق.(1/371)


في الشركة العرفية
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد فالشركة العرفية تقتضي المساواة بين المشتركين فيما كسبوه بالسعي، ولايفضل أحد من السعاة باعتبار زيادة عمله أو تعبه أو حظه لأن دخوله في هذه الشركة التي العرف الجاري فيها المساواة رضاً منه بالاستواء فهو كالعقد، وقد قال تعالى: ((أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)) [المائدة:1] ولأنه يتعذر معرفة مقدار ما يستحقه من الزيادة المفروضة ولاموجب للتقدير مع رضاهم بالمشاركة التي مقتضاها المساواة عرفاً، والعدل الذي يظن في التفضيل لمن يقدر أن له زيادة في الكسب معارض بالجور المحقق على إخوانه المشاركين له الذين قد استحقوا المشاركة في الجميع بمقتضى الشركة، ولأن فتح باب المفاضلة يؤدي إلى المشاجرة والمنازعة بلاريب، ولو كان مبنى هذه الشركة على ذلك لكانت ممنوعة شرعاً لهذه المفسدة التي قد منع الشرع المعاملة المؤدية إلى ذلك، ولأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد منع التفضيل لمن له عمل في الكسب وزيادة ظاهرة بمواظبته على السوق، ولم يفضل أيضاً المواظب على المسجد باعتبار أن أخاه إنما رزق بمواظبته على المسجد، بل اعتبر الشركة فساوى بينهما، ولاوجه لدعوى الخصوصية ولو كان لها لأوضحه إذ هو في مقام البيان كما أوضح صلى الله عليه وآله وسلم الخصوصية للمضحي.
وأما صاحب الكفارة في الصيام التي صرفها فيه فليس للخصوصية بل لبيان أنها ليست بواجبة كما هو رأي أصحابنا، ويحتمل أنه صرفها فيه بعد أن قبضها صلى الله عليه وآله وسلم أو أنه أعطاه إياها لحاجته الماسة وتبقى الكفارة عليه، وهذان الوجهان الأخيران هما العمدة في قصة المظاهر فلم تظهر الخصوصية وهذا نص في محل النزاع أي قصة الأخوين فعدم المفاضلة بين المشتركين هو الذي قضى به الدليل وقرره الأئمة الأعلام وجرى به العرف بين السلف والخلف.(1/372)


قال الإمام شرف الدين عليه السلام: إن مثل هذه تكون شركة أبدان. إلى قوله: ولو كان عمل بعضهم أكثر من بعض لأن من عمله أكثر قد رضي بمشاركةمن عمله أقل، والعرف جارٍ بالاستواء.
وفي ضوء النهار: إذا دخل الشركاء في الشركة.. إلى قوله: في الوجوه والأبدان على الرؤوس على ذلك جرى العرف إلى آخره.
وفي حاشية شرح الأزهار من الشركة صفح (361): ماجرى به العرف وبه الفتوى وعليه العمل أن ما كسبه أحد الشركاء لنفسه يكون للجميع وعلى الجميع أهـ. إملاء سيدنا حسن الشبيبي رحمه الله قرر.
ومن جواب المتوكل على الله اسماعيل بن الإمام القاسم عليهما السلام مالفظه: لايستقل المشتري والحال ماذكر بشيء مما شرى وإن خص نفسه بالإضافة من بيع وشراء وغير ذلك مما مداره على الأعمال والتصرفات بالكسب والفلاحة بل يكون للجميع وعلى الجميع كما تقتضيه الشركة، ولايعتبر هنا عقد بل يجري بالتراضي بها مجراه، إذ لاينضد العدل الذي أمر الله به في مثل هذا إلا بذلك لعدم تيقن مقدار عمل كل عامل وللحديث النبوي: ((إنما كنت رزقت بمواظبة أخيك على المسجد)).
وإنما يستقل بما استقل بسبب لامن قبل الفلاحة والكسب كمهر وأرش جناية. انتهى.(1/373)


قلت: أو هبة أو ميراث أو نحو ذلك مما ليس داخلا في عمل الكسب. نعم وتتميماً للفائدة وإن لم يكن محل الكلام المسئول عنه أنه إن كان للشركاء تركة مخلفة وكان لها أثر في إعانتهم على الكسب فلها نصيبها بما قرره عدلان أنها تستحقه، ويقسم ذلك مع أصل التركة على جميع الورثة كبير وصغير ذكر وأنثى عامل في الشركة وغير عامل. أما المكتسب غير نصيب التركة المذكورة فلايشترك فيه إلا العاملون البالغون، أما من لم يكن بالغاً فلايشارك العاملين البالغين إلا من تاريخ بلوغه إن شاركهم في الكسب، لأن الشركة هذه مبناها على التراضي ولايصح من الصغير وعلى العرف وهو كذلك فإن ألزموا الصغار بعمل لمثله أجره استحقوا أجرة المثل. وكذا النساء حكمهن هذا فلايشاركن العاملين إلا أن يجري عرف بمشاركتهن دخلن في الشركة ولو لم يكن إلا في عمل البيت، وقد بسط الأطراف في الشركة العرفية واستوفاها والدنا الإمام المهدي الأخير محمد بن القاسم الحوثي رضي الله عنهم في جواباته على الأسئلة الضحيانية قال فيها: فالشركة العرفية عندهم معناها التكافؤ في الأعمال، بحيث يسد كل واحد من الشركاء في نوع من العمل تتم المصلحة بالمجموع، سواء استوى محصولهم أو اختلف وسواء كانوا أخوة أو غيرهم، فمرجعها عندهم إلى شركة الأبدان، لكنها لاتفتقر إلى عقد، إذ الجري عليها رضاً بالتساوي في المستفاد. وقاعدتهم أن العرف الجاري كالشرط المنطوق به، والعرف باب من أبواب الشرع معمول به مالم يصادم نصاً ولانص هنا، وما استحسنه المسلمون فهو عند الله حسن، فلهذا قالوا يستوون في الربح والخسران. وللمتوكل على الله إسماعيل بن القاسم عليهما السلام في هذا كلام جيد يؤيد ماذكرناه، وعلله بأن التساوي هو العدل المأمور به، واستدل عليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما رزقت بمواظبة أخيك على المسجد)) إلى آخر كلامه.(1/374)


نعم وماذكرتم من القسمة بين المذكورين فلعله كان لمن فَضَّله دخل من غير طريق الكسب كما هو الظاهر، أو أن له سعياً من قبل بلوغ أخوته، والمسألة اجتهادية، وإنما القصد التنبيه على ماهو الصواب، وماذكرتم من التفضيل في العادة وأنه لم يجعل المستكثر فيها كمن التزم فيها الفرائض. وقولكم كيف يكون حال من له الدخل بكدحه وتعبه الخ.فالجواب: أما التفاضل في الأجر فلانزاع فيه فسيجازي الله العباد على أعمالهم وكتابه تعالى لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا أحصاها، وليس مما نحن فيه في شيء ولاننكر أن صاحب العمل الكثير سيجازى في الآخرة بحسب عمله أما في الكسب والاستفادة في المال فدخوله في الشركة هذه رضاً منه بالمساواة، وقد استحق شركاؤه المشاركة في تلك الزيادة المفروضة التي لاسبيل إلى التحقيق فيها برضاه كما لو وهبه لهم بطيبة من نفسه ونصوص الكتاب والسنة قاضية إنما أعطاه بطيبة من نفسه حلال وجائز أخذه وقد سبق أن دخوله فيها كالعقد، وقد أمر الله سبحانه بالإيفاء بالعقود، فهذا الذي تطمئن له النفس وينشرح له الصدر، والله سبحانه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
حرر شهر القعدة الحرام سنة (1411 هـ) على عجل وشغل والسلام.(1/375)

75 / 83
ع
En
A+
A-