مع محمد عبده يماني في كتابه علِّموا أولادكم حب آل بيت النبي (ص)

[مقدمة المؤلف في فضائل أهل البيت عليهم السلام]
الحمدلله كما يجب لجلاله وصلاته وسلامه على رسوله وآله، اعلم أيها المطلع الكريم أن صاحب هذا الكتاب قد أفصح وصرح بالأخبار المعلومة في أهل البيت عليهم السلام التي ماكان يتجاسر على الإفصاح بها والتصريح أغلب المخالفين مع علمهم بها إما خوفاً وإما حسداً كما قال عز وجل: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ)) [النمل:14]، فتراهم لايذكرون خبر الثقلين إلا بلفظ: ((كتاب الله وسنتي)) الخبر الشاذ الآحادي الذي لم يرو في شيء من الصحاح بل ذكره في الموطأ بلاغا مرسلا ورواه الحاكم من طريق واحدة وروى: ((وعترتي)) من ثلاث طرق، أما الخبر المتواتر المروي في الصحيح وسائر السنن عن بضع وعشرين صحابياً بلفظ: ((كتاب الله وعترتي أهل بيتي )) فلايذكرونه أصلا، وكذا غيره من الأخبار المعلومة لافي خطابه ولافي صحافة ولامراسلة، فلاتجد لأخبار الغدير والمنزلة والكساء والمباهلة والسفينة والنجوم ومالايحاط به كثرة عندهم عيناً ولا أثراً، وإن صدرت من أحدهم فلتة في أندر النادر أو جرت على لسانه في أقل القليل فلايذكرها ذاكر كأنه امتثال لقوله تعالى: ((قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) [الشورى:23].
ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أذكركم الله في أهل بيتي)) ثلاثاً كما أخرجه في خبر الثقلين بهذا اللفظ أحمد ومسلم في صحيحه وأبو داود وعبد بن حميد وغيرهم، فهذه هي الميزة التي امتاز بها هذا الكتاب من كتبهم هذه الحديثة ولأجل هذا وقع عليه هذا الإقبال لغرابة صدوره ممن صدر منه ولكنه قد دس فيه سموم حيات وعقارب(1/351)


[جواب المؤلف على محمد عبده يماني حيث جعل قتل الحسين السبط (ع) بقضاء الله تعالى وقدره ومحبته]
منها تصريحه بالجبر كما في صفحة (157) حيث جعل قتل الحسين السبط عليه السلام بقضاء الله وقدره ومحبته الذي يجب الإيمان به والرضاء به، ويقصد بالقضاء والقدر الخلق كما هو المعلوم من مذهب المجبرة قال في هذه الصفحة (157): وليكن لنا من صدق الإيمان وأدب التفويض ما يجعلنا راضين بقضاء الله وقدره. إلى قوله: ولو شاء الله ماوقع شيء على خلاف مايحبه الله والمؤمنون.. إلى آخره، فعلى قوله هذا يجب الرضاء بما جرى من إبليس وأتباعه وبجميع أنواع الكفر بالله سبحانه ومعاصيه لأنها بقضاء الله وقدره ومشيئته ومحبته، وهذا هو عين الكفر بالله سبحانه وتعالى، فإن الرضاء بالكفر كفر والمحبة للكفر كفر قطعاً وبإجماع المسلمين والمجبرة وإن كان هذا مقتضى مذهبهم فلايتجاسرون على التصريح به هذا التصريح، وإنما نلزمهم به إلزاماً لأنه يجب الرضاء بما قدره الله ورضيه بمعنى خلقه بإجماع الأمة، وهم يقولون: إن جميع الكائنات بقضاءه وقدره. أي بخلقه وإرادته ومن ذلك جميع أنواع الكفر والفساد، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ونحن نقول: إن القضاء والقدر والمشيئة والإرادة التي ضلت المجبرة فيها بسبب جهلهم بعدل الله وحكمته وجهلهم لمعانيها في كتاب الله تعالى ولغة العرب فلها معان صحيحة في كتاب الله تعالى،(1/352)


[بيان المؤلف أن من معاني القضاء والقدر العلم والإعلام]
فالقضاء والقدر بمعنى: العلم والإعلام كما قال تعالى: ((وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ))[الإسراء:4]. وقال سبحانه: ((وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ)) [المؤمنون:18]. وقوله تعالى: ((وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء)) [الشورى:27] وبهذا المعنى يجب الإيمان بأن كل شيء بقضاء الله وقدره _أي بعلمه_ لأنه بكل شيء عليم، ولايجب ولايجوز الرضاء والإيمان بكل شيء قضاه وقدره _أي علمه أو أعلم به_ لأن مما علمه وأعلم به تعالى الكفر والفساد وجميع المعاصي ولايرضاه الله سبحانه وتعالى قال عز وجل: ((وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)) [الزمر:7]. ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)) [البقره:205]، ((وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ)) [آل عمران:108]، ((يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)) [البقره:185] وليس من اليسر أن يدخلنا في الكفر والمعاصي التي توجب النار بل من العسر، وكيف يأمرنا بالرضا بها وهو عز وجل يقول: ((وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)) [الحجرات:7] وفرق واضح لمن عقل بين الإيمان والرضاء بالقدر والقضاء بمعنى العلم والإخبار من الله تعالى وبين الإيمان والرضاء بالمعلوم الذي هو من العباد، فالذي هو من الله يجب الإيمان به، والذي هو من العباد ماكان خيراً يجوز الرضاء به وماكان شراً لايجوز الرضاء به، والمعلوم ليس بقضاء ولاقدر، إنما هو مقضي ومقدر _أي معلوم على هذا المعنى_.(1/353)


[بيان المؤلف أن من معاني القضاء الأمر والحكم]
ومن معاني القضاء: الأمر والحكم قال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)) [الإسراء:23]، وقال تعالى: ((وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ)) [غافر:10] والمعلوم قطعاً وإجماعاً أن الفساد وجميع المعاصي ومن أقبحها قتل الحسين السبط عليه السلام لايجوز الرضاء بها ولا المحبة لها، فليست بقضاء الله تعالى وقدره _أي أمره وحكمه_.
[بحث مفيد في المشيئة]
وأما المشيئة وفي معناها الإرادة فالتحقيق الذي يقتضيه الكتاب والسنة والعدل والنقل واللغة العربية أنها على وجهين مشيئة حتم (قسر) وإجبار ومشيئة رضاء واختيار، فأما مشيئة الحتم والإجبار فما شاء الله تعالى كونه كان وهي المراد بقوله عز وجل: ((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)) [يونس:99] أي لو شاء أن يكرههم على الإيمان لآمنوا كلهم ولذا قال عز وجل: ((أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)) [يونس:99] لأنه لايقدر على إكراههم جبراً وقسراً إلا الله سبحانه ولو أجبرهم لبطل التكليف ولما استحقوا الثواب ولا العقاب. وأما مشيئة الاختيار فقد شاء من العباد كلهم الإيمان ولذا رد على المشركين قولهم: ((لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا)) [الأنعام:148] وكذبهم ونفى أن يكون عندهم بذلك من سلطان، ولولا اختلاف المشيئتين لتناقض كلام الله سبحانه الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه،(1/354)


فنقول: لو شاء أن يمنعهم جبراً وقسراً من قتل الحسين السبط عليه السلام وغيره من أنبيائه وأوليائه لمنعهم لأنه على كل شيء قدير، ولكن قضت حكمته بالتخلية في هذه الدار بين العباد وأخر الجزاء لهم إلى يوم المعاد وحاشا الله أن يشاء أويرضى أو يحب أو يريد قتل أوليائه، لأن ذلك من الظلم والفساد ((وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ)) [آل عمران:108]، ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)) [البقره:205] وقد تضمن هذا الكتاب غير ذلك من المفاسد والدسائس لاتخفى على المستبصر، فتدبر وكن على حذر، والله ولي التوفيق والتسديد. قال: كتب المفتقر إلى الله سبحانه مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي غفر الله تعالى لهم وللمؤمنين 23 من شعبان الوسيم سنة (1412 هـ) بجدة عجالة على ظهر السفر.(1/355)

71 / 83
ع
En
A+
A-