وماكانوا يعتذرون عن التقدم عليه إلا بأعذار منها صغر سنه كما صرح بذلك عمر وأبو عبيدة. ومنها: نفور الكثير ممن قد وترهم بسيفه الذي قام به عمود الإسلام ونحو ذلك، ولقد كان جماعة من الصحابة السابقين يفضلون أمير المؤمنين عليه السلام علانية على جميع الأمة منهم: عمار بن ياسر، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وكالعباس عم رسول الله، وولده عبدالله حبر الأمة، وسائر بني هاشم، وغيرهم كثير.
وقد أقر بذلك علماء الحديث ورووه عن جماعة من الصحابة كابن عبدالبر في الاستيعاب وصاحب التهذيب وغيرهما، وإن العجب كل العجب صدور مثل هذا عن أكابرهم وأقربهم إلى الإنصاف وذوي قوة الباع وسعة الإطلاع كابن حجر، هذا فكيف بأرباب الجهالة والعناد الواضح من الأتباع؟ فاعتبر واستعبر، إنا لله وإنا إليه راجعون. وانظر هذا التمحل العظيم، والتوجيه الذي هو غير مستقيم، وبحق إن هذا لشبيه بمقالة بعض الجهلة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مذهب الشافعي أو كما قيل، وليت شعري ماهو هذا الميزان الذي قد وزنوا به الآيات والأخبار وحرروها حتى لاتزيد ولاتنقص مثقال ذرة، فلله دره من ميزان، ماهذا الإحكام والإتقان وليتهم أبدوه وأوضحوه لتوزن به الآيات والأخبار، ولعمر الله تعالى ليس ذلك إلا ميزان الهوى والتعصب للمذهب، ونقول: تالله قسماً صادقاً يشهد له البرهان أن خبراً واحداً، إما خبر الموالاة أو خبر المنزلة دع ماسواها لم يرد في حق أحد الصحابة مايوازنه أو يقاربه فضلا عن أن يساويه ولكن الهوى يعمي ويصم.
لهوى النفوس سريرة لاتعلم …كم حار فيها عالم متكلم
والحمدلله العلي الكبير وإليه ترجع الأمور.(1/346)
[الكلام في القضاء والقدر]
وقال أبو الحسين مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده اللّه تعالى: قوله: فإن من زعم أن في الأرض شيئاً لم يقدره اللَّهولم يقضه ولم يخلقه فقد زعم أن مع الله إلها آخر يقضي ويقدر، سبحان الله عما يقولون علوا كبيرا .. الخ صفحة (369) في الطبعة الحديثه وفي القديمة (253).. الخ
اعلم أيها المطلع ثبتنا الله وإياك أن هذا كلام متكلف مصطنع ليس عليه طلاوة الكلام العلوي المستمد من مشكاة النور النبوي، وآثار الوضع عليه بينة وليس له وجود في أي نسخة من نسخ المجموع، ولا له أصل في كتب العترة ولا في كتب غيرهم.
وفي حاشية لشيخنا العلامة المولى الحسن بن الحسين الحوثي رضي الله عنهما مالفظه: الله أعلم ما هو الحامل للشارح على وضع هذا، هل تقرباً إلى بعض المخالفين، أم هو يميل إلى مذهب الجبرية: مجوس هذه الأمة؟ ألا استحياء ممن يطلع عليه من علماء القطر اليماني؟! ثم لو كان له طريق إلى مثل هذه، فهلا جعلها في أثناء شرحه فإنه أوسع له من أن يغرر، فذو الوجهين لايكون وجيهاً عند الله، ياخيبتاه ويافضيحتاه وياحسرتاه، ألا يعلم أنه مع هذا تتطرق إليه التهمة في سائر ما زبر، وإن كان لايعلم وإنما وجده في نسخة غريبة فيها هذا المدسوس، فهلا أدرك ذلك بفكرته وأنه بمنأً عن مذهب آل محمد وأتباعهم من العدلية، ثم كيف إن كان هذا عذره أن يبني تأليفه على نسخة غريبة غير مأنوسة من دون أن يقابلها بنسخة معروفة، هل مرامه التأليف والتصنيف لا البناء على أساس، إن هذا لشيء عجاب، من وقف مواقف التهم فلايلومن من أساء به الظن. والله المستعان، وهذا شأن الإكباب على مؤلفات أعداء العترة بل أعداء الله، فلا بد من الوقوع في الحيرة، فويل لمن خذلهم وعاندهم، فالحذر الحذر.(1/347)
[جواب المؤلف على أن نساء النبي لسن مرادات في آية التطهير]
قوله:إلا أنه يعكرعليه أن سياق قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) في نساء النبي صلى الله عليه وآهل وسلم وما تضمنه السياق لا يصح إخراجه من الحكم كالسبب، لأن دخوله قطعي فليتأمل صفحة (466) جديدة وقديمة (321) السطر الاسبع عشر. الخ.
كان التأمل، فظهر أن هذا وهم مركب، فالذي لايصح إخراجه هو السبب المنصوص عليه لاغير على خلاف في ذلك كما هو مشروح في الأصول، وليس في الآية نص ودلالة السياق ظنية، وفي تحويل ضمير الخطاب من المؤنث إلى المذكر تصريح بالخروج عن السياق السابق، وبعد فأخبار الكساء الناصة على أن المراد الخمسة صلوات الله عليهم وآلهم، وعلى إخراج أم سلمة رضوان الله عليها وسائر الأزواج وبالأولى غيرهن متواترة قطعية، فكيف تتعارض القواطع وذلك لايجوز قطعاً عقلاً وشرعاً، وظاهر عبارة الشارح أن السياق يدل على أنهن المرادات فقط كما قد يذهب إليه بعض أهل العناد، وهذا أبعد وأبعد فإنه صريح في رد أخبار الكساء الناصة على علي وفاطمة والحسنين عليهم السلام نصاً صريحاً معلوماً ضرورياً، ولعله أراد أن السياق يدل على إدخالهن معهم لا أنها فيهن خاصة لكن العبارة لاتفيده فليتدبر.. والله تعالى ولي التوفيق. وقال مولانا العلامة الحسن بن الحسين الحوثي رضي الله عنه في ذلك الصفح: لكنه يقال: الضمير في عنكم خطاب لجماعة الذكور ولا يدخل الإناث إلا تغليبا، ولا تغليب إلا مع قيام الدلالة على إرادة دخولهن ولادليل عليها، بل قام الدليل على إخراجهن كما صرحت به أحاديث الكساء: ((أنه قال لأم سلمة لما قالت: وأنا يارسول الله.(1/348)
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: مكانك إنك إلى خير إنك من أزواج النبي. وكذا قاله لعائشة ولم يدع أزواجه ولاغيرهن بل لف ثوبه على علي وفاطمة والحسنين ثم قال: اللهم إن هؤلاء أهلي وفي بعض الروايات: آل محمد. وفي بعض: أهلي وعترتي)). ولاتفسير فوق تفسيره صلى الله عليه وآله وسلم. فإنه المبين ((لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)) ولم يبين إلا أنهم هو صلى الله عليه وآله وسلم والأربعة، وقد روي من طرق عديدة عن أبي سعيد أنها نزلت الآية في خمسة: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسنين. رواه كثير من المحدثين، فراجع أحاديث الكساء تجد الشفاء، وأما السياق فلم لايجوز أن يقال إن الله لما توعد نساءه صلى الله عليه وآله وسلم على الفاحشة ورغبهن بتضعيف الأجر على العمل الصالح زجراً لهن وترغيباً لئلا يَلْحق محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وصمة أو عيب فأراد الله أن يزجرهن ويهددهن لكونه يريد أن يُطَهِّر رسوله وعترة رسوله ويذهب الرجس عنهم، فلايقع منهم كبيرة ولايلحقهم عيب من أحد سيما المنافقين فإنهم حريصون على تنقيص شأنه صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا سارعوا إلى إشاعة مارميت به عائشة إلى قوله: وأنزل الله في براءتها آيات، فبهذا المعنى وبه ينتظم ارتباط آية التطهير وماقبلها من ذكر الوعيد والوعد للزوجات، وهذا بين لمن تدبر، فكيف يعكر عليه ماذكره الشارح فتدخل الزوجات بفهمنا السقيم من الآية والسياق. ونقول: إن الله أدخلهن، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجهن فينتظمنا قوله تعالى: ((يُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ))(1/349)
وهذا ما سنح للحقير، فنسأله العصمة والتيسير، والحمدلله، وليس الحامل على المناقشة في هذا الكتاب إلا لكونه شرحاً لكتاب إمام الشيعة، ولما كان الشرح منتزعاً من كتب العامة لاجرم حصل الخبط والتخليط، وقد اتسع الخرق على الراقع، والمقصود التنبيه لئلا يغتر مغتر.
انتهى نقل هذه التعليقات المفيدة الرائعة التي أعلنت الحق الصحيح وأشادته بالبرهان الصحيح، ولقد اضمحل بها ماهنالك من التحريفات والتأويلات الباطلة والخرافات العاطلة التي هي سجية المضلين والمخدوعين المنحرفين. فجزى الله هذين العالمين المؤيدين أفضل الجزاء لما قاما به من الحماية عن الإسلام والمسلمين، ولقد صدق فيهما الحديث النبوي: (( إن لله عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي..)) الحديث المشهور، والله ولي التوفيق وهو المستعان والمستعاذ به من الخذلان قال في الأم: وحرر بتاريخ 15/4/1390هـ، كتبه صلاح بن أحمد فليته، وفقه الله.
---(1/350)