قلت: وليس بعد هذا القول الذي قاله الفخر الرازي تعليق لأحد، إلا السؤال عن عقيدته في وحدانية اللّه ونفي الولد والشريك عنه، مادام يجعل من نفي الشيء دليلا على إثباته، وبموجب هذا القول فإن للنصارى والمشركين أن ينتزعوا من قوله تعالى: ((وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)) دليلا قاطعاً بأن له سبحانه ولداً وشريكاً وأن يضيفوا إلى ذلك إثبات الصاحبة له تعالى، بل وإثبات كل مانفاه عنه من السنة والنوم والغفلة واللغوب والظلم والجور مادام النفي دليلاً قاطعاً على الإمكان وبالتالي على الإثبات، وإن تعجب فعجب أن يكون الفخر الذي اتخذ من قوله تعالى: ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)) سلماً إلى القطع بثبوت الرؤية قلباً للحقيقة وعكساً للحجة هو الذي يقول في تأصيلاته بأن دلائل الألفاظ على المعاني لاتتجاوز الظن كما هو صريح في قوله: ((دلالة الألفاظ على معانيها ظنية لأنها موقوفة على نقل اللغات ونقل الإعرابات والتصريفات مع أن أول أحوال تلك الناقلين أنهم كانوا آحاداً، ورواية الآحاد لاتفيد إلا الظن، وأيضاً فتلك الدلائل موقوفة على عدم الاشتراك وعدم المجاز وعدم النقل وعدم الإجمال وعدم التخصيص وعدم المعارض العقلي، فإن بتقدير حصوله يجب صرف اللفظ إلى المجاز، ولاشك أن اعتقاد هذه المقدمات ظن محض والموقوف على الظن أولى أن يكون ظناً )).
فانظر كيف يجعل الفخر دلالة الألفاظ على المعاني الموضوعة لها ظنية، مع جعله دلالتها على ضد تلك المعاني قطعية.(1/311)
والخلاصة من كل ماتقدم أن دلالة الآية الكريمة على انتفاء رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة دلالة قطعية، وكل ماتعلق به القائلون بخلاف ذلك لايتجاوز أن يكون ضباباً من الوهم، لايلبث أن يتلاشى بإشراق شمس الحقيقة ويؤيد نصيتها على ذلك تذييلها بقوله تعالى: ((وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) فإن قوله: ((اللَّطِيفُ)) كالتعليل لقوله: ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)) وقوله: ((الْخَبِيرُ)) كالتعليل لقوله: ((وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ))، والصفتان المذكورتان من صفات ذاته تعالى لاتتبدلان أزلاً وأبداً، أما الخبير فكونه من صفات الذات ظاهر لأنه كالعليم، وأما اللطيف فلأنه كما يقول الإمام ابن عاشور: "صفة مشبهة تدل على صفة من صفات ذات اللّه تعالى وهي صفة تنزيهه تعالى عن إحاطة العقول بماهيته، أو إحاطة الحواس بذاته وصفاته، فيكون اختيارها للتعبير عن هذا الوصف في جانب اللّه تعالى هو منتهى الصراحة والرشاقة في الكلمة لأنها أقرب مادة في اللغة العربية تقرب معنى وصف ذاته تعالى بحسب ماوضعت له اللغة من متعارف الناس.
قوله تعالى لموسى عليه السلام: ((لَن تَرَانِي)) [الأعراف: 143] فإنه نفي مطلق غير مقيد بزمان ولاتبديل لكلمات اللّه، فلو حصلت الرؤية في أي وقت من أزمان الدنيا أو الآخرة لكان ذلك منافياً لصدق هذا الخبر، وتتأكد دلالة هذا لنص على هذا المعنى باندكاك الجبل الذي علقت الرؤية على استقراره اندكاكاً هائلا، ليكون آية بينة تستأصل أطماع المتطاولين على اللّه بطلب أو تمني مايستحيل عليه ويتنافى مع كبريائه، وقد وضح لكل ذي عينين صبح الحق بعدم استقرار الجبل، فلامطمع في حصولها لأنها إحدى المستحيلات". انتهى.
قلت: وهذا كلام متين واستدلال رصين، والحكمة ضالة المؤمن، والله تعالى ولي الهداية والتوفيق.(1/312)
مع السياغي في الروض النضير
[الكلام في حديث أول ما فُرِضت الصلاة]
حاشية في صفحة (246) من الروض النضير الجزء الثاني في قوله بأجوبة ذكروها قال الإمام الأعظم المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى عليهما السلام في المنهاج شرح المعيار: والجواب أن هذا الخبر آحادي ويتضمن من أنواع التشبيه مايدل على أن أكثره موضوع، وأيضاً فإن ذلك يقتضي النسخ قبل إمكان فعله وقبل إمكان العلم بالتكليف به، والخصم يمنع من ذلك لأنه جعل فائدة النسخ قبل إمكان العمل إيجاب العزم والاعتقاد لوجوبه، وهذا يدفع الفائدة بالمرة في كل وجه ولايجوزه الخصم.قلت: وينبغي حمل الخبر على أنه لم يكن قد فرض مازاد على الخمس ولا أمر بها على سبيل الحتم والجزم بل أمر نبيه أن يعرض على أمته التكليف بالخمسين فلما أخبر موسى فهم أنها تثقل عليهم فأشار بما أشار حتى وقفت على الخمس فحَتمها وأمضاها، يدل على ذلك ماروي في آخر الخبر أنه قال: وأمضيت فريضتي هي خمس، وهو محمل حسن.
قلت: والأمر بالعرض على الأمة يجب حمله على أنه موقوف على اختيار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لاعلى سبيل الحتم، لئلا يلزم النسخ فيه قبل إمكان العمل ونحو ذلك، والله تعالى ولي التوفيق. انتهى من خط مولانا شيخ الإسلام مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي حفظه الله.(1/313)
[الكلام في قوله: إحرام المرأة في وجهها]
حاشية من صفحة (220) من الجزء الثاني من الروض النضير طبعة جديدة من قوله: الحمدلله وحده..اعلم أن كلام الشارح المحقق في هذا البحث غير محرر ففيه قلق وانضراب فقوله: إحرام المرأة في وجهها.. الخ ليس فيه حصر.. الخ.
قلت: يقال: الإحرام جنس مضاف وهو من ألفاظ العموم كما ذكروه في الأصول فكأنه قال: كل إحرامها في وجهها، وذلك مفيد للحصر. وقوله في اللفظ الثاني: والظاهر أن القصر فيه للقلب وهو حقيقي. هذا غير صحيح إذ قصر القلب إضافي وهو قسيم للحقيقي كيف يكون إياه. وقوله: ويحتمل أن القصر للتعيين أيضاً من حيث توهموا أنه يجب عليها كشف الرأس والوجه.. الخ.
وهذا عجيب أيضاً فإن ذلك مثال للإفراد لا للتعيين، وإنما يخاطب بالتعيين المتردد بين أمرين، والحاصل أن القصر ينقسم إلى حقيقي وإضافي، والإضافي إلى قلب وإفراد وتعيين، والحقيقي تحقيقي وادعائي، وهذه الخمسة مضروبة في اثنين قصر موصوف على صفة والعكس، هذه عشرة أقسام: فالحقيقي التحقيقي كقولنا: لاإله إلاالله،ولاقديم إلا الله، ونحو ذلك. والإدعائي نحو: إنما العالم زيد، ونحو ذلك من المبالغة. أما الإضافي: فهو باعتبار المخاطب، فإن اعتقد أن القائم زيد لاعمرو فيقال له: إنما القائم عمرو. حيث كان كذلك وهذا هو القلب، وإن اعتقد أنهما قاما فيقال له: إنما القائم زيد أي: لاهما، وهذا هو الإفراد. وإن تردد في القائم منهما قيل له: إنما القائم زيد، أي: لاعمرو، وهذا هو قصر التعيين، وهذا لقصد إيضاح المقام وإلا فهو معروف لمن له بهذا الفن إلمام، والله تعالى ولي التوفيق والإنعام. تمت من المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد المنصور المؤيدي غفر الله تعالى لهم.(1/314)
التعليق على منتهى المرام في شرح آيات الأحكام
[تصحيح المؤلف حديث ((أن رجلا سأل الرسول (ص) عن العمرة أهي واجبة؟ قال: لا وأن تعتمر هو أفضل)) الحديث]
قال شيخنا أبوا الحسين مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، في تعاليق على منتهى المرام من قوله ص(61): قد اتفق أهل الحديث على ضعف هذا الحديث، وهو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العمرة أهي واجبة؟ قال: لا، وأن تعتمر هو أفضل ...إلخ.
يقال: بل هو صحيح، فقد رواه الإمام الأعظم زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام بلفظ: لا، ولكن أن تعتمر خير لك، والعجب أن كثيرا من الأصحاب يكبون على كتب العامة، ولا يمعنون النظر في كتب العترة عليهم السلام، كمجموع الإمام الأعظم زيد بن علي، وأحكام الإمام الهادي إلى الحق، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهم السلام، وغيرها، وذلك قصور أو تقصير والله تعالى المستعان.
[الكلام في شروط النكاح]
وقال صاحب منتهى المرام في شرح آيات الأحكام ص 94: قلت: حديث مَعْقِل وأبْيَنُ منه ما أخرجه ابن أبي شيبة إلى أن قال: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. إلى أن قال: فالسلطان ولي من لا ولي لها.. )) الخ.
قلت: يقال: الصريح الأبين مارواه الإمام الأعظم زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام: لانكاح إلا بولي وشاهدين. ويظهر أن المؤلف يعدل عن مثل هذا لأنه موقوف على أمير المؤمنين عليه السلام، إما لأجل الاحتجاج على الغير الذين لايقولون: بأن له حكم المرفوع، أو لأن مذهبه ذلك، والحق أن قول علي عليه السلام: حجة له حكم المرفوع، وهو قول جمهور العترة عليهم السلام للأخبار المعلومة نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مع الحق )) وهو يعم الأصول والفروع، وقد استوفى الاحتجاج على ذلك والد المؤلف الحسين بن القاسم عليهما السلام في شرح الغاية وغيره، واستكملت البحث في لوامع الأنوار والله تعالى ولي التوفيق.(1/315)