مع الجلال في فيض الشعاع
تأليف
الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
مع الجلال في فيض الشعاع
وفي صفح (4) من فيض الشعاع للحسن بن أحمد الجلال قوله: على حرمة التفرق في الدين.
قلت: يقال: التفرق المحرم في الدين هو التفرق في أصول الدين وهو الذي أرسل الله تعالى به رسله وأنزل به كتبه ولم تختلف فيه الشرائع الإلهية والكتب السماوية وهو توحيد الله تعالى وعدله والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وأما في فروع الشريعة ومسائل الاجتهاد الظنية فلاحرمة ولا إجماع ولافرقة في الدين، والأمة مجمعة أن ليس على المجتهد إلا إبلاغ الجهد في النظر، والأمة المعتد بها مجمعة على عدم التأثيم في الاختلاف في المسائل النظرية، وإنما الاختلاف في أن كل مجتهد مصيب أو أن الحق واحد والمخالف له معذور، إذا حققت هذا اتضح لك البطلان والاختلال لما قعقع به ولفقه المحقق العلامة الحسن الجلال.
وفي صفح (5) منه أيضاً قوله: العمل بالقياس.
قلت: يقال: القياس أحد الأدلة التي دل على حجيتها والعمل بها الكتاب والسنة وكل ذلك مبسوط في محله من الأصول، وكان عليه على مقتضى تأصيله هذا أن يحرم العمل بالآحاد من السنة والأخذ بالدلالات الظنية من الكتاب، بل والبحث عن معاني الكتاب لأن ذلك مما يفضي إلى الاختلاف، ليصح إغلاق الباب وخروج الدجال على هذا المنوال من ظفرات الجلال، ولولا ضيق الوقت وترادف عوامل الأشغال عن توسيع دائرة الجدال، لكان استيفاء الكلام لتستقي _أيها الناظر بعين البصيرة_ من النمير الزلال، عصمنا الله تعالى وإياك والمؤمنين من الزيغ والضلال.
وقوله أيضاً: والكتابة وإن كانت مما يرجع إلى بدعة التأصل.
قلت: يقال:
فمالك ياهمام دخلت فيه…كأن دخولكم من غير نِيَّة
وكذلك الجدال بالحاصل من ذلك وأيضاً الدعاء إلى تقليد الميت، لأنك تريد قطعاً أن تتبع وتقلد في أنظارك هذه، وإلا فلماذا أمليتها؟ ولقد أعيت عليه المذاهب وانسدت المسالك.(1/301)


والحق أبلج ماتخيل سبيله …والحق يعرفه ذووا الألباب
وفي صفح (43) منه أيضاً سطر (12) قوله: ولأن حجة الكفار إنما تنتهض لو أردنا بالضرورة البديهية، أما إذا قلنا: إنها ضرورة متوقفة على شرط عادي هو الإلتفات إلى دلالة الأنفس والآفاق والمعجزات كما يتوقف العلم التواتري على سماع أخبار التواتر، فلايلزم ذلك لأنهم يؤتون من جهة أنفسهم في عدم تحصيل الشرط. الخ.
قلت: يقال: وبهذا يبطل كلما زخرفه ويضمحل جميع ماروقه وزيفه، فقد عاد إلى تسليم الاحتياج إلى الاستدلال بالعقل القويم والنظر السليم وملاوذته بأنه شرط عادي أو ليس ببديهي لاتجدي شيئاً، إذ قد سلم الاحتياج إلى الاستدلال، ودعواه أن ذلك شرط عادي كسماع الأخبار في التواتر باطلة بالضرورة للفرق المعلوم بين الشرط العادي كسماع الأخبار وتقليب الحدقة وبين الاستدلال بدلالة الأنفس والآفاق. وذلك واضح لمن ألقى السمع وهو شهيد، ويا لله العجب من تهافت أنظار ذوي الأنظار مثل هذا العالم النظار، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقوله أيضاً: حتى يعلم أن خالقه عدل.. إلخ.(1/302)


قلت: ومن هنا يعلم أن القصد بهذا المغالطة بل السفسطة والتشكيك في الضروريات، فالمعلوم ضرورة أن دلالة العقل لاتتوقف على ذلك وإلا لما استدل به العقلاء على شيء أصلا، ولما عرف الشرع أصلا، وقد علم بطلان ذلك بقوله: فيعود الجميع بلاعقل ولاميزان. ((وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)) [النور:40] ولو لم يكن العقل حجة الله سبحانه وتعالى العظمى على عباده لما كرر الاحتجاج به وملأ بذلك القرآن ((أَفَلَا يَنظُرُونَ)) ((مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [الرعد:4]. وأما الحل الذي ذكره فبطلانه بالضرورة أوضح من أن يحتاج إلى برهان، ولو كان كذلك لما اختلف فيه العقلاء، وحكى الله سبحانه وتعالى عن أكثرهم عدم الإيمان والشك والارتياب، ولكان كل كافر بعد العلم معذوراً، ولما تحداهم بالإتيان بمثله، ولما قال: ((وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ)) [البقرة:23] ((إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ)) ولاكان لذلك معنى، وهذا تنبيه بحسب مايقتضيه المقام، والله تعالى ولي التوفيق والإنعام.
وفي صفح (46) منه قوله: وقد طال هذا البحث.. إلخ.
قلت: ولكنه بغير طائل بل هو أشبه شيء بلمع السراب الزائل، فالمعلوم بالضرورة التي لاتنتفي بشك ولاشبهة أن المعجز لايحصل العلم به الضروري وإلا لما اختلف فيه العقلاء ولاكذب به أكثر الأمم، ولو فرض وقدر على استحالته أنه يدل على وجود الصانع عز وجل ضرورة فلايدل قطعاً على عدله وحكمته ولاعلى صدق وعده ووعيده، ولو كان يدل بالضرورة لما وجبت المعرفة على الخلق إذ الضرورية من فعل الله سبحانه وتعالى، ولما جاز توجه اللوم على كافر بالله تعالى لعدم علمه أصلا، وقد لاوذ المصنف للتخلص من هذا حيث قال في صفح (43): وأما إذا قلنا إنها ضرورة متوقفة.. الخ.
قلت: ولكنها ملاوذة غير مخلصة. وكذا قوله في هذا الصفح: ولو سلم بقاء تجويز الكذب.. الخ.(1/303)


قلت: يقال: فكيف تكون الثقة والقطع بالصدق مع التجويز لخلافه؟ وكيف يوصف بالإيمان من ليس عنده جزم من تصديق الله تعالى ورسله صلوات الله وسلامه عليهم؟ وهكذا عند التحقيق يتضح بطلان أكثر ماهذى به وقعقع المؤلف كافاه الله تعالى، والله تعالى ولي التوفيق.
والحق أبلج ماتخيل سبيله …والحق يعرفه ذوو الألباب
ومنه أيضاً صفح (52) قوله: لاينكر مسلم أن الكتابة من أعظم النعم إلى قوله: إنما المنكر أن يكتب بها المعنى الذي اشتمل عليه قوله تعالى: ((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ..)) الخ الآية.
قلت: يقال: ألم تقل قبل هذا بأسطر: إذا تحققت استقرار الخلاف في جواز كتب كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعمل الذي لاينطق عن الهوى.. الخ، ألم تقرر قبل ذلك بقاء النهي عن الكتابة وتضعف التخصيص وترد الإجماع؟ إن هذا لشيء عجاب!.
وقوله أيضاً: لزم حرمة كل ما أوصل إليها.. إلى آخره.
قلت: يقال: هذا غير صحيح، فلم يحرم الندا الموصل إلى استهزاء الكفار المحرم قطعاً حيث قال تعالى: ((وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا..)) [النساء:58] الآية، ولم تحرم تلاوة آيات الله على الذين يزدادون بها كفراً، ولم يحرم الدعاء لمن يولي بسببه مستكبراً، ولم يحرم إنزال الآيات التي يزدادون بها كفراً كما قال تعالى: ((وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا)) [المائدة:64] وإنما حرم من الوسائل مايكون المفسدة التي تحصل به أكثر من المصلحة.
وقوله أيضاً: وحقق إطباق علماء الأعصر الأخيرة على مقارفتها ما ذهب إليه بعضهم من أن إجماع المتأخرين ليس بحجة.. الخ.(1/304)


قلت: يقال: بل تحقق أن ماتوهمته حراماً غير صحيح، إذ إجماع الأمة حجة في الأعصر الأولة والأخيرة، إذ لم تفصل الأدلة بين إجماع وإجماع، ثم يقال: إلى أي الأعصر يكون الإجماع حجة؟ ومن أين حد الأعصر الأخيرة؟ ثم بماذا تنسخ حجة الأعصر الأخيرة؟ إن هذا لبين البطلان، ومما لم ينزل الله به من سلطان، وليس مثله مما يخفى على هذا العلامة النظار، ولكنه من ظفراته العجيبة ونظراته الغريبة التي يموه بها على ذوي المباديء والأفكار القريبة، وماهي إلا كسراب بقيعة.(1/305)

61 / 83
ع
En
A+
A-