قلت: يقال: قد أجيب عليه بمايفيده في هذه المسألة وغيرها، ولايلزم أن يجاب بمايقتصر على المسألة بعينها، بل في ذلك زيادة فائدة. فقوله عليه السلام: إنه قد أُخذ عليه ترك الزيادة كما أُخذ عليه ترك النقصان والزيادة تفسدها كما يفسدها النقصان على بعض الوجوه. قلت: يقال: لاسواء فإن النقصان يفسدها على كل حال سواء نقص عمداً أم سهواً ولم يفعله، فأما الزيادة فإنما تفسدها مع العمد، والذي وَهِم لم يتعمد الزيادة على الواجب وإنما أراد إتمامه فلو تيقن الزيادة بعد ذلك لم يفسدها بالاتفاق، وقد احترس الإمام عليه السلام عن ذلك بقوله: على بعض الوجوه، وقوله: فلايجب على هذا أن يكون الباني على الأقل مؤدياً للفرض حسبما أُمر به على اليقين. قلت: يقال: بل قد أداه على ما أُمر به في الأخبار الصحيحة، وقد احترس الإمام عليه السلام بقوله: فلايجب على هذا، فتأمل رمزات الإمام عليه السلام الخفية، وتأويل الإمام عليه السلام بأن المراد باليقين استئناف الصلاة في حق من تعذر عليه التحري لايصح لأن الاستئناف ليس ببناء ولاتمام، فمعنى البناء الاستمرار على ماسبق قطعاً، والخبر: ((دع مايريبك))، شاهد للبناء على اليقين لاعلى غيره. ثانيهما: أن المراد بالتحري على فرض التسليم أنه لايراد به البناء على اليقين هو في حق من لايستطيع أن يبني على اليقين، بل كل مازاد تشكك كما هو معروف في كثير ممن تغلب عليهم الأوهام والشكوك كما حملوه على من تعذر عليه التحري، فالبناء على اليقين هو أولى وأحوط لما فيه من العمل بالأخبار الصحيحة وللخروج عن عهدة الواجب بيقين مع أن الزيادة غير المتعمدة غير مفسدة، ولامعنى للنظر بعد ورود الأثر، ولايخفى على الإمام المؤيد بالله عليه السلام مثل هذا، ولكنه كما ذكرنا قد يستدل بما أمكن وإن كان غير راجح عنده وخلاف مذهبه، هذا معلوم لاشك فيه، وما القصد إلا التنبيه على الصواب، وإلى الله سبحانه المرجع والمآب.(1/291)


مع ابن الأمير في سبل السلام

[شرح حديث حذيفة ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة))]
حاشية على قول الأمير في سبل السلام: وهذا من شؤم تبديل اللفظ النبوي.. الخ صفح (39) قبل آخر سطر بسبعة أسطر في طبع سنة (1375 هـ) الجزء الأول شرح حديث حذيفة: (( لاتشربوا في آنية الذهب والفضة )) .
قلت: يقال: حاشا علماء الإسلام وذوي الحل والإبرام، وحفاظ شريعة سيد الأنام عن تبديل اللفظ النبوي بغير معناه، أو العدول عن عبارته وهجر العبارة النبوية، وأن يجيئوا بلفظ من تلقاء أنفسهم، فمثل هذه القعقعة والتشنيعات المصطنعة ليس من دأب الأعلام الفحول ولاتنفق إلا على قاصري الأفهام وذوي العقول، والواقع والحقيقة عند من له أدنى بصيرة أن ليس الأمر كما ذكر من التبديل والهجر، بل مستند من قضى بتحريم الاستعمال هو أحد أمرين: الأول: قياس سائر الاستعمالات على الأكل والشرب بجامع الخيلاء كما قد صرح به في نقله، والقياس طريق من طرق الاجتهاد في الشرع الشريف. والثاني: بما ورد من تحريم الذهب نحو حديث أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي إحدى يديه ذهب وفي الأخرى حرير فقال: ((هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها )) رواه في الشفا، وأخرجه أبو داود والنسائي عنه بدون ذكر: ((حل لإناثها)). وفي الجامع الكافي قال محمد: روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن كثير من الصحابة وعن العلماء من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((الذهب والديباج والحرير حرام على ذكور أمتي حلال لإناثهم )) . وفي ذلك أخبار كثيرة، وهذه مسألة معروفة في أصول الفقه, وهو أن التحريم ونحوه لاتعقل إضافته إلى الأعيان فالصحة العقلية تقتضي مقدراً من أفعالنا، فمنهم: من اختار كونه عاماً إذ لامخصص لِمُقَدِّر دون مُقَدَّر إلا بدليل فيقدر في مثل هذا كل أفعالنا من أكل وشرب ولبس وغير ذلك(1/292)


فيدخل كل الاستعمالات إلا ماخصه دليل، ومنهم: من يقدر المتعارف المفهوم فيقول في مثل: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ))[المائده:3] المراد الأكل و((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)) [لنساء:23] المراد النكاح وهكذا.
ومنهم من قال: إن ذلك مجمل إذ الضرورة لاتوجب إلا مقدراً واحداً ولامخصص، فهذا هو الذي أوجب ذلك ولاشؤم ولاتبديل ولاتحريف ولاتغيير، والواجب حمل علماء المسلمين على السلامة، ولا حرج في إبداء الرأي من دون إزراء ولاتبديع ولاتضليل لعلماء المسلمين ونسبة أشياء إليهم هم عنها برآء، ومن العجب قوله: فإنه ورد بتحريم الأكل والشرب فقط. مع أنه قد ورد غير ذلك كالخبر الذي سبقت الإشارة إليه، وكخبر تحريم التختم بالذهب مع قوله في الخبر نفسه الذي رواه حذيفة: (( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة )) يؤخذ منه العموم إذ قد قصر حلها لنا في الآخرة، فيفهم منه تحريمها علينا في الدنيا والتحريم يحتاج إلى مُقَدَّر.
[شرح حديث ((يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام))]
ومن صفح (53 من سبل السلام) طبع مصر سنة (1357 هـ) في شرح حديث: (( يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام )) .قوله: وللعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب الأول للهادوية والحنفية والمالكية: أنه يجب غسلها كسائر النجاسات قياساً على سائر النجاسات. وتأولوا الأحاديث وهو تقديم للقياس على النص.. الخ.
قلت: بل تقديم للعمل بعموم النص الوارد في خبر عمار الذي صححه أئمة العترة عليهم السلام وسائر الأدلة الدالة على نجاسة البول على العموم كحديث عذاب القبر والإجماع على نجاسة البول في الجملة وتأولوا هذه الأخبار الضعيفة وذلك هو الذي يقتضيه الاحتياط، ولاوجه لهذا التطليح كما يعرف ذلك ذو النظر الصحيح واللب الرجيح.(1/293)


[جواب المؤلف على قول ابن الأمير: فالأحسن أن يقال: إن قول الراوي أمره أن يعيد الوضوء أي غسل ما تركه]
وفي صفح (80) طبع مصر قوله: فالأحسن أن يقال: إن قول الراوي أمره أن يعيد الوضوء أي غسل ماتركه.. الخ.
قلت: لم يذكر دليلا يوجب التأويل المذكور، ولو نظر المؤلف إلى كتب أهله _أهل البيت_ لوجد مايغنيه عن التكلف، ففي شرح التجريد للإمام المؤيد بالله بالسند الصحيح إلى جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السلام. قال: بينا أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسان في المسجد إذ أقبل رجل من الأنصار حتى سلم وقد تطهر وعليه أثر الطهور، فتقدم في مقدم المسجد ليصلي، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جانباً من عقبه جافاً. فقال لي: ((ياعلي هل ترى ما أرى؟ قلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ياصاحب الصلاة إني أرى جانباً من عقبك جافاً فإن كنت أمسسته الماء فامض في صلاتك، وإن كنت لم تمسسه الماء فاخرج من الصلاة. فقال: يارسول الله كيف أصنع أستقبل الطهور؟ قال: لا بل اغسل مابقي. فقلت: يارسول الله لو صلى هكذا كانت مقبولة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا حتى يعيدها )) .
وفي الجامع الكافي عن علي عليه السلام قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يصلي وساق الخبر.. إلى قوله: ((أستقبل الطهور؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا، بل اغسل مابقي )) . انتهى.(1/294)


[جواب المؤلف على ابن الأمير في قوله: وهو تقديم للقياس على النص]
حاشية أخرى على قوله: وهو تقديم للقياس على النص من صفح (53) في شرح حديث أبي السمح في سبل السلام.
قلت: يقال: ليس عمدتهم في ذلك القياس أصلا، وإنما استدلوا بالأخبار الدالة على نجاسة البول على العموم، ولم يصح لهم التخصيص لضعف سنده واحتماله على أن كثيراً من علماء الأصول لاسيما قدماء أئمة العترة عليهم السلام من سلف المؤلف الذين يتجاهل مؤلفاتهم وتحقيق مذاهبهم يقولون بوجوب تأويل الخاص إذا كان العام قطعي السند. وقد بسطت الكلام على ذلك في فصل الخطاب بما لايحتمله المقام، والمسألة مستوفاة في محلها من الأصول، والعمومات هي أحاديث عذاب القبر من البول وقد رواها الإمام الأعظم زيد بن علي عليهما السلام والستة إلا الموطأ وخبر عمار رضي الله عنه الذي أعرض عنه المؤلف صفحاً وطوى دونه كشحاً، لأن بعض القوم قد قدح فيه ولم يأتوا على ذلك بحجة وإنما جرحوا الراوي لمخالفته لهم في المذهب وهو مردود بإقرارهم وبعض الجرح تعديل، وقد قبله أعلام العترة عليهم السلام والقول ماقالت حذام، وطريقة المؤلف معلومة في مجانبته، فلاتراه يروي خبراً من مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام، ولامن أمالي الإمام أحمد بن عيسى، ولا من أحكام الإمام الهادي إلى الحق، ولا من شرح التجريد للإمام المؤيد بالله، ولامن شرح التحرير للإمام أبي طالب، ولامن أمالياتهم ولا من غيرها من مروياتهم عليهم السلام لاتحس لها في شرحه هذا ولاغيره من مؤلفاته ذكرا، ولاتسمع لها عنده ركزا، مشياً على منهج خصومهم المعرضين عن علومهم، واللوم له ألزم، والعَتْب عليه أعظم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/295)

59 / 83
ع
En
A+
A-