مع الإمام القاسم بن محمد (ع) في رسالة التحذير

من صفح 19 في رسالة التحذير وأما قولهم: يلزم أن يسمى الله تعالى معيناً على المعاصي لإعطائه لهم ما استعانوا به على ظلمهم فمعارض بأنه يلزمهم أن يسموا الله مقوياً على المعصية لأنه خالق القوى للعاصين وغيرهم ولامحيد لهم عنه، حيث جعلوا شبه ذلك لازماً، وأما نحن فنقول: إن الله سبحانه لايجوز أن يجرى له من الأسماء إلا ما تضمن مدحاً. قلت: يقال: هذان الجوابان غير مقنعين، أما الأول: وهو قوله: فمعارض بأنه يلزمهم أن يسموا الله مُقَوِّيا. فهو إلزامي غير مفيد للحل. وأما الثاني: وهو قوله: أما نحن فنقول: إن الله سبحانه لا يجوز أن يجري له من الأسماء إلا ما تضمن مدحا .. الخ
قلت: فنقول: إن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن فعل القبيح سواء اشتق له منه اسم أم لا، والحل هو ما أشار إليه عليه السلام سابقاً في صفح (12) بقوله: لأن تمكين الله العصاة إنما كان ليصح التكليف وتنسب الطاعة للمطيع إلى آخره. نعم فلما كانت المصلحة أعظم من مفسدة الإعانة رجحت عليها وصيرتها مصلحة خالصة، وذلك كقطع اليد المتآكلة وشرب الدواء الضار والكي والفصد، لم يعتد بما فيها من المفاسد والأضرار بجنب مافيها من المصالح العظيمة ودفع المفاسد الكبيرة، والذي يظهر والله أعلم أن يقال: قد علم تحريم إعانة الظالم بنصوص الكتاب والسنة سواء قصدت الإعانة أم لا مهما وقع الفعل وعلم أن فيه إعانة، ولاتشترط النية إلا في الطاعات أما المعاصي فلاتشترط فيها النية، فمن شرب الخمر ليتقوى بها فهو عاص وإن لم يقصد المعصية، ومن قتل مؤمناً ليجرب سلاحه فهو قاتل وإن لم يقصد قتله لكونه مؤمناً، وهلم جرا في جميع المعاصي.
وقد استدل الإمام القاسم عليه السلام على أن الإعانة لايشترط فيها القصد بما فيه الكفاية.(1/286)


هذا وقد علم جواز بعض الأفعال التي فيها إعانة لاتضر بالمسلمين لما فيها من المصالح الكبيرة بنص القرآن الكريم نحو قوله تعالى: ((لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ)) [الممتحنه:8] إلى قوله: ((أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)) [الممتحنه:8] وقوله تعالى: ((وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ)) [المائده:5] والمعلوم أن في البر والإقساط إليهم وإطعامهم الطعام إعانة لهم ومنفعة، وعمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمعاملتهم بالبيع والشراء وإطعامهم وغير ذلك مما لايضر بالمسلمين، وكإعطاء المؤلفة قلوبهم حتى ضرب الله لهم سهماً في القرآن وإن كانت في ذلك إعانة لهم فهي يسيرة مضمحلة في جنب مابها من المنافع العظيمة والمصالح الجسيمة بقتالهم مع المسلمين أو دفع ضررهم، ولهذا قصر أئمة أهل البيت التحريم في البيع منهم على الكراع والسلاح ونحوه مما فيه إضرار بالمسلمين، ويستثنى من هذا ما ورد النص عليه بخصوصه كالجباية المنصوص عليها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من جبى درهماً لإمام جائر كبه الله على منخره في النار) وكذا تسليم الأموال الجسيمة التي بها تستقيم دولة الظلمة ولاسيما أموال الله التي جعلها للفقراء والمساكين وسائر المصارف الشرعية وجعل ولايتها إلى من ولاه الله أمر المسلمين، فإن إعطاءها الظلمة مع العلم أنهم يستعينون بها على الفساد في الأرض والطغيان وقتال أهل الحق وقتل أولياء الله تعالى وإهلاك الحرث والنسل وشرب الخمور وسائر أنواع معاصي الله تعالى قبيح عقلا وشرعاً، وفي ذلك أعظم إعانة لهم على الإثم والعدوان بل مشاركة لهم في الفساد والطغيان وهو من أعظم الركون إليهم الذي نهى الله تعالى عنه في كتابه بقوله تعالى: ((وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)) [هود:113] والركون: هو الميل اليسير، وأي ميل أعظم من إعطائهم الأموال الجزيلة التي بها يتم(1/287)


إقامة دولتهم وبغيهم في الأرض، وفي إعطائهم الأموال بالاختيار الموادة لهم والله تعالى يقول: ((َلا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) [المجادله:22] الآية. وماروته الحشوية من الأخبار معارضة للكتاب والسنة وإجماع أهل البيت عليهم السلام، وإنما أجاز بعضهم الدفع إليهم بالإكراه والإجبار لا بالاختيار، وأما عدم أمر أئمة الهدى بإعادة الزكاة على من دفعها إلى الظلمة فهو لأجل الإكراه، وكيف يقال إن الله سبحانه وتعالى أمر بدفع أمواله إليهم وقد أمر بقتالهم بقوله تعالى: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) [الحجرات:9] وقال تعالى: ((لايَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) [البقره:128] وأي عهد أعظم من أمر العباد أن يدفعوا إليهم الأموال التي بها يتم سلطانهم وطغيانهم، والعهد عام لأنه جنس مضاف كما هو معلوم، وبهذا يعلم أن التعميم في الترخيص أو في المنع غير صحيح، وأن التمييز بين المحرم من ذلك والجائز راجع إلى المضار والمفاسد، ويرجع المكلف في ذلك إلى علمه وتمييزه ودينه، وعلى الجملة الأصل التحريم والمنع إلا ماعلم تخصيصه مما ليس فيه إضرار بالمسلمين، والواجب الاحتياط والتحري لما في ذلك من الخطر، والمؤمنون وقافون عند الشبهات، والله تعالى ولي التوفيق. تمت من أنظار مولانا شيخ الإسلام مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله.(1/288)


مع الإمام المؤيد بالله (ع) في شرح التجريد

القنوت
من صفح (169) ج (1) قوله عليه السلام: وقد ذكرنا في مسألة الوتر، ماورد في قنوت الوتر وبينا منها الوجه الذي من أجله اخترنا أن يكون القنوت بعد الركوع، وحديث أنس يصرح بذلك، وكذلك حديث ابن ضميرة عن علي عليه السلام.
قال أيده الله تعالى: روى الإمام الأعظم زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنه كان يقنت في الفجر قبل الركوع، وفي الوتر بعد الركوع، ثم قنت بالكوفة في الوتر قبل الركوع. وروى محمد بن منصور رضي الله عنه في أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام بسنده عن علي عليه السلام أنه قال: القنوت قبل الركوع في الفجر والوتر. رواه عن الحارث عن علي عليه السلام، وروى بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام، وعن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عليه السلام قال: القنوت في الفجر والوتر بعد القراءة وقبل الركوع. وكل ذلك برواية الرجال الأثبات الثقات.وفي الجامع الكافي عن الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام: وأما أنا فأقنت قبل الركوع، ثبت لنا ذلك عن علي عليه السلام وعن أبي جعفر وزيد بن علي. انتهى. وقد ثبتت الرواية الصحيحة به قبل الركوع وبعده، إلا أنها قبل أكثر وأرجح لاسيما في الجماعة لأجل اللاحقين والله تعالى ولي التوفيق.(1/289)


الشك في الصلاة
من صفح (193) ج (1) قوله عليه السلام: فإن قيل: روى عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فلم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فليبن على اليقين وليدع الشك..) الخ.
روى الإمام زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام في الرجل يهم في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثاً أم أربعاً فليتم على الثلاث فإن الله لايعذب بمازاد من الصلاة. وخبر أبي سعيد رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرج البيهقي وأبو داود عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل خبر أبي سعيد الخدري وغير ذلك.
قلت: فهذا الخبر الصحيح الذي رواه الإمام الأعظم، عن آبائه عليهم السلام صريح في البناء على اليقين، وخبر التحري الذي لايبلغ هذه الدرجة أولى بأن يتأول على وجهين: أحدهما: أنه يتحرى _أي يقصد الذي هو الصواب_ كما هو في لفظ الخبر، فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب وهو البناء على اليقين، وقد ورد التحري بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: ((فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا)) ومعنى التحري: هو طلب أحرى الأمرين أي: أولاهما بالصواب، والبناء على اليقين هو أصوبهما بنص الأخبار الصريحة التي لاتحتمل التأويل، وقول الإمام عليه السلام المطلوب بالتحري هو غالب الظن دون اليقين. قلت: غير مسلم أنه معناه في جميع موارده بدليل الآية ((تَحَرَّوْا رَشَدًا)). وقوله عليه السلام: إنه لايختص بهذه المسألة.. الخ.(1/290)

58 / 83
ع
En
A+
A-