[التعليق على حديث: قال (ص) ((من سب أحد أصحابي فعليه لعنة الله ...)) الحديث]
من صفح (404) ج (2) قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من سب أحد أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لايقبل الله منه صرفاً ولاعدلا )) ..الخ
قلت: اعلم أن معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأشباههم أول داخل في هذا اللعن النبوي، لأنهم سبوا أعظم السب أول أصحابه السابقين أمير المؤمنين وأخا الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم بإجماع الأمة، بل قرروا سبه على فروع المنابر، فهم أول مراد بهذا وأمثاله، فياعجباه لمن يدعي السنة ويقصد الذب عن هؤلاء بتوجيه الوعيد الوارد عليهم الذين هم أول مقصود به وداخل فيه إلى من تكلم فيهم، إن هذا لحيف شديد وزيغ عظيم، فتأمل أيها المؤمن المنصف ((وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)) [النور:40] وإلى الله ترجع الأمور.
[الكلام في معاوية بن أبي سفيان]
من صفح (405) ج (2) قوله: قال رجل للمعافى بن عمران: أين عمر بن عبدالعزيز من معاوية؟ فغضب، وقال: لايقاس بأصحاب النبي أحد معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله.
قلت: العجب ممن يدعي العلم ويقول إنه متبع للسنة ويتكلم بمثل هذه الأقوال الملبسة التي لاتغني من الحق شيئاً، ويريد أن يعارض بها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فنقول: معاوية عدو الله وعدو رسوله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام في الخبر المتواتر: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )) ، معاوية منافق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي في الخبر المعلوم المجمع عليه: (( لايحبه إلا مؤمن ولايبغضه إلا منافق )). معاوية رأس البغاة الدعاة إلى النار لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمار: ((تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار )) الخبر النبوي المتواتر.(1/281)
معاوية قاتل عمار بن ياسر وحجر بن عدي والألوف المؤلفة من المؤمنين، وقد قال الله تعالى: ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) [النساء:93].
معاوية مستحق للوعيد بكل آية لعن فيها من اتصف بصفته كقوله عز وجل: ((أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)) ((فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) ((فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)).
وقد استحق المتولون له والمدافعون عنه الوعيد الشديد بمثل قوله تعالى: ((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) [المجادله:22] ((وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)) [المائده:51] ((ويحشر المرء مع من أحب))، فلاتغتر أيها الناظر بقعقعة عمي الأبصار صم الأسماع، فلم يرد الثناء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا على الصحابة الذين آمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه ولم ينقلبوا على أعقابهم ولم يرتدوا على أدبارهم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أخبار الحوض: إنه لاينجو منهم إلا كهمل النعم، وأنه يقول لهم: سحقاً سحقاً لمن غير وبدل. وهي مروية في الصحاح وغيرها مجمع عليها، والله المستعان والمستعاذ به من الخذلان، وقد سبق في الجزء الأولمن لوامع الأنوار على نصيحة المؤلف مافيه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.(1/282)
مع الإمام يحيى بن حمزة (ع) في الرسالة الوازعة
[الكلام في التكفير والتفسيق والمولاة]
في صفح (13) من الرسالة الوازعة للإمام يحيى بن حمزة عليهما السلام:
المسلك الأول: وساق فيه إلى أن قال: ولاشك أن التكفير والتفسيق من أعظم الأحكام، فإذا لم تكن فيهما دلالة قاطعة ولابرهان بيِّن وجب التوقف.
قلت: يقال: فلم لم تتوقف أيها الإمام كما قضيت أنه الواجب. اهـ.
قوله في صفح (14): وجوب الموالاة.
قلت: يقال: قد سبق قوله وجوب التوقف، وسيأتي للإمام عليه السلام في صفح (35) أن التوقف أولى وهو لايتفق مع هذا، وسيأتي له أن دلالة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام قاطعة والحق فيها واحد، وأنها ليست من مسائل الاجتهاد، وأن من خالفها مخطيء لمخالفته للدلالة القاطعة، فكيف يصح مع هذا أن نبقى على الأول وهو وجوب الموالاة، وغاية مايمكن أن المعصية محتملة للصغر والكبر وذلك يوجب التوقف لا القطع على الصغر إذ لادليل عليه ولا البقاء على الأصل لوجود الناقل عنه، فتأمل فهذا هو الحق والإنصاف ولايغني جمع الروايات الباطلة الملفقة والقعقعة والإرجاف، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
[الكلام على قتال أهل الردة]
وقوله في الصفح المذكور في المسلك الرابع: وماكان منه عليه السلام من المناصرة والمعاضدة لأبي بكر في أيام قتال أهل الردة.. إلخ.
قلت: يقال: أما قتال أهل الردة فقد كان قتالاً عن حوزة الإسلام، فهو واجب على كل مسلم وفي كل حال ومع إمام وغير إمام، وعلي عليه السلام هو إمام الهدى فكيف لايذب عن الدين الحنيف، وذلك هو الذي أوجب سكوته ومصالحة القوم التي وردت بلفظها في رواية البخاري وغيره فطلب مصالحه أبي بكر.. الخ. ولهذا قال: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعه الإسلام رجعت.. إلخ.(1/283)
[الكلام في خير هذه الأمة بعد نبيها (ص)]
وفي صفح (15) قوله: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر. قلت: اعلم أن هذا وأمثاله لايصح. لمخالفته للنصوص المتواترة المعلومة القاضية بأن أمير المؤمنين وسيد المسلمين عليه السلام خير هذه الأمة وأفضلها وأعظمها عند الله منزلة، وهي مناقضة لما سبق للإمام يحيى عليه السلام ويأتي من أن أمير المؤمنين عليه السلام أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما خصه الله تعالى من الفضائل الظاهرة التي لم يحزها أحد بعده، ولا كانت لأحد قبله، وأن إمامته ثابتة بالنص عليه، وعلى ولديه، وأن فضله على غيره من الصحابة أظهر من نور الشمس إلى آخر الكلام السابق.
[الكلام في أن الإمام بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع)]
وقوله في صفح (24): الحكم الأول: أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن أبي طالب.. الخ.
الحكم الثاني: أن دلالة إمامته قاطعة والحق فيها واحد وليست من مسائل الإجتهاد، فمن خالفها فلاشك أنه مخطيء لمخالفته للدلالة القاطعة.. إلى آخره.
قلت: فمثل هذه الروايات الملفقة المتهافتة لاتقاوم الأدلة المعلومة من الكتاب والسنة وليس ذلك مما يخفى على الإمام يحيى وإنما أراد النكير والإرهاب على أهل الجرأة والسباب بغير دليل، والذي يظهر أن فيها دساً على الإمام فحاشاه عن مثل هذه المناقضة التي لاتصدر عن من له أدنى نظر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/284)
[الكلام في الوصاية]
وفي صفح (16) من الرسالة الوازعة أيضاً للإمام يحيى بن حمزة عليهما السلام: لم يوص رسول الله فأوصي ولكن إن أراد الله بالناس خيراً.. إلخ.
قلت: يقال: كيف يصح هذا أيها الإمام وإمامة أمير المؤمنين عليه السلام عندك وعند جميع أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم قطعية؟ وكيف يصح هذا وأمير المؤمنين عليه السلام أنكر مافعلوه يوم السقيفة واعتزلهم بإجماع الأمة وروايات الصحاح مصرحة أنه لم يبايع لاهو ولاأحد من بني هاشم ستة أشهر، وبعدها طلب مصالحة أبي بكر، هذه رواية البخاري وغيره، وعند أهل بيت محمد صلى الله عليهم وسلم أنه لم يبايع أصلاً. كيف وهو مع الحق والحق معه؟ وكيف تنكر الوصية وهي ثابتة بالنصوص النبوية وإجماع أهل البيت عليهم السلام وأنت أيها الإمام منهم بل لاتزال تقول: وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جميع كتبك؟ وكيف يصح ذلك وهو يقول مخاطباً لأبي بكر:
فإن كنت بالشورى ملكتَ أمورَهم .... فكيف بهذا والمُشيرون غُيَّبُ
وإن كنت بالقربى حَجَجْتَ خصيمهم .... فغيرك أولى بالنبيِّ وأقربُ
مع أن هذه العبارة لايصح مثلها عن أمير المؤمنين عليه السلام لما فيها من الشك في إرادة الله سبحانه الخير، واحتمال أن لايريد منهم ذلك، وهو عين الجبر تعالى الله عن ذلك وهو القائل سبحانه: ((يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)) [البقره:185] ((يريد الله أن يتوب عليكم ويهديكم)) إلى مالايحصى من الأدلة عقلا ونقلا.
فمثل هذا الكلام المتهافت لايمكن صدوره عنه عليه السلام، وهو مما يحقق الوضع في كثير من هذه الرسالة، وهو يناقض نصوصه الصريحة حتى في هذه الرسالة نفسها.(1/285)