وأما قوله: وهذه هفوة المعتزلة الكبرى ومقابلته إياها بهفوة الجبرية في نفي الاختيار، فعجيب جداً، ومتى تأملت ماذكرنا عرفت أنه لامعنى لذلك وأيضاً نسبته إلى المعتزلة وهو لبعضهم غير لائق إذ المقام يقتضي التحقيق في نسبة الأقوال، ولقد نقض المؤلف هذا البحث كله بقوله في صفح (293): ثم إن المعتزلة رجعوا إلى قول أهل السنة في هذا بعد التعسف الشديد في تأويل القرآن والسنة واجتمعت الكلمة في الحقيقة على أن الله تعالى على كل شيء قدير وعلى مايشاء لطيف، ومابقي إلا اللجاج في المراء بين أهل الكلام.. الخ.كلامه.
[ تم بحمد الله نقل هذه الحواشي وقت أذان المغرب يوم الجمعة السادس عشر شهر الحجة الحرام سنة (1395 هـ) وهي مفيدة على إيثار الحق على الخلق كتبه الفقير إلى الله تعالى أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبدالكريم حجر وفقه الله لصالح الأعمال. آمين.](1/266)
مع العامري في بهجة المحافل
حول رؤية الله تعالى
من صفح (131) ج (1) قوله: ورأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه ليلة الإسراء بعيني رأسه.
قلت: اعلم أن الرؤية المقتضية للتكييف ممتنعة على الله سبحانه وتعالى بالاتفاق بين العدلية وغيرهم، والذين أثبتوها من الأشعرية يقولون: بلاكيف، ولهذا قال صاحب الكشاف راداً عليهم:
وجماعة سموا هواهم سنة .... وجماعة حمر لعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا .... شنع الورى فتستروا بالبلكفة
أي قالوا: بلا كيف. قلت: والإدراك بعيني الرأس أو بإحدى الحواس لايجوز على الله جل جلاله قطعاً عقلا وشرعاً. أما العقل: فلأنه يستحيل رؤية غير الجسم والعرض، لأنه لايُرى إلا المقابل أو مافي حكم المقابل وهو مافي الماء أو المرآة، والمقابلة ومافي حكمها تقتضي المكان والتكييف وذلك من لوازم الأجسام والأعراض المستوجبة للحدوث، ولو كان يُرى في حال لرأيناه جل وعلا في الحال إذ الحواس سليمة والموانع مرتفعة.(1/267)
وأما الشرع: فقوله جل شأنه: ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) [النعام:103] فقد جعل الله تعالى من الممادح الإلهية عدم إدراكه المبصرون بالأبصار، فلو كان يدركه أي بصر في حال دون حال أو يدركه أي مبصر لما صح، إذ غيره جل وعلا كذلك فلاخصوصية، فهو من عموم السلب لاسلب العموم كما هو معلوم، وقوله عز وجل لموسى عليه السلام _لما سأل لقومه لا له، فهو أعرف بالله تعالى، وكان ذلك قبل الإذن فلهذا شاركهم في العقوبة_: ((لَن تَرَانِي)) وعلقه على المحال وهو استقرار الجبل حال دكه، والدليل على أن السؤال كان لقومه قوله تعالى: ((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)) [البقرة:55] وقوله تعالى: ((فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء)) [الأعراف:155] الآية، وقوله تعالى: ((فَقَدْ سَأَلُواْمُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ)) [النساء:135] الآية، ففي كل هذا ينسب الله السؤال لقومه فقد ندد الله سبحانه بهم وكرر توبيخهم على ذلك السؤال، فليس إلا لأنهم سألوا مالايجوز على الله سبحانه وتعالى وماهو مناف للإلهية، فلو كان جائزاً أن يدركه مدرك أو يبصره مبصر في أي حال مانزل بهم مانزل، وهذا معلوم لمن عقل، وقد رووا في ذلك روايات فما لم يصح منها فهو مردود وماصح فهو متأول بإطلاق الرؤية على العلم للأدلة العقلية والنقلية والمسألة مبسوطة في محلها، والله تعالى الموفق.(1/268)
[التعليق على قوله: ولهذا اعتزل أسامة الحروب التي جرت بين الصحابة]
من صفح (9) ج (2) قوله: ولهذا اعتزل أسامة الحروب التي جرت بين الصحابة فلم يخالط شيئاً منها. قال الشارح: وممن اعتزلها من الصحابة محمد بن مسلمة وأبو بكرة وعبدالله بن عمر وأبو ذر وحذيفة.. الخ.
قلت: أما أبو ذر وحذيفة رضي الله عنهما فهما ماتا قبل الحروب، توفي أبو ذر عام اثنين وثلاثين، وحذيفة عام ستة وثلاثين بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة وكان يحث أصحابه على اللحاق بأمير المؤمنين عليه السلام وأمر ولديه صفوان وسعيداً باللحاق بالوصي عليه السلام فقتلا بصفين رضي الله عنهما، أفاده ابن عبدالبر في الاستيعاب والمسعودي في مروج الذهب. واعلم أن هؤلاء المدعين للسنة يستحسنون اعتزال قتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع أن النصوص القرآنية والأخبار المتواترة النبوية قاضية بقتالهم قال الله تعالى: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) [الحجرات:9] وقد أجمعت الأمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمار: ((تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار )). والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((علي مع الحق والحق مع علي اللهم أدر الحق معه حيثما دار )). ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)).. إلى غير ذلك مما لايحاط به كثرة، والأمة مجمعة ومنهم هؤلاء المدعون للسنة أن أمير المؤمنين عليه السلام صاحب الحق، وإمام الهدى في تلك الحروب كلها فكيف يحمد من اعتزل الحق وأهله وخذل أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين، نعوذ بالله من الخذلان، هذا ولاتغتر بمازخرفه المُحَشِّي من تأويل الآية بما ليس عليه دليل، فإن ذلك من قسم التحريف والتبديل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/269)
[التعليق على قوله: ومنها هجران أهل البدع والمعاصي الظاهرة]
من صفح (42) ج (2) قوله: ومنها هجران أهل البدع والمعاصي الظاهرة وترك السلام عليهم تحقيراً لهم وزجراً.. الخ.
قلت: ومنها يؤخذ أن خبر: ((ومايدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ماشئتم)) غير صحيح وإن كان في الصحاح، أو أنه ليس على ظاهره أو أنه خاص بالصغائر أي: اعملوا ماشئتم من الصغائر، أي: إن عملوها على سبيل الخطأ في التأويل كما في قصة حاطب، وذلك لأن صاحبي كعب من أهل بدر، وهذا هو الواجب أي: الحمل على ماذكر، لأن صريح الكتاب والسنة قاضيان بالنار والمؤاخذة على أهل الكبائر كالشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل المؤمن والزنا والسرقة ونحوها، ولايعدل عن تلك النصوص القاطعة لخبر آحادي محتمل مخالف ظاهره لحكمة الزجر عن الكبائر ومستلزم للإغراء في حق غير المعصوم إلا من هو في ضلال مبين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[التعليق على قوله: وهذان الحديثان من أدل الدلائل على خلافة أبي بكر]
من صفح (101) ج (2) قوله: وهذان الحديثان من أدل الدلائل على خلافة أبي بكر، والحديثان هما مارووه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة: ((لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائل أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون )) رواه البخاري، وروى مسلم أيضاً عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه: ((ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمن متمن أو يقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر))..الخ(1/270)