[الجواب على قوله: فحين علمنا أن ذلك حقيقة قولهم ...الخ]
ومن صفح (276) قوله: فحين علمنا أن ذلك حقيقة قولهم.. الخ.
قلت: يقال: قد صرحوا كما أفدت في جميع تصرفاتهم بخلافه، فمن أين علمت أن هذا حقيقة قولهم، وإنما صرح واحد منهم وهو الشهرستاني في مقام واحد؟ فمن أين صح حمل جميع تصريحاتهم عليه مع أنه صرح نفسه بأن فعل العبد خلق لله تعالى؟ وهذه الطريقة في التلفيق هي طريقة السيد الحافظ في أغلب أبحاثه وإيراداته في عواصمه وقواصمه وإيثاره أنه يتلمس أي عبارة لأحد المخالفين فيها أدنى رائحة لما يروم نسبته إلى إحدى الطوائف، ثم يبني عليها ويضيف إليها موافقة جميع أهل تلك الطائفة ويعرض بعد ذلك عن صريح نصوصهم وتصريحاتهم التي لاتحتمل التأويل، وهي طريق أوهى من نسج العنكبوت، وقد أفاد ماذكرناه الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير رضي الله عنه في فرائد اللآلي فقد أطنب في الرد على المؤلف، ومما وصفه به أنه يريد أن يجمع بين الماء والنار، وهو شاهد من أهله وهو أعرف به، فمن أراد التحقيق فعليه بمطالعته، وكذا العلامة المفضال أحمد بن صالح بن أبي الرجال في مطلع البدور في ترجمة المؤلف.
والعجب من تنظيره لذلك بتفسير الزمخشري الذي صرح تصريحاً ليس بعده تصريح بأن ذلك مجاز، وكتابه مشحون بذلك، ولقد نقض تأويله هذا الذي قصده لهم بقوله: ولكن هذا منهم مجرد لجاج وشدة مراء وجدل.. الخ.
فتدبر وكن على حذر، _من مثل هذا التخبط والتخليط العجيب _ وخذ الثمر، وخل العود للنار، والله ولي التوفيق إلى أقوم طريق.(1/261)
[الجواب على قوله: وهنا تحقيق بالغ وهو أن مراد أهل السنة في مسألة الإرادة أن يكون الله غالبا غير مغلوب]
ومن صفح (277) قوله: وهنا تحقيق بالغ، وهو أن مراد أهل السنة في مسألة الإرادة أن يكون الله غالباً غير مغلوب.
قلت: يقال: أما هذا فلايخالف فيه مسلم، ولو وقف عليه المخالفون ماوقع النزاع، ولكنهم فرعوا عليه مالايدل عليه ولايلزم عنه، وهو: أن كل واقع في العالم من حسن وقبيح وخير وشر وطاعة ومعصية وإيمان وكفر وفسوق وصلاح وفساد وظلم وإحسان وعدوان فهو بإرادته ومشيئته وقضائه وقدره وأنه عز وجل لايقبح منه قبيح هذا معلوم عنهم بالضرورة، وكم للمؤلف من محاولات في هذا المؤلف وغيره لتلفيق الوفاق بتصيد عبارات، وبتلفيق كلمات وفلتات للبعض منهم لاتدل على الاتفاق، ولقد أداه ذلك إلى المناقضات وتخليط المقالات. ثم يقال له: إن كان الأمر كما ذكرت فما معنى تطويلك بالرد عليهم فيما سبق من الأبحاث وما يأتي، وأين ماسبق لك في صفح (216) من قولك: وأما الأشعرية فقدحوا في الحكمة بأسرها إلى آخره؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى.(1/262)
[الجواب على قوله: ورد عليه أن عالم الغيب يمنع من طلب وحصول ما علم أنه لا يحصل]
ومن صفح (278) قوله: وسر هذا التحقيق أنه لا خلاف أن سبب المعاصي مراد وهو: خلق القدرة والتمكين والتكليف، لكنه ليس بجبر محض، بل الظاهر في سبب الشر أنه شر، فمن نفى الحكمة قال: هو مراد لنفسه، ومن أثبتها قال: لا بد من مراد آخر وهو المراد الأول المسمى: الغرض وغرضه، فمن قال: هو الجنة في حق الكفار، ورد عليه أن عالم الغيب يمنع من طلب وحصول ماعلم أنه لايحصل.
قلت: يقال: هذا عجيب، ألم يأمر العصاة بالطاعة؟ ألم يأمر إبليس بالسجود؟ أوليس الأمر طلباً وأي طلب، وقد سبق التنبيه على الصواب وإلى الله المرجع والمآب.
[الجواب على قوله: فإنهم الجميع قد اتفقوا على نفي الجبر]
ومن صفح (278) قوله: فإنهم الجميع قد اتفقوا على نفي الجبر. إلى آخره.
قلت: يقال: أما الأشعرية والذين يسميهم المؤلف باسم أهل السنة، فإنهم وإن وافقوا في اللفظ فلم يوافقوا في المعنى، وماموافقتهم تلك إلا مراوغة مما لزم أهل الجبر وهي مراوغة لاتجديهم شيئاً فإنهم مجمعون على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وأنه تعالى مريد لكل القبائح وأنه لايقبح منه قبيح، والكسب الذي أثبتوه ليس له معنى على التحقيق، وكذا تلك القدرة الموجبة المقارنة للمقدور التي لاتصلح للضدين وهي التي يعنون بالاختيار، وفيما مر للمؤلف وما يأتي مايناقض هذه التلفيقات التي يتكلفها ويكفيك قوله في صفح (372): وتسموا بالسنية واتسموا بحماتها من أهل البدعة فسلموا لأعداء الإسلام نسبة كل قبيح مذموم إلى الله تعالى وأنه منه لا من غيره،(1/263)
وأن ذلك وجميع أفعاله صدرت منه لغير حكمة ولاعاقبة حميدة، وأنه لايعاقب العصاة لأجل المعصية ولايثيب المحسنين لأجل الإحسان، بل تصدر أفعاله عنه كما تصدر المعلولات عن عللها الموجبة لها, والاتفاقيات والاختياريات من الصبيان والمجانين، وأنه قد وقع منه تكليف المحال، وأنه ليس هو أولى به من تكليف الممكن، وأمثال هذا مما لم تكن الملاحدة تطمع أن يمضي لهم طرفة عين، فقد صار ذلك من آكد عقائد هؤلاء الحماة عن السنة والإسلام يوصون به في المختصرات عموم المسلمين فيوهمون أن ذلك من أركان الإسلام، فلولا أن هذا قد وقع منهم ماكان العاقل يصدق بوقوعه ممن هو دونهم، فنسأل الله تعالى العافية. انتهى.فتدبر فهذا هو عين التحقيق والله ولي التوفيق.
[الجواب على قوله: ولكن أكثر المعتزلة زعموا أن الله تعالى مريد لفعل جميع ما يقدر عليه ...الخ]
ومن صفح (291) قوله: ولكن أكثر المعتزلة زعموا أن الله تعالى مريد لفعل جميع مايقدر عليه من هداية المكلفين واللطف بهم بل اعتقدوا أن ذلك واجب عليه ولأجل اعتقادهم وجوبه عليه قطعوا حين لم يفعله أنه غير قادر عليه.. الخ.
قلت: اعلم أولا أن القائل بوجوب جميع مايمكن من الألطاف هم طائفة من المعتزلة لاكلهم، وقد ذكر المؤلف أنهم أكثرهم، والواقع أنهم ليسوا بأكثرهم ولامعنى للتهويل والتشنيع عليهم بأنهم قالوا بأنه غير قادر عليه،(1/264)
والمعلوم أنهم إنما قالوا: إن الله تعالى لو علم أن اللطف ينفع فيهم لفعله وإنما لاينفع فيهم لأنهم لايقبلونه، واللطف ليس موجباً للهداية، وإنما يكون المكلف معه أقرب إلى أداء ماكلفه، وقد دلت الآيات على أنه لاينفع فيهم شيء لو لم يكن إلا قوله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ)) [الأنعام:111] وقوله تعالى: ((وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ)) [الأنعام: 28] وغير ذلك كثير ومتى كانوا لايختارون قبول اللطف استحال أن ينفع فيهم إلا على جهة الإجبار وهو معنى إلا أن يشاء الله، فإن أجبرهم لم يكونوا مختارين، ومحال أن يكونوا مختارين مجبرين، والمحال لايوصف بكونه مقدوراً فما بقي على هذا إلا تأويل نحو قوله تعالى: ((وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)) [النحل:9] على مشيئة الإلجاء، وأما مشيئة الإختيار فقد شاء ذلك قطعاً بدلالة أول الآية: ((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا)) [الأنعام:148] فإن الله تعالى قد أبطل قولهم ونفى أن يكون عندهم علم وحصرهم وقصرهم على الخرص وهو الكذب وهو يفيد قطعاً أنه لم يشأ إشراكهم، وإذا لم يشأ إشراكهم فقد شاء هدايتهم.(1/265)