والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً، ولكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ماقيل في هذين الحربين، فأما ماعداهما فإنه يجل عن الحصر ويعظم عن الإحصاء والعد، ولولا خوف الملالة والإضجار لذكرنا من ذلك مايملأ أوراقاً كثيرة.انتهى من شرح النهج.
ولولا ضيق المقام لسقت من الأخبار النبوية وأقوال الصحابة والتابعين المروية مايقطع ريب كل مرتاب، وإلى الله المرجع والمآب.
مسألة:
في عدم التفاضل لأجل الصنعة في متفقي الجنس والتقدير
حاشية على قول ابن القيم في ج 3 ص 230 ط 1، وفي ج 3 ص 466 ط 2، فالعاقل لايبيع هذه بوزنها من جنسها.. الخ من الروض.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده أقول وبالله التوفيق. إن مثل هذه التخيلات والتفلسفات التي هي أشبه بلمع السراب لايصح أن يعارض بها نصوص السنة النبوية ومحكم الكتاب ولاتنفق في سوق التحقيق على أرباب الفهم والتدقيق من ذوي الألباب.
أما قوله: إن كانت صناعته محرمة حرم بيعه بجنسه وغير جنسه وبيع هذا الذي أنكره عُبادةٌ على معاوية.. الخ. فقد أجاب عليه الشارح رحمه اللّه وأفاد وإن كان قد تأثر بقياساته الشعرية.
وأما قوله: فالعاقل لايبيع هذه بوزنها من جنسها، فإنه سفه وإضاعة للصنعة، فالشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك.
يقال: إن الشارع لم يلزم الأمة بذلك وقد أجاز له أن يبيع المصنوع بغير جنسه مثلاً الذهب بالفضة أو العكس كيف شاء، ثم يشتري بذلك من الذهب غير المصنوع إن شاء فيستوفي قيمة صنعته ويخرج من الربا الذي حرمه الشرع وعلم الحكمة في إبطاله وإن لم يعلمها الجاهلون، ويلزم مثل ماذكره فيما ورد فيه النص الصريح.(1/256)
فيقال له: والعاقل لايبيع الصاع الجيد الذي يساوي صاعين من الردي بصاع منه فإنه سفه وإضاعة للجودة سواء سواء، وقد أرشدنا الشرع الشريف بأن يبيع الذي معه ويشتري بثمنه من الآخر ولاحرج عليه ولانقص.
وقوله: ولم يبق إلا تحريم بيعها إلا بجنس آخر، وفي هذا من الحرج ماتنفيه الشريعة، فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون به مايحتاجون من ذلك والبائع لايبيعه ببر مثلا أو شعير أو ثياب إلى آخر الهذيان الذي لامعنى له في إباحة ماحرمه الشرع.
ونقول: ليس في ذلك أي حرج ولاسفه وكيف يكون كذلك وقد نص عليه الشارع الحكيم وأرشد على لسان رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يبيع الردي ويشتري بثمنه الجيد والأجناس كثيرة، وأي حرج في أن يبيع المصنوع من الذهب أو الفضة بالجنس الآخر وكذا سائر الأجناس فليس بمتعذر ولامتعسر بل متيسر، ولو كان كذلك لما أمره الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ببيع التمر الردي بغير جنسه، بل الحرج والمشقة هو الدخول في الربا الذي هو أشد من أقبح أنواع الزنى وفيه الدخول في حرب الله.
وقوله: والحِيَل باطلة في الشرع.
يقال: أما مانص عليه الشرع من الحِيَل كبيع ذلك بغير جنسه فأي بطلان فيه، وكيف يقال: الحيل باطلة، وقد شرعها اللّه سبحانه وتعالى ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم وحيلة الضغث منصوص عليها في كتاب اللّه تعالى، فكيف يقال: الحيل باطلة في الشرع؟ وإنما الباطل ماكان فيه معارضة للشرع الشريف كحيلة أصحاب السبت وكهذه الحيلة في بيع الذهب بأكثر منه ذهباً بحيلة الصنعة مع أن الشرع لم يعتبر الجودة والرداءة في الجنس الواحد من التمر بالنص الصريح، ولافرق قطعاً بين الصنعة والجودة عند كل عاقل.
وأما قوله: والنصوص الواردة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليس فيها ماهو صريح في المنع وغايتها أن تكون عامة أو مطلقة ولاينكر تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس الجلي.(1/257)
يقال: إنه وإن لم يقل الذهب المصنوع وغيره بالذهب المصنوع وغيره هذا هو الذي يريده فقد نص على ذلك بالعموم، فإن الذهب عام لكل أنواعه سواء المصنوع وغيره، ولايجوز أن يخرج عن العموم إلا بمخصص صحيح لابمجرد التخيلات والتوهمات، وأين القياس الجلي الذي أخرجت به المصنوع من عموم الذهب بالذهب؟
وأما قوله: وهي بمنزلة نصوص وجوب الزكاة في الذهب والفضة والجمهور يقولون: لم تدخل الحلية.
يقال: قول الجمهور ليس دليلا أو حجة، والصحيح أن الحلية تجب فيها الزكاة وقد وردت نصوص في وجوبها في الحلية والمعتمد الدليل لاتتبع الأقاويل.
فقوله: فتجب الزكاة ويجري الربا في بعض صوره تخصيص لغير مخصص من الشرع وإنما هو بمجرد الرأي الذي لم يستند فيه إلى دليل إنما معه أنه قول الجمهور، ثم ساق كلامه الذي ليس فيه أي حجة بل ذلك مخالف للنصوص الشرعية، ومثل ذلك تمحلات وهمية وقياسات تمثيلية في مقابلة النصوص الشرعية، وقد أوجب الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم الفصل في خبر القلادة وهي مصنوعة ليتيقن التساوي، وأمر ذات السوارين بالزكاة.
قوله: كانوا يتخذون الحلية. إلى قوله: ومعلوم أنها لاتباع بوزنها.
هذا كله من القطع بالعلم والمعرفة بلا دليل ودعوى بلا برهان، فيا لله العجب من الاستناد إلى مثل هذه الشبه التي هي أوهن من نسج العنكبوت.
ثم قوله في العرايا: وتحريم الحرير والذهب على الرجال وأنه أبيح منه ماتدعو إليه الحاجة.
يقال: لم يبح منه إلا ما أبيح بنصوص من الشرع صحيحة ولاكلام فيما ورد فيه النص، وأما تعليله بالحاجة المطلقة فيلزم منه أن يباح جميع أنواع الربا بمجرد الحاجة، فمن احتاج إلى ذهب جيد يجوز له أن يشتريه بأكثر منه ردي وكذا جميع أنواع الربويات، ولم يبق معنى لتحريم الربا إلا مالايحتاج إليه على قوله هذا، إذ قد جعل الحاجة مبيحة لما حرمه الشرع بهذا القياس المعكوس والنظر المنكوس، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(1/258)
وأما قول المؤلف: وقد تعقبه بعض المتأخرين. نقول: كان على المؤلف أن يذكر التعقيب.
ثم قوله: إلا أنه لما اشتدت حاجة الناس إلى العمل به. إلى قوله: ولانص يخالفها كان للفتوى بذلك وجه وجيه.
يقال: بل قد ورد النص بما يخالف هذه الفتوى وهو قوله ((الذهب بالذهب.. الخ)). وكذا النص الصريح في التمر الجيد بالردي، فكيف يقال: ولانص يخالفها؟ ثم قوله: وقد تقدم نظير ذلك فيما نقلناه عن ابن القيم في باب طواف الزيارة.
يقال: الكلام عليه هناك كالكلام هنا فإنه إبطال للنص بالرأي الفاسد، كيف وقد قال صلى اللّه عليه وآله وسلم في حق صفيه: ((أحابستنا هي؟)) أي إن لم تكن قد أفاضت، ولم يقل: لابأس يجوز أن تطوف وهي حائض لئلا تحبس الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن معه من الحجيج، كما أجازه ابن القيم وخصص العموم بمجرد الرأي الذي لادليل عليه، وهذا يدلك أن المؤلف رحمه اللّه قد تأثر بالرأي المذكور، فلاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
---(1/259)
مع ابن الوزير في إيثار الحق على الخلق
[الجواب على قوله : وجود ما علم أنه لا يوجد]
من صفح (271) في طبعة 1318هـ الطبعة الأولى: قوله: اتفق أهل السنة من أهل الأثر والنظر والأشعرية على أن الإرادة لا يصح أن تضاد العلم ولا يريد الله تعالى وجود ما قد علم أنه لا يوجد.
قلت: يقال: لاتضاد في ذلك أصلا فقد علم قطعاً عقلاً وشرعاً أن الله تعالى مريد للطاعات من جميع المكلفين لقوله تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56] وهو عالم عز وجل أنها لاتقع إلا من المؤمنين، ولادليل يدل على استحالة ذلك أصلا لاعقلا ولانقلا.
وأما قوله: فإنا ندرك من أنفسنا امتناعها مثل أن نريد من الله تعالى.. الخ.
فإنما المدرك هو المحاولة لذلك لا الإرادة فهي ممكنة وواقعة كما قال الشاعر:
ألاليت الشباب يعود يوماً .... فأخبره بماصنع المشيب
على أنه يقال بعد هذا كله إن إرادة الله تعالى مخالفة لإرادة خلقه إنما هي في حقه جل جلاله، إما العلم باشتمال الشيء على المصلحة وهذا المعنى حاصل قطعاً فإن في طاعة العباد المصلحة العامة، وإما بمعنى الأمر للعباد وقد وقع قطعاً، وماسوى ذينك باطل وإن ذهب إليه ذاهب، وأيضاً فليست الحكمة في طلب الطاعات من العصاة هي حصولها بل إقامة الحجة وإيضاح المحجة والتعريض على الخير الممكن الذي لايمنع منه مانع وهو حسن قطعاً وإن علم أنه غير واقع، وإذا تأملت هذا حق التأمل اتضح لك أن جميع ماطول به في هذا الباب تطويل بلاطائل.(1/260)