هذا وأخبار المؤاخاة كثيرة شهيرة، وكانت المؤاخاة مرتين في كلتيهما جعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليا أخاه، وقد أخرجه باللفظ الذي ذكره الإمام المنصور بالله عبدالله في الشافي: ((أنت أخي في الدنيا والآخرة )) الحاكم في صفح (14) من الجزء الثالث من المستدرك عن ابن عمر من طريقين صحيحين على شرط الشيخين.
وأخرجه الذهبي في تلخيصه معترفاً بصحته، وأخرجه الترمذي فيما نقله ابن حجر في صفح (73) من صواعقه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدي )) . أخرجه الشيرازي في الألقاب وابن النجار عن ابن عمر، وقال له صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنت أخي وصاحبي )) أخرجه ابن عبدالبر في الاستيعاب بسنده إلى ابن عباس، وقال له صلى الله عليه وآله وسلم: (( وأما أنت ياعلي فأخي وأبو ولدي ومني وإلي )) ، أخرجه الحاكم في الجزء الثالث واعترف الذهبي بصحته، وقال له صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبريء ذمتي)) . أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر، وكان علي عليه السلام يقول: أنا عبدالله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لايقولها بعدي إلا كاذب. أخرجه النسائي في الخصائص والحاكم وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم وأبو نعيم.
وقال علي عليه السلام: ((والله إني لأخوه، ووليه، وابن عمه، ووارث علمه فمن أحق به مني )) أخرجه في المستدرك والذهبي مُسَلِّماً بصحته.(1/246)


قال ابن عبدالبر في الاستيعاب: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين، ثم آخا بين المهاجرين والأنصار وقال في كل واحدة منهما لعلي: (( أنت أخي في الدنيا والآخرة )) وممن أخرج أخبار المؤاخاة بين الرسول وبين علي صلوات الله عليهما وآلهما وسلامه أحمد بن حنبل في المناقب وابن عساكر في تاريخه والطبراني والبيهقي في مجمعيهما والباوردي في المعرفة وابن عدي وغيرهم وأخرج الإمام أحمد في مسنده، والإمام النسائي في خصائصه والحاكم في مستدركه والذهبي في تلخيصه معترفاً بصحته وغيرهم، من أصحاب السنن بطرق مجمع على صحتها عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث طويل: (( لايذهب بها أي براءة إلا رجل هو مني وأنا منه )) وأنه قال له صلى الله عليه وآله وسلم: (( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي )) ((إنه لاينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي))، وأنه قال له صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنت وليي في الدنيا والآخرة )) ، وأنه قال له صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة )) ، وفيه قال ابن عباس: وسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبواب المسجد غير باب علي فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره، وأنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كنت مولاه فإن مولاه علي )) . والحديث طويل اختصرته وقد ذكر فيه خبر الراية، وأنه أول الناس إسلاماً، وخبر الكساء، وشراء علي نفسه ليلة نام على الفراش وشواهده لاتحصى.(1/247)


[إثبات الوصاية لأمير المؤمنين عليه السلام]
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا )) مخاطباً لبني عبدالمطلب في خبر الإنذار. أخرجه بهذه الألفاظ ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في سننه ودلائله، والثعلبي والطبري في سورة الشعراء من تفسيريهما، والطبري أيضاً في الجزء الأول من تاريخه صفح (217)، وأبو جعفر الإسكافي في نقض العثمانية مصححاً له، والحلبي وغيرهم، وأخرج الطبراني في الكبير بسنده إلى سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي ينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب)) .
وأخرج محمد بن حميد الرازي عن بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لكل نبي وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب )) وأخبار المؤاخاة والوصية كثيرة. انظر البسائط كتخريج الشافي لشيخنا علامة العترة الحسن بن الحسين الحوثي رضي الله عنهما واستوفينا ذلك في لوامع الأنوار، وقد ألف في إثبات الوصية لأمير المؤمنين عليه السلام القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني صاحب نيل الأوطار مؤلفاً سماه العقد الثمين وقد طبع في ضمن الرسائل اليمنية ورَدَّ على ماروي في البخاري ومسلم عن عائشة، ولفظ ما روياه: ذكر عند عائشة أن النبي أوصى إلى علي رضي الله عنه فقالت: من قاله إلى قولها: فكيف أوصى إلى علي، قال بعض العترة: قد تعلم أن الشيخين يعني البخاري ومسلماً رويا في هذا الحديث وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي من حيث لايقصدان، فإن الذين ذكروا يومئذ أن النبي أوصى إلى علي لم يكونوا خارجين من الأمة بل كانوا من الصحابة أو التابعين إلى آخر كلامه.(1/248)


قلت: وهذا واضح ويأبى الله إلا أن يخرج الحق على ألسنة منكريه، ومثل هذا ماروياه عن طلحة بن مصرف قال: سألت عبدالله بن أبي أوفى هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى؟ قال: لا. قلت: كيف كتب على الناس الوصية ثم تركها؟ قال: أوصى بكتاب الله!. انظر كيف تناقض كلامه لما صدمته الحجة أثبت الوصية بعد أن نفاها، وقد نبه على هذه المناقضة المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليهما السلام في الشافي والقاضي الشوكاني في العقد الثمين.
والحق أبلج ماتخيل سبيله .... والحق يعرفه أولوا الألباب
قال في شرح النهج الجزء الأول ص 143 الطبعة الثانية 1385 هـ في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام: "لايقاس بآل محمد صلى اللّه عليه وآله من هذه الأمة أحد، ولايُسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله" مانصه: ومما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمن كونه عليه السلام وصي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قول عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب:
ومنا عليٌّ ذاك صاحبُ خيبرٍ .... وصاحبُ بدرٍ يوم سالت كَتَائِبُه
وصيُّ النبي المصطفى وابنُ عمه .... فمن ذا يدانيه ومن ذا يُقَارِبُه
وقال عبد الرحمن بن جعيل:
لعمري لقد بايعتمُ ذا حفيظة .... على الدين معروف العفاف موفقا
علياً وصيُّ المصطفى وابن عَمِّهِ .... وأول من صلى أخا الدين والتُّقى
وقال أبو الهيثم بن التيهان وكان بدرياً:
قل للزبير وقل لطلحة إننا .... نحن اللذين شعارنا الأنصارُ
نحن الذين رأت قريشٌ فعلَنا .... يوم القَلِيب أولئك الكفارُ
كنا شعارَ نبينا ودثارَه .... يفديه منا الروحُ والأبصارُ
إن الوصيَّ إمامُنا ووليُّنا .... برح الخفاءُ وباحَت الأسرارُ(1/249)


وقال عمر بن حارثة الأنصاري إلى قوله:
أبا حسن أنت فصل الأمور .... يبين بك الحل والمحرم
جمعت الرجال على راية .... بها ابنُك يوم الوغَى مُقْحِم
ولم ينكص المرءُ من ضعفه .... ولكن توالت له أسهم
فقال رويداً ولاتعجلوا .... فإني إذا رشقوا مقدم
فأعجلته والفتى مجمع .... بمايكره الوجل المحجم
سمي النبي وشبه الوصي .... ورايته لونها العندم(1)
وقال رجل من الأزد يوم الجمل:
هذا علي وهُو الوصيُّ .... آخاه يوم النجوة النبي
وقال هذا بعدي الولي .... وعاه واع ونسي الشقي
وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبة شاب معلم من عسكر عائشة وهو يقول:
نحن بني ضبة أعداء علي
وفارس الخيل على عهد النبي .... ذاك الذي يعرف قدماً بالوصي
لكنني أنعى ابن عفان التقي .... ما أنا عن فضل علي بالعمي
إن الولي طالب ثأر الولي
__________
(1) ـ أي الحلال والحرام. تمت من المؤلف.
(2) ـ المران: الرماح الصلبة. واحده: مرانه.(1/250)

50 / 83
ع
En
A+
A-