في مقتل الحسين عليه السلام
قال ابن تيمية في الجزء (27 صفح 471) من الفتاوى الطبعة الأولى في سياق قصة الحسين عليه السلام مالفظه:
ووقع القتل حتى أكرم الله الحسين ومن أكرمه من أهل بيته بالشهادة رضي الله عنهم وأرضاهم وأهان بالبغي والظلم والعدوان من أهانه بما انتهكه من حرمتهم واستحله من دمائهم ((وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء)) [الحج:18] وكان ذلك من نعمة الله على الحسين وكرامته له لينال منازل الشهداء حيث لم يجعل له في أول الإسلام من الإبتلاء والامتحان ماجعل لسائر أهل بيته لجده صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه وعمه وعم أبيه رضي الله، عنهم فإن بني هاشم أفضل قريش وقريشاً أفضل العرب والعرب أفضل بني آدم كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل قوله في الحديث الصحيح: ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم بني إسماعيل واصطفى كنانة من بني إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم )) وفي صحيح مسلم: أنه قال يوم غدير خم: ((أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي )) وفي السنن أنه شكى إليه العباس أن بعض قريش يحقرونهم، فقال: (( والذي نفسي بيده لايدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي )) وإذا كانوا أفضل الخلق فلاريب أن أعمالهم أفضل الأعمال وكان أفضلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لاعدل له من البشر ففاضلهم أفضل من كل فاضل من سائر قبائل قريش والعرب بل ومن بني إسرائيل وغيرهم، ثم علي وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث هم من السابقين الأولين من المهاجرين فهم أفضل من الطبقة الثانية من سائر القبائل، ولهذا لما كان يوم بدر أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمبارزة لما برز عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قم ياحمزة قم ياعبيدة قم ياعلي فبرز إلى الثلاثة ثلاثة من بني هاشم، وقد ثبت في الصحيح أن فيهم نزل قوله تعالى: ((هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ..))(1/236)


[الحج:19] الآية، وإن كان في الآية عموم، ولما كان الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وكانا قد ولدا بعد الهجرة في عز الإسلام ولم ينلهم من الأذى والبلاء مانال سلفهما الطيب فأكرمهما الله بما أكرمهما به من الابتلاء لترفع درجاتهما وذلك من كرامتهما عليه لامن هوانهما عنده كما أكرم حمزة وعلياً وجعفراً وعمر وعثمان وغيرهم بالشهادة.. إلى قوله: وقد علم الله أن مصيبته تذكر على طول الزمان.. إلى قوله: وطائفة من العلماء يلعنون المعين كيزيد.. إلى قوله: ويزيد بن معاوية قد أتى أموراً منكرة منها وقعة الحرة.. إلى قوله: ولهذا قيل للإمام أحمد أيكتب الحديث عن يزيد. فقال: لا ولاكرامة أوليس هو الذي فعل بأهل الحرة مافعل. وقيل له: أما تحب يزيد؟ فقال: وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر. فقيل: فلماذا لاتلعنه؟ فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ إلى أن قال ابن تيمية في ذكر يزيد لعنه الله تعالى: لكنه مع ذلك ما انتقم من قاتليه ولاعاقبهم على مافعلوا، إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه الذي كان يخاف عليه من الحسين وأهل البيت رضي الله عنهم.. إلى آخر كلامه. وهو كلام نفيس. وفيه رد واضح على المخالفين المدَّعين لمتابعة الشيخ المذكور، وإلى الله ترجع الأمور، والشيخ ابن تيمية يقول: بأن إجماع أهل البيت حجة. نص عليه في فتاواه.
اعلم أن الذي سبق من النقل عن ابن تيمية مما يدل على موافقته إنما هو من إخراج الحق على ألسنة الخصوم وإلا فهو من أشدهم عناداً وأبينهم فساداً، وسأنقل هنا مافيه أكبر برهان على ذلك مع بيان الرد عليه وعلى أمثاله بالأدلة القاطعة والحجج المنيرة الساطعة.(1/237)


في الخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال ابن تيمية في المنهاج في الجزء الأول ص (269) مالفظه: فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.. إلى قوله: ولم يقل أحد قط إني أحق بهذا من أبي بكر، ولاقاله أحد في أحد بعينه: إن فلاناً أحق بهذا الأمر من أبي بكر، وإنما قاله من فيه أثر جاهلية عربية أو فارسية أن بيت الرسول أحق بالولاية، لأن العرب في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي بل كان العباس بحكم رأيه أولى من علي. وإن قدر أنه رجح علياً بأن يقول الإسلام يقدم الإيمان والتقوى على النسب، فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام، فأما الذين كانوا يحكمون بحكم الإسلام المحض وهو الإيمان والتقوى فلم يختلف منهم اثنان في أبي بكر.. الخ.
أقول وبالله التوفيق: اعلم وفقنا الله وإياك أن هذا الكتاب قد امتلأ بالإفتراءات وإنكار المعلومات ورد الضروريات، ولابأس بلفت نظر الناظر إلى بعض من ذلك ليعرف ذووا الألباب إلى أي مبلغ بلغ في هذا الباب، فأولاً: قوله فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.(1/238)


يقال: وهل كان الأمر في قريش الذين هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أثر جاهلية عربية أو فارسية أم لايكون أثر جاهلية أو فارسية إلا إذا كان في أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، فعلى هذا يجب العمل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الأئمة من قريش )) بشرط أن لايكون في علي أو في بني هاشم! ثم يقال له: ماذا تصنع بقوله تعالى حاكياً عن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وآله: ((وَمِن ذُرِّيَّتِي)) أي: واجعل من ذريتي أئمة، أيكون ذلك أثر جاهلية او فارسية؟! وكذا قول الله سبحانه: ((فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)) أيكون ذلك أثر جاهلية او فارسية، أم لايكون أثر جاهلية أو فارسية إلا إذا كان في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم! ثم انظر إلى ماكرره في هذا البحث من الإنكار والجحد للمعلوم ضرورة وبإجماع المسلمين وبرواية الصحاح وغيرها أن علياً والعباس وجميع بني هاشم والزبير بن العوام وغيرهم من سادات المهاجرين والأنصار قالوا: إن علياً عليه السلام أحق بهذا الأمر، وقد روى البخاري ومسلم أن علياً لم يبايع أبا بكر ولا أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة عليها السلام، وهل يكون في هؤلاء أثر جاهلية أو فارسية؟! وانظر إلى قوله: وإن قدر أنه رجح علياً بأن يقول الإسلام يقدم الإيمان والتقوى على النسب فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام.. الخ.(1/239)


ففيه التصريح بأن تقديم علي عليه السلام لأجل الإيمان والتقوى جمعاً بين حكم الجاهلية والإسلام لأجل نسبه، فعلى هذا لايصح أن يكون الخليفة أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن بلغ في الاستحقاق من الإيمان والتقوى والعلم والفضل أي مبلغ لأجل قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد صارت القرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مانعة من الإمامة ولو نص عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكان ذلك أثر جاهلية أو فارسية في حكم ابن تيمية وأضرابه سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم، وانظر إلى مباهتته وإنكاره للضرورة في قوله: وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي بل كان العباس بحكم رأيه أولى من علي. فهذا كذب وافتراء محض ليس له أي شبهة أو مبرر، فالمعلوم من جميع الأمة أن العباس رضي الله عنه لم يقل ولاغيره إنه أولى بالأمر من علي عليه السلام، والمعلوم كذلك أن سعد بن عبادة ادعى أنه أولى بالأمر من أبي بكر وأنه لم يبايع حتى توفي، فكيف يقول: ولم يقل أحد قط إني أحق بهذا من أبي بكر؟ وعلى الجملة فهذا الكلام أغنى عن التصدي لرده وإبطاله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/240)

48 / 83
ع
En
A+
A-