قال ابن تيمية في الجزء التاسع عشر من الفتاوى (ص 29 الطبعة الأولى سنة 1382 هـ) مالفظه: وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، فأنا خيركم نفساً ونسباً )) . قال: وجمهور العلماء على أن جنس العرب خير من غيرهم وجنس بني هاشم خير من غيرهم وقد ثبت في الصحيح: (( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) .
وقال في صفح (30): ولكن خص قريشاً بأن الإمامة فيهم وخص بني هاشم بتحريم الزكاة عليهم، وذلك لأن جنس قريش لما كانوا أفضل الأجناس وجب أن تكون الإمامة في أفضل الأجناس مع الإمكان. انتهى كلامه.(1/226)


قلت: ولهذا أوجب أهل البيت عليهم السلام ومن تبعهم أن تكون الإمامة في أبناء الحسنين، وقد أجمعت طوائف الأمة من حنفية وشافعية ومالكية وحنبلية وجميع فرق الأمة إلا الخوارج ومن تبعهم أن منصب الإمامة في قريش للنص النبوي: ((الأئمة من قريش)) ، وقد أوردنا الأخبار النبوية في ذلك من طرق المحدثين وماساقه في فتح الباري شرح البخاري من تخريجها وحكايته للإجماع على ذلك في البحث السابق، والمعلوم أن بني هاشم أفضل قريش، وأن أبناء الحسنين أفضل بني هاشم بعد أبويهم رسول الله ووصيه وأمهم صلوات الله وسلامه عليهم، لاختصاصهم بولادة الرسول والوصي والزهراء عليهم الصلاة والسلام وهم أفضل بني هاشم قطعاً بل أفضل البشر على الإطلاق، وهذا مع ماورد من وجوب التمسك بهم كما في أخبار الثقلين المتواترة والمُتَمَسَّك به أفضل من المُتَمَسِّك قطعاً، وكونهم سفينة نوح والنجوم والأمان وغير ذلك من الأخبار النبوية التي في بعضها التصريح بإمامتهم كما أوضحناها في لوامع الأنوار، وليس ذلك من التحجر للواسع ولا الإحتكار ولا العنصرية، بل هو امتثال لما حكم الله تعالى به في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قال عز وجل: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)) [فاطر:32] ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)) [القصص:68] كما اختار الله سبحانه أنبياءه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)) [النساء:54] ((فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)) [الكهف:29]، وبهذا يجاب على بعض الكتاب الذين أطلعوا رؤوسهم لمَّا خلا لهم الجو في هذه الأيام الممتلئة بالأحداث أمثال محمد الأكوع وعبدالله الشماحي.(1/227)


قال الأول في موضوعه اليمن الخضراء ص (103) مالفظه: وإنما سموا زيدية نسبة إلى الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم من باب التغليب وإلا فهم هادوية أتباع الإمام الهادي يحيى بن الحسين المشهور إذ هم يخالفون زيد ـ كذا بغير ألِفٍ في كتابه وقال ـ: وإنما يوافقون زيد بن علي في ثلاث مسائل: الأولى في وجوب الخروج على الظلمة ومحاربتهم لأجل ذلك. ثانيهما ـ كذا في كتابه بضمير التثنية والصواب: وثانيها وثالثها تمت ـ: القول بالعدل والتوحيد في أصول الدين. وثالثهما: في الإمامة أنها لاتصح إلا في البطنين الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.(1/228)


قلت: وهذه الثلاث المسائل التي أراد الأكوع تقليلها كما هو المفهوم من عبارته هي أصول الإسلام وعمدة الدين كله ولم يبق إلا مسائل الفروع التي لايجوز التقليد فيها لأرباب الاجتهاد بل يجب على كل مجتهد أن يعمل بما أوصله إليه اجتهاده وأدى إليه نظره، فإذاً قد وافقوا الإمام الأعظم في المسائل التي يجب فيها الوفاق ولايجوز فيها التقليد ولا الاختلاف، وقد أوضحت السبب الذي أوجب الانتساب إلى الإمام الأعظم عليه السلام في شرح الزلف ص (28) وفي الطبعة الثانيةص(46) وفي الطبعة الثالثة ص (67) كما أوضحه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليهما السلام في الشافي ونقلته في الجامعة المهمة ص (71)، هذا قال الأكوع: ولاشك أنهم في هذه المسألة الأخيرة قد تحجروا شيئاً واسعاً ولم ينظروا بعين الإنصاف، ثم استدل عليهم بقوله تعالى: ((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ..)) [آل عمران:26] الآية، وقوله تعالى: ((وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا.. إلى قوله: إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ..)) [البقره:247] الآية. والآيتان حجتان عليه لا له فهما من الأدلة المصرحة باختصاص الله سبحانه واصطفائه لمن يشاء من عباده، وهو المعنى الذي أنكره، فنعوذ بالله من الحَيْرَة وعمى البصيرة، واستدل أيضاً برواية موضوعة غير ثابتة ولامعروفة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: تكون شورى بين صالحي المؤمنين قال: أو معنى هذا. وأقوال أمير المؤمنين عليه السلام معلومة مرسومة وصاحب البيت أدرى بالذي فيه، ولو سلم ثبوت تلك الرواية فليس فيها حجة، إذ هو يعلم أن صالحي المؤمنين لايختارون غير سبط رسول الله وريحانته وسيد شباب أهل الجنة فهم لايعدلون عمن اختاره الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأمير المؤمنين من صحيح الأقوال والأفعال مالاتوازنه هذه الرواية المجهولة المصطنعة، ثم يقال: وهل عملتم معشر(1/229)


الجمهوريين بمقتضى ذلك وهو أن يكون الأمر شورى بين صالحي المؤمنين، كلا بل موضوع الجمهورية أن يكون بين جميع الشعب يشترك فيها الهمج الرعاع وأهل الفساد والطغيان وأرباب الجهل والسفه والفسوق والكفران فتكون الغلبة لهم بحكم الأكثرية، إذ هم الأكثر كما هو المعلوم والمشهود له بنصوص القرآن ((وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)) [الحج:70] ((وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)) [يوسف:103] ((وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)) [الحج:71] فهذا النظام المخالف لنظام الإسلام هو الذي سعى وكدح وجد واجتهد في إقامته أمثال الأكوع والشماحي، وصاروا يحاربون الإمامة التي شرعها الله سبحانه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأجمع عليها المسلمون من عصر الصحابة الراشدين إلى هذا التاريخ، الذي ظهر فيه الفساد وانتشر الكفر والإلحاد، ولقد صار جل فخرهما في موضوعاتهما بل كله بالجاهلية الجهلاء والقرون الكافرة الأولى، وهو الفخر الذي أنكرته الشريعة الإسلامية والملة المحمدية، يفتخران بسبأ وحمير وأشباه كسرى وقيصر على أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي، ونقول ماقال الأول: فخارنا برسول الله يكفينا.. الخ. ولله القائل:
اذا افتخرت أميتهم علينا .... بقول جريرها في الامتداح
ألستم خير من ركب المطايا .... وأندى العالمين بطون راح
أجبناهم بما قد قيل فينا .... وفي آبائنا صيد البطاح
أليس لجدكم في اللوح ذكر .... مع اسم الله لايمحوه ماحي
ومن قال الإمامة في سوانا .... كمن قال النبوة في سجاح
أي: في البطلان ومخالفة الحق.
ليس لنا فخر إلا بالله جل جلاله وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام وأصفيائه وأوليائه.
وحسبكم هذا التفاوت بيننا .... وكل إناء بالذي فيه ينضح(1/230)

46 / 83
ع
En
A+
A-